سكة حديد السودان (1) | … في إنتظار العودة إلى سيرتها الأولى في ربيع السودان

قطار النيل في محطة عطبرة

سكك الحديد في بلاد العرب

تستند بيانات أطوال سكة الحديد في العالم العربي إلى بيانات الاتحاد الدولي لخطوط السكك الحديدية كما كانت في الأعوام المبينة في الجدول. وتشمل هذه الأرقام أيضًا أنظمة النقل الجماعي في المدن والضواحي، وكذلك الخطوط التي لا تستخدم لخدمات الركاب.


مواضيع ذات صلة
السودان| مؤشرات في التنمية (بيانات 2017)
سكة حديد السودان (2) | إرث حضاري على طريق التجديد والحداثة
نظم النقل السريع الحديثة| المترو والترام في بلاد العرب
نظم النقل السريع الحديثة| المترو والقطار السريع في جزيرة العرب
نظم النقل الجماعي |المترو والترام في مصر العربية
نظم النقل الجماعي| المترو والترام في دول المغرب العربي
نظم النقل الجماعي| صفحات مطوية من تاريخ ترام دمشق وحلب
نظم النقل الجماعي| صفحات مطوية من تاريخ ترام بيروت

ورغم أن هذه البيانات لا تعطي صورة دقيقة لواقع سكك الحديد في الدول العربية في العام 2018، إلا أنها تؤشر على ترتيب وحجم خطوط السكة الحديد في هذه الدول.  وقد بلغ إجمالي اطوال الخطوط أكثر من 32 الف كم وفق التواريخ المبينة لكل دولة والتي شكلت 2.5% من طول الخطوط في العالم.

توزيع الدول العربية حسب طول خطوط سكة الحديد

وقد حدثت تغيرات كبيرة في سكك الحديد في بعض الدول العربية في مجال نظم النقل الجماعي والقطارات السريعة داخل وبين المدن كما في المغرب والجزائر وتونس ومصر والسودان وفي دول السعودية والإمارات وقطر .

ففي الجزائر، هناك برنامج كبير لتطوير سكة الحديد يشمل 6300 كم تضم خطوطاُ مكهربة، أو مهجنة أو على الوقود تم إنجازها أو في طور الإنجاز حتى عام 2019.

وفي مصر هناك تطور في صناعة مهمات سكة الحديد وحركة تجديد شاملة لسكة الحديد الأطول عربياً (كما يبين الجدول) حتى عام 2020، إضافة لخط سكة حديد كهربائي في طور البناء يربط العاصمة الإدارية الجديدة بأحياء من القاهرة يربطه بمترو القاهرة.

وهناك الكثير من السكك بحاجة لإعادة تأهيل للخطوط أو القاطرات كما في السودان للسير بسرعات ملائمة،  أو أنها خطوط غير عاملة أو بمواصفات غير صالحة للتطوير، فبعضها خطوط أقيمت بالعرض الضيق غير القياسي (العالمي)، أو تستخدم عوارض خشبية، أو أن  القاطرات متهالكة وغير قابلة للتطوير بحالتها الراهنة وتعمل بشكل جزئي كما في لبنان والأردن وفي بعض خطوط سوريا والعراق.

وقد أوصت الجامعة العربية خلال اجتماع وزراء النقل العرب عام 2010 بالعمل على الربط السككي وإقامة خطوط سكة الحديد بين كافة الدول العربية. وفي هذا الإطار، هناك مشروع لربط خط سكة الحديد بين أسوان في مصر ومحطة أبو حمد مروراً بحلفا في السودان .

وهناك مشروع في الأردن للربط السككي لإقامة خط سكة حديد مع العراق شرقاً ومع السعودية جنوباً، ومشروع لقطار الخليج للربط السككي بين دول مجلس التعاون الخليجي.

سكة حديد السودان

تشكل سكة حديد السودان صفحة مشرقة تعكس موروثاً اجتماعياً واقتصادياً صبغ تاريخ السودان الحديث. وتمتلىء الذاكرة الشعبية بصورة القطارات ومحطاتها التي تصدرت المشهد الإقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي في أرجاء واسعة من السودان لعقود طويلة ممتدة في القرن العشرين الذي شهد صعود وهبوط نجم سكة حديد السودان.

سكة حديد السودان : صعود سكة الحديد
مرحلة ما قبل الإستقلال

شهد السودان في عام 1875م انشاء اول خط سكة حديد السودان من حلفا إلى صرص في عهد الخديوي اسماعيل باشا أثناء الحكم التركى للسودان. وكان الهدف من إقامة الخط هو تعزيز التجارة بين مصر والسودان.  واستمر تمديد الخط الحديدي حتى وصل إلى مدينة كرمة في مايو 1897 ليصبح طول الخط من نقطة البداية إلى النهاية 327 كم وقد استغرق تنفيذه 22 عاماً.  لكن عدم جدوى هذا الخط في نظر السلطة المستعمرة، أدت لإلغاءه فيما بعد.

خارطة سكة الحديد

كان هدف اختيار حلفا كمحطة أولية على حدود مصر، أن تكون نقطة لإمتداد خط السكة إلى أسوان في جنوب مصر لاستخدامه في نقل منتجات السودان من القطن والصمغ والفول السوداني إلى مصر ومن ثم تصديره للدول المستعمرة وغيرها، وكذلك توريد احتياجات السودان عبر موانئ مصر في حينه.

بدأت المرحلة الثانية في العام 1897م بإقامة خط سكة حديد يربط بين وادى حلفا والخرطوم  مروراً بمحطتي ابو حمد وعطبرة وصولاً إلى الخرطوم، وانتهت إقامة الخط في عام 1899 كما تبين خريطة خطوط ومحطات سكة حديد في السودان.  وقد كان هناك عشر محطات لسكة حديد السودان بين حلفا وأبو حمد شمالي عطبرة، أخذت أرقاماً من 1-10 ، وكانت المحطة تعرف برقمها (نمرة 10 مثلاً) وليس بالأسماء.

وشكل نقل الصادرات والواردات عن طريق المواني المصرية فيما بعد، معوقا أساسيا للتطوير الاقتصادي، وعليه فقد تقرر إنشاء خط حديدي يربط ميناء سواكن العثماني القديم قرب بورتسودان بالخط الرئيسي مع عطبرة في عام 1906.

وفي نفس العام، تم تشييد ميناء بورتسودان، ومد خط سكة حديد البحر الاحمر لربط بورتسودان مع خط سكة الحديد الممتد إلى عطبرة. وتم في نفس العام 1906 مد خط يربط محطة نمرة 10 شمال محطة أبو حمد مع كريمة بعد إلغاء خط حلفا-كرمة لعدم جدواه الإقتصادية.

وفي عام  1909 تم مد خط الخرطوم – مدني إلى سنار  في نهاية عام 1911  وبطول 692 كم. وتم تشييد خط سكة حديد غرب النهر وصولاً إلى  الأُبَيِض فى عام 1911 بطول 962 كم من الخط الحديدي بين الخرطوم والأُبيض، الأمر الذي سمح بربط ولاية الجزيرة وأواسط كردفان بأسواق العالم .

وتبع ذلك ربط تقاطع سنار بالقضارف وكسلا شرقاً وصولاً إلى هيا على خط بورتسودان – عطبرة خلال عامي 28-1929،  وبلغ طول خط هيا سنار 802 كم .

مرحلة الاستقلال

استقل السودان في يناير كانون ثاني 1956م.  وواصلت الحكومة الوطنية الاولى استكمال ربط البلاد بشبكة السكك الحديدية لربط ولاية الجزيرة واواسط كردفان باسواق العالم. وقد شهد السودان تشييد خطوط فرعية لربط الجزيرة في وسط السودان مع غرب وشرق وجنوب البلاد مع الخط الرئيسي لتصبح تلك المناطق اكثر تكاملا مع الاقتصاد الوطني.

وامتدت خطوط السكك الحديدية غرباً من الأُبَيِض إلى نيالا  مروراً بأبو زبد وبابانوسا بطول 986 كلم في غرب السودان.  وتم مد خط من بابانوسا إلى واو في الجنوب خلال الفترة  1956- 1962 بطول 445 كم.

وقد امتد خط لسكة الحديد من سنار جنوباً إلى الدمازين في جنوب شرق  السودان في عام 1958 بطول 227 كم.

وقد بلغ طول الخطوط الرئيسية خلال الستينيات 4757 كلم.  وهناك خطوط فرعية تقل عن 100 كم اكتمل تشييدها خلال العامين 1995 و1996 و 2002، وبذلك بلغ إجمالي طول الخطوط حتى عام 2002 قرابة 4850 كم..

قطار الخرطوم حلفا في انتظار التحديث
محطة حلفا على حدود مصر

وقد تم تهجير نحو 52 ألف نسمة من أهالي وادي حلفا وقرى محيطة بها بموجب اتفاقية مياه النيل مع مصر في عام 1959م لإقامة السد العالي جنوب أسوان،  والذي أدى لإغراق مدينة حلفا القديمة.

وقد تم تعويض سكان حلفا المهجرين وتوطينهم في عام 1964 في منطقة قرب خشم القربة على نهر عطبرة سميت حلفا الجديدة.  غير أن بلدة وادي حلفا القديمة أعيد بناؤها وازدهرت فيما بعد على ضفة بحيرة ناصر (المسماة بحيرة النوبة في السودان) على مقربة من موقع المدينة القديمة.

إدارة سكة حديد السودان

حتى بداية القرن العشرين، كانت سكة حديد السودان مصلحة حكومية غير مستقلة تابعة للحكومة المستعمرة، وكانت الوظائف القيادية تناط بعسكرين. ومنذ عام 1902 بدأ المدنيون يديرون المحطات، وبعد ذلك انتقلت إدارة سكة الحديد وورشها المركزية من حلفا إلى عطبرة.

ومنذ عام 1954، أصبحت سكة الحديد مصلحة شبه مستقلة تدار على اسس تجارية وتقدم ميزانية منفصلة وكانت تتبع وزير النقل ويشرف عليها مدير عام مقره مدينة عطبرة.

ومنذ الستينات لم يجري تمديد يذكر لخطوط سكة حديد السودان، غير أن مصلحة سكة الحديد خضعت لعمليات إعادة هيكلة. ففي عام 1967  تحولت  المصلحة إلى هيئة تدار من مجلس إدارة يعينه وزير النقل والمواصلات ومدير عام تنفيذي مسئول امام مجلس الهيئة.

ثم جرى حل الهيئة في عام 1971 وحولت سلطاتها لوزير النقل والمواصلات وتم تعين مدير عام  لسكة الحديد.

وصدر قانون لهيئة سكك حديد السودان في عام 1973 أعيد بموجبه تشكيل مجلس ادارة للهيئة وعين لها مدير عام تنفيذي ومدراء للاقاليم ومنحوا صلاحيات واسعة لإضعاف الإدارة المركزية. واستبعدت إدارة ميناء بورتسودان ومصلحة النقل النهري وإدارة الفنادق من إشراف إدارة السكة،  ونُقل مقر مدير عام الهيئة إلى الخرطوم في عام 1981، وهكذا أصبحت إدارة السكة جزءاً من المنظومة البيروقراطية للقطاع العام في الدولة.

كانت هيئة سكة حديد السودان مؤسسة إقتصادية عملاقة بمقاييس السودان في حينها لها امتدادات واسعة تشمل إدارة الميناء والنقل النهري وتملك وتدير الفنادق. أصبح البعض يراها امبراطورية متوحشة تستطيع فرض قراراتها على الحكومة بقوتها الإقتصادية والعمالية .   وقدعملت الحكومات على تفكيك هذه القوة اقتصادية، عوضاً عن تطويرها وتنظيمها وتوجيهها لخدمة المصالح الوطنية، الأمر الذي أدى إلى تدهور اوضاع سكة الحديد وانحسار قدرتها التشغيلية بشكل كبير.

هبوط سكة حديد السودان

بدأ تدهور خطوط سكة حديد السودان في السبعينات وتسارع في في الثمانينيات بعد تسييس هيئة إدارة سكة الحديد. وقد تضررت البنية التحتية لخطوط السكك والقاطرات والجسور والإشارات وورش الصيانة التي لم تعد قادرة على تأهيل العربات والخطوط.

وساهم الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة منذ العام 1997 فى توقف العمل بالقاطرات الأميركية لعدم توافر قطع الغيار. غير أن  هيئة سكة حديد السودان تمكنت من الإبقاء على بعض القاطرات القديمة في الخدمة، والتي يعود بعضها إلى السبعينات، وكان عددها في عام 2015 قرابة 50 قاطرة.

وكان من شأن هذا التدهور انحسارها دورها كناقل وطني وارتفاع تكلفة نقل البضائع من مدخلات ومنتجات الزراعة وترك أثراً كبيراً  على الإنتاج الزراعي.  ولم تعد الخطوط ملائمةً لاحتياجات التنمية في السودان ولحاجتها للربط بالدول المتجاورة لتعزيز الروابط التجارية مع مصر وإثيوبيا.

المصادر

https://bit.ly/2GLam32
http://ukengs.forumn.org/t42-topic
https://en.wikipedia.org/wiki/Gulf_Railway#cite_note-24
سكك-حديد-السودان-أمجاد-الماضي-وانكسار/https://3ayin.com
https://en.wikipedia.org/wiki/List_of_countries_by_rail_transport_network_size
https://www.youtube.com/watch?v=62xtTpzNkAEww.youtube.com/watch?v=62xtTpzNkAE

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *