ساعة الأعظمية في بغداد
تعتبر العراق واحدة من أقدم الثقافات في العالم، والتي ساهمت في إغناء التراث الإنساني. وقد تعاقبت الحضارات على العراق على مر التاريخ منذ آلاف السنين قبل الميلاد، وخلقت تراثاً حضارياً ثرياً ومتنوعاً.
وكان العراق أول من صنع تلك الساعة التي أهداها الخليفة العباسي هارون الرشيد الى عاهل الفرنجة الامبراطور شارلمان في عام 807 م قبل أكثر من 12 قرناً.
وقد عرفت بغداد الساعات الكبيرة ذات الأبراج العالية منذ العهد العثماني ومن بينها ساعة القشلة في عام 1869 وساعة المشهد الكاظمي في عام 1883 والحضرة الكيلانية 1898 في القرن التاسع عشر. وجاءت ساعة الأعظمية في عام 1930 ثم ساعتا المحطة المركزية للقطارات في عام 1955وساعة بغداد في عام 1994 وبرج الساعة في إربيل.
موضوعات ذات صلة
مدن عربية | مدينة المنصور بغداد … حاضرة الدنيا .. وملتقى طرق العالم (1)
مدن عربية | دار السلام بغداد… التي قيل فيها يوماً؛ من لم يرها.. لم يرى الدنيا ولا الناس (2)
العراق | مؤشرات التنمية البشرية والإقتصادية (بيانات 2017)
معالم حضارية عربية| ساعات الأبراج في ساحات بلاد الشام وجزيرة العرب
معالم حضارية عربية| ساعات الأبراج في ساحات شمال إفريقيا
معالم حضارية عربية | ساعات الأبراج في فلسطين التاريخية
معالم حضارية عربية | ساعة مكة … واجهة حضارية وثقافية في السعودية
معالم حضارية عربية| ساعات الزهور النباتية في بلاد العرب
العراق أرض الحضارات (1) | أول من أقام دولة القانون.. واليوم..من الأكثر حاجة لها في العالم
العراق أرض الحضارات (2)|العهد الملكي.. دولة وطنية جامعة…في انتظار تجديد المسيرة
أهوار العراق | تراث إنساني عالمي لبلاد الرافدين أنقذته رحمة السماء في شتاء 2019
وتعتبر ساعة الأعظمية أو ساعة المعرض، من معالم مدينة بغداد التاريخية، وهي قائمة على ضفاف نهر دجلة في باحةِ جامع الإمام الأعظم ، ومن أشهر معالم مدينة الأعظمية.
وجامع الإمام الأعظم أو جامع أبو حنيفة النعمان هو أحد المساجد والمدارس التاريخية في مدينة بغداد، وتسمى منطقة الجامع بمنطقة الأعظمية نسبة إليهِ. وتقع الأعظمية في شمال بغداد على جهة الرصافة، ويقابلها منطقة الكاظمية نسبة إلى مرقد موسى الكاظم الذي يقع فيها، ويربط بينهما جسر الأئمة على نهر دجلة.
بدأ بناء جامع الإمام الأعظم في بغداد في عام 982 م في جوار قبر الإمام أبي حنيفة النعمان، واستكمل بناء المسجد وإقامة مدرسة أبي حنيفة الفقهية في عام 1066م. ومدرسة أبي حنيفة واحدة من ثلاثة أقدم جامعات على مستوى العالم، حيث سبقتها جامعة القرويين في المغرب في عام 859 م، والجامع الأزهر في مصر في عام 972م، هذا في حين أن أول الجامعات الأوروبية وهي جامعة بولونيا في إيطاليا، بُنيت في عام 1088م. وقد أصبحت هذه المدرسة تسمى كلية الإمام الأعظم.
تاريخ ساعة الأعظمية في بغداد: تجربة شاهدة على حضارة العراق
بدأ تاريخ ساعة الأعظمية حين أهدت جماعة المسلمين البهرة في الهند الحضرة الكيلانية في بغداد ساعة كبيرة ذات وجهين، وذات حركة ميكانيكية تدق كل نصف ساعة وعلى رأس كل ساعة، وكانت تعمل بانتظام وبدقة لعدة سنوات.
تلقت الحضرة الكيلانية في بغداد ساعة جديدة باربعة أوجه، ولا تزال قائمة في باحتها، وتعمل حتى الآن. ورُفعت الساعة القديمة ذات الوجهين من محلها.
تقرر تقديم الساعة القديمة المرفوعة كهدية الى مديرية الاوقاف لتنصب في جامع الإمام الأعظم في الاعظمية، في عام 1919 (قبل قرن كامل من الزمان). وكانت الساعة بحاجة الى صيانة، لمرور الوقت على تركيبها، ونتيجة لرفعها من مكانها وظروف نقلها.
أعلن عميد كلية الامام الاعظم العلامة الشيخ حمدي العبيدي الأعظمي في الجريدة اليومية، عن الحاجة لصيانة وإصلاح الساعة من اصحاب الأعمال المختصين في مجال الإصلاح والصيانة، غير أن أحداً لم يلبي طلبه. وفي اذار 1921 م، تقدم عبد الرزاق محسوب وكان عمره 44 عاماً، وصاحب ورشة لتصليح الآلات لفحص وتصليح الساعة.
ولد عبد الرزاق محسوب بن صالح عبد الهادي العبيدي الاعظمي في محلة الشيوخ في الأعظمية عام 1875، وكان إسمه مركباً، وجاء إسم محسوب لأنه ولد بعد خمس بنات. درس في كتاتيب المدارس التركية وفي مدرسة ابتدائية، ولم يتحصل على أية شهادة علمية أو مهنية.
تعلم عبد الرزاق محسوب النجارة في محل للنجارة وافتتح مشغلاً لصناعة النواعير، وأخذ يصنع النواعير من الخشب بداية ثم من الحديد. وانضم كمجند إجباري لفوج المجاهدين في الجيش العثماني في عام 1914 عند اندلاع الحرب العالميه الأولى. وأظهر أنه ميكانيكي بارع، واكتسب شهرة عندما عجز مهندسون عسكريون عن اصلاح مدفع كبير غنمه العثمانيون، ونجح هو في إصلاحه. وكان للمدفع دور مهم في معركة الكوت، وانتصر فيها العثمانيون على الأنكليز.
فحص عبد الرزاق محسوب الساعة المهداة من الحضرة الكيلانية في ورشته بجانب بيته في محلة الشيوخ، ووجد أنها غير قابلة للإصلاح، لتلف كثير من أجزائها. وعرض، عِوضاً عن الساعة التالفة، أن يقوم بتصنيع نُسخة جديدة عنها في ورشته لتصليح الآلات الزراعية. وقد وافقت مديرية الأوقاف على الطلب وكتبت له بعد طلبه بأيام بموافقتها على قيامه بصنع ساعة جديدة.
بدأ عبد الرزاق محسوب العمل على تصنيع ساعة بتقنية مماثلة للساعة القديمة، بمساعدة من ولديه محمد وعبد الهادي. ونجح في صنع الساعة مع هيكلها الخاص بأيدي عراقية، وبأربعة أوجه، بدلاً من الساعة القديمة ذات الوجهين في نهاية عام 1929 بعد عمل شاق دام قرابة 9 سنوات، وكان أحد الأوجه بالتوقيت العربي الغروبي.
وقد تطلب إنتاج الساعة الجديدة ان يذهب عبد الرزاق محسوب إلى الهند لتزويد ورشته بالنحاس اللازم لصنع جرس الساعة يمكن لصوته الرنان أن يصل إلى مسافات بعيدة.
اجرى عبد الرزاق محسوب تجربة لتشغيل الساعة أمام جمهور من أهل الخبرة، وأثبتت الساعة فعاليتها وصلاحيتها. وقدم الساعة الى ادارة الاوقاف هبة منه وبدون أية تعويضات بدلاً من الساعة التالفة.
لم تقتنع مديرية الأوقاف بفعالية الساعة وقدرتها على الإستمرار في العمل، ولم تقبل استلام الساعة. فأقام عبد الرزاق محسوب برجاً حديدياً الى جانب معمله وبيته، ونصب الساعة على البرج، وكانت صوت دقاتها يُسمع من بعيد.
زار الملك فيصل الأول كلية الإمام الأعظم في الأعظمية وصاحبه مدير الأوقاف العام في نوفمبر 1931. وقد صحبهم عميد الكلية نعمان الأعظمي إلى زيارة ورشة عبد الرزاق محسوب لمشاهدة الساعة. وقد أعجب الملك بها، وتمنى عليه أن لا يطلب الكثير ثمناً لها. وكان أن أجابه بأنه قام بصناعتها خدمة للوطن وانه لذلك يتبرع بها ولا يرجو سوى الأجر والثواب. فشكره الملك ووعده بقبولها ونصبها في موضعها في الوقت المناسب، ومنحه وساماُ، وتناول طعام الغداء في منزله.
وقد وجد عبد الرزاق محسوب فرصة لعرضها في المعرض الزراعي والصناعي الذي اقيم على حدائق باب المعظم في نيسان إبريل لعام 1932 في عهد الملك فيصل الاول، وحازت على اهتمام الزوار وفازت بالجائزة الاولى للمعرض.
وقد نوه أمين الريحاني في كتابه فيصل الاول الذي صدر في عام 1934 بالمشهد الرائع في المعرض، والحدث المهم في تاريخ النهضة العراقية والإنجاز الذي حققه أحد ابناء البلدة المشرَفَةِ باسم الامام الاعظم بتصنيع تلك الساعة المميزة في ذلك الزمان. وقال الريحاني أنها كانت مفخرة المعرض للعراق والعرب جميعاً، الأمر الذي يدحض فكرة ان العقل العربي عقيم ولا يحسن الاختراع. علما بأوقد جاء الإبتكار من شخص درس الإبتدائية فقط ولم تكن لديه أي شهادة أكاديمية لا في الهندسة ولا في غيرها، ولكنه كان إنساناً جاداً وموهوباً ويُجيد التعلم.
ظلت الساعة على أرض المعرض قُرابة 11 شهراً، ومن هنا اشتهرت أيضاً بساعة المعرض. وعندها وافقت الاوقاف على تسلمها بعد نجاحها في المعرض، ولكنها بقيت محفوظة في مستودعاتها عُرضة للصدأ في انتظار بناء بُرج لنصب الساعة، الأمر الذي امتد لأكثر من 25 عاماً.
أقعد المرض عبد الرزاق محسوب عندما بلغ عمره 77 سنة في عام 1952، وأوصى ابنه صالح بأن يعمل على مراجعة دائرة الأوقاف لخزن أدوات الساعة في إحدى غرف جامع الإمام أبي حنيفة حتى يحين نصبها . توفي الحاج عبد الرزاق في نوفمبر تشرين الثاني 1953، دون أن يتمكن من رؤية الساعة التي أجاد في صُنعها في باحة الإمام الأعظم أبي حنيفة.
قررت الحكومة في عام 1959 في عهد عبد الكريم قاسم، صيانة وإعادة تأهيل الساعة. وقد كُلفت وزارة الإسكان ببناء برج للساعة، وجرى التعاون مع ابناء عبد الرزاق لإعادة تصنيع بعض اجزاء الساعة المتآكلة من الصدأ محلياً (ومنها ناقوس \ جرس الساعة). وقيل أن الرئيس عبد الكريم قاسم رفض طلباً لشراء الناقوس من بريطانياً، وأكد على أن تبقى الساعة محلية الصنع.
وبعد وضع التصاميم، تم بناء البرج على شكل اسطواني بارتفاع 25 م عند الباب الرئيسي الغربي لجامع الإمام الاعظم في عام 1961، وتم اكسائه بالفسيفساء الايطالي الازرق والابيض.
وقامت دائرة الاوقاف بإكساء البرج بصفائح معدن الألمنيوم بلون ذهبي في عام 1973، كما جرى صيانة وتطوير الساعة في عام 1993.
تعرض برج الساعة لقذيفة صاروخية من طائرة أمريكية في عام 2003 ، وتعرضت الساعة للتلف. وقد قام ديوان الوقف السني وعدد من الشركات بإعادة ترميم البرج، فيما قام ثلاثة من أبناء وأحفاد عبد الرزاق محسوب بإصلاح الأجزاء المتضررة من آلة الساعة، وتم تشغيلها في عام 2005. ولا تزال الساعة قائمة في باحةِ جامع الإمام الأعظم وتعمل بانتظام وبدقة.
مواصفات وعمل ساعة الأعظمية
يبلغ وزن ساعة الأعظمية ثمانية اطنان، وهي بأربعة وجوه، ويبلغ ارتفاعها 2.4 م ، وقطر كل وجه متران. ويظهر على كل وجه ثلاثة عقارب تشير الى الدقائق والساعات، وهناك عقرب ثالث يشير الى الايام (كما يبين شكل الساعة).
صممت هذه الساعة على مبدأ الثقل حيث يتدلى منها ثلاثة اثقال (كما يبين الشكل) تحرك ثلاثة مكائن. ويقع موقع الثقل الاول في الوسط وهو الذي ينظم حركة العقارب، وموقع الثاني من الجهة اليمنى وهو الذي ينظم دقات ارباع الساعة، وموقع الثالث في الجهة اليسرى وهو الذي يعلن بدقات قوية عن الوقت.
وتعطى ساعة الأعظمية دقة عند ربع الساعة، ودقة أعلى عن نصف الساعة، وعدة دقات على رأس كل ساعة حسب الساعة، فهي 3 دقات عند الساعة الثالثة.
وكانت 3 أوجه من الساعة تعطي التوقيت الزوالي المستخدم عالمياً، بينما يُعطي الوجه الرابع التوقيت العربي (الغروبي). وفي التوقيت الغروبي، ينتهي اليوم عند غروب قرص الشمس كاملاً، ويتم تقديم الساعة أو تأخيرها في كل بلد وضبطها على أذان المغرب عند الساعة الثانية عشره بالضبط، ويكون موعد صلاة العشاء في الساعة 1.30 في كل الفصول.
ساعات الأبراج في بغداد
عرفت بغداد الساعات الكبيرة ذات الأبراج العالية منذ العهد العثماني ومن بينها ساعة القشلة 1869 وساعة الكاظمين سنة 1882 م والحضرة الكيلانية 1898 وجاءت ساعة الأعظمية في عام 1930م ثم ساعتا المحطة عام 1955وساعة بغداد عام 1994 وبرج الساعة في إربيل.
ساعة القشلة: بج بن بغداد
بعد استكمال مبنى القشلة في عام 1868، شيد الوالي العثماني مدحت باشا لاول مرة في تاريخ بغداد برجاً هرمياُ في المبنى يرتفع 22 متراً ويطل البرج على شاطئ دجلة. وتم نصب ساعة القشلة ذات الأربعة أوجه فوق البرج، بعد عشرة سنوات من نصب ساعة بج بن على مبنى مجلس العموم البريطاني في لندن، ولا يزال برج الساعة قائماً.
وقد جاءت هذه الساعة هدية من ملك بريطانيا جورج الخامس في عام 1859. ونظراً لدقتها، فقد أصبحت ساعة القشلة أساساً للتوقيت في مدينة بغداد. وكان رنين صوتها عالياً ويسمع في أنحاء بغداد ذلك الزمان، إذ كان جرس الساعة بارتفاع متر وقطر ثلاثة امتار. وظلت الساعة تعمل بانتظام حتى وقت قريب، في انتظار أن تعمل السلطات المختصة على إصلاحها.
ساعة المشهد الكاظمي
أقيمت ساعتا المشهد الكاظمي الذي يضم قبري الامامين موسى الكاظم ومحمد الجواد خلال الفترة 83-1885، وقد تم إهداءهما من ملك ايران ناصر شاه ومواطن إيراني. وقد رُفعت ساعة الباب القبلي على برج يرتفع 16 م ، ولها أربعة أوجه وتدق كل ربع ونصف ساعة وعلى رأس كل ساعة.
ساعة الحضرة الكيلانية
أقيمت ساعة الحضرة الكيلانية ذات الأوجه الاربعة على برج يرتفع 30 م في عام 1898 م، بدلاً من الساعة القديمة التي أهديت الى مديرية الاوقاف لتنصب في جامع الامام الاعظم في الاعظمية، والتي أشير إليها سابقاً.
ساعتا محطة بغداد العالمية
نصبت هاتان الساعتان على برجي واجهة الباب الشرقي للمحطة المركزية للقطارات في بغداد التي أكمل بناؤها عام 1955، وتحاكي المحطة المركزية للقطارات في لندن. وقد علت كل برج منهما ساعة كبيرة ذات وجه واحد، وتعلن الساعة الجنوبية الوقت بالأرقام الإنكليزية (Arabic numbers) وتعلن الساعة الشمالية الوقت بالأرقام الهندية (الشائع وصفها بالأرقام العربية) .وتتشابه دقات ساعاتي المحطة العالمية في بغداد، مع ساعة بغ بن الشهيرة في لندن، وتعمل بانتظام نتيجة الصيانة المستمرة من إدارة سكة الحديد.
ساعة بغداد
أنشأت هذه الساعة في عام 1994، وقد تعرضت للقصف عام 2003 مما أدى إلى تدميرها، وقد قامت الحكومة العراقية لاحقا بترميمها.
برج الساعة في إربيل
يُظهر الشكل برج الساعة في ساحة القلعة في وسط مدينة إربيل عاصمة إقليم كردستان، غير أنه لم يتوفر أية معلومات حول البرج بالعربية أو الإنجليزية على شبكة المعلومات الدولية.
المصادر