مؤشر مُدرَكات الفساد 2023
بدأت منظمة الشفافية الدولية Transparency Internationa في إصدار مؤشر مُدرَكات الفساد (Corruption Perceptions Index: CPI) في عام 1995 كمؤشر مركب لقياس مدركات الفساد في القطاع العام في دول العالم. وقد جرى تعديل وتنقيح منهجية قياس المؤشر والمصادر المستخدمة في إعداده، وكانت التغييرات جوهرية في المنهجية في عام 2012، بحيث تسمح بمقارنة الدرجات عبر سلسلة زمنية ممتدة حتى عام 2012.
وقد صدر تقرير مؤشر مُدرَكات الفساد 2023 عن منظمة الشفافية الدولية في 30 يناير كانون الثاني 2024 .
وسنتناول مفهوم الفساد لمنظمة الشفافية الدولية وأشكال ومستويات الفساد ومسبباته واضراره وآليات مكافحته والتقارير الدولية التي تتصل بالشفافية والحوكمة ومكافحة الفساد ومنهجية قياس مؤشر مُدرَكات الفساد والدول الاكثر شفافية عالميا والدول العربية في ميزان الشفافية العالمية.
مؤشر مُدرَكات الفساد 2023: مفهوم الفساد
تعرف منظمة الشفافية الدولية الفساد بأنه إساءة استخدام السلطة الموكولة للعاملين في القطاع العام لتحقيق مكاسب خاصة. ويؤدي الفساد إلى تآكل الثقة، ويضعف الديمقراطية، ويعوق التنمية الاقتصادية، ويزيد من تفاقم عدم المساواة، والفقر، والانقسام الاجتماعي، والأزمة البيئية. ويتصل مؤشر مُدرَكات الفساد بفساد القطاع العام )تحديداً)، والذي يقع الفساد في اجهزة الحكومة، والمحاكم، ووسائل الإعلام، والمجتمع المدني، وفي قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية والرياضية. ويشمل الفساد السياسيين والمسؤولين الحكوميين والموظفين العموميين و رجال الأعمال، وأفراد من المواطنين.
مقالات ذات صلة
مؤشر مُدرَكات الفساد 2022 | القطاع العام العربي في ميزان الشفافية العالمية
مؤشر مدركات الفساد 2021 | العالم العربي في ميزان الشفافية العالمية
مؤشر مُدرَكات الفساد 2020 | العالم العربي في ميزان الشفافية العالمية في زمن الكورونا
الشفافية العربية | الدول العربية في ميزان الشفافية العالمية لعام 2019
مؤشر مُدرَكات الفساد 2023: أشكال ومستويات الفساد
يتخذ فساد القطاع العام أشكالاً عديدة، تشمل سلوكيات الموظفين العامين الذين يحصلون على أموال أو منافع مقابل تقديم الخدمات المستحقة للمواطنين ومنظمات الأعمال. ويشمل إساءة استخدام الأموال العامة من السياسيين أو منح وظائف عامة أو عقود غير مستحقة لجهات معينة أو لأصدقائهم أو لعائلاتهم، أو قبول الرشاوى من منظمات الأعمال لتسهيل حصولهم على صفقات مربحة.
وتتضمن أشكال الفساد السياسي المحسوبية السياسية والإحتيال والرشاوى المالية والجنسية والواسطة والتزوير الانتخابي والمتاجرة بالأديان وتوظيفها لأغراض سياسية.
وتتضمن مستويات الفساد؛ الفساد الصغير والكبير، والتي قد تقع في القطاع العام أو الخاص.
الفساد البسيط أو الصغير Small (petty) Corruption، وهو أدنى درجات الفساد ، ويقع من صغار الموظفين والمدراء العامين الذين يسيئون استخدام السلطة المحدودة لمناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية. ويتناول الفساد الصغير الإساءة اليومية للسلطة العامة للدولة التي تجري عند تفاعل مستويات الإدارة المتوسطة والدنيا مع المواطنين خلال سعيهم للحصول على الخدمات الأساسية مثل المستشفيات والمدارس والمؤسسات والهيئات العامة. وهذا يتضمن الروتين والممارسات البيروقراطية المفرطة التي من شانها زيادة فرص الفساد، لخلق بيئة دافعة لطالبي الخدمات لتقديم الرشاوي.
ويقع الفساد الكبير Large (grand) Corruptionمن الجهات السياسية أو التنفيذية الرئيسية الفاعلة التي تمارس نشاطات غير مشروعة، والتي من من شانها أن تؤدي إلى إضعاف البيئة القانونية والسياسية والاقتصادية لدول أو شركات بأكملها. وهذا يسمح بعقد صفقات سرية غير قانونية بين السياسيين من أصحاب القرار الذين يديرون موارد واسعة النطاق، ومسؤولي الشركات مقابل مصالح خاصة، و إساءة استخدام المال العام بمنح عقود لأصدقائهم وعائلاتهم أو شركات يشاركون في مجالس إدارتها.
ويتضمن الفساد الكبير مجالات الفساد السياسي التي تتصل بسيطرة أصحاب المصالح الخاصة على السلطة، وتلاعب أصحاب القرار في السياسات العليا وأعمال المؤسسات والقواعد الإجرائية في تخصيص الموارد وأعمال التمويل، وتحويل الأموال العامة من المسؤولين من أغراضها العامة إلى المصالح الشخصية لأفراد معينين أو الاختلاس والتملك غير المشروع دون مواجهة أية عواقب.
و يتضمن الفساد الكبير، تبني سياسات تمييزية ، تؤدي لغياب النزاهة في التوظيف في الخدمة العامة، بحيث تجري على أساس المحسوبية، عِوضا عن اعتبارات الأهلية والجدارة والمنافسة المتساوية بشفافية لجميع مواطني الدولة. وتؤدي هذه الممارسات إلى تشويه السياسات العامة وإضعاف الأداء العام للدولة.
مؤشر مُدرَكات الفساد 2023: مسببات الفساد
يعود السلوك الفاسد إلى غياب الحوكمة الرشيدة وبيئة من النزاهة الفعالة ومعايير الجدارة في التعيينات في الخدمة المدنية، وضعف القوانين الملزمة للإفصاح المالي، والإفراط في اجراءات القطاع العام البيروقراطية، و غياب الشفافية والقدرة للوصول إلى المعلومات وغياب التشريعات الناظمة لاعمال السلطات التنفيذية وآليات المحاسبة لردع الممارسات غير المشروعة.
وهذا من شأنه أن يخلق بيئة مواتية للفساد، وعدم قدرة الحكومات على احتواء الفساد في القطاع العام، حيث يتجذر الفساد في الثقافة السياسية وبيئة الأعمال، ويمر السلوك غير الأخلاقي دون عقاب، لغياب أو عدم إنفاذ القوانين، وعدم استقلالية القضاء والتشريع.
ويجري تسهيل وقوع الفساد قي الخفاء من خلال مؤسسات مهنية لمصرفيين أو محامين ومحاسبين ووكلاء العقارات، باستغلال أنظمة مالية ضعيفة غير شفافة، وشركات وهمية مجهولة تستخدم ملاذات ضريبية وتوفر بيئة خصبة لازدهار الفساد وغسل وإخفاء الثروات غير المشروعة.
مؤشر مُدرَكات الفساد 2023: أضرار الفساد
يشكل الفساد ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية تقوض الثقة بالمؤسسات العامة والمنظمات الديمقراطية، من خلال إضعاف سيادة القانون، وغياب المساواة المجتمعية وعدم الاستقرار السياسي وخلق بيئة بيروقراطية سلبية تدفع طالبي الخدمة لتقديم الرشاوى للحصول على الخدمات.
يؤدي انتشار الفساد في أجهزة الدولة العامة والخاصة، إلى تكاليف سياسية تشمل عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية بين افراد المجتمع وغياب التعددية وضعف سيادة القانون وهيبة الدولة ومنظمات المجتمع المدني وانتشار الشعبوية وانخفاض الثقة وتآكل المؤسسات التي تهدف إلى حماية المواطنين.
ويترتب على الفساد، تكاليف اقتصادية وبيئية، إذ يفقد المجتمع فرصته في بناء وتنمية الثروة الوطنية وفي توفير بيئة صحية ومستقبل مستدام. ويبطئ الفساد التنمية الاقتصادية، إذ يخلق بيئة طاردة للاستثمار المحلي والاجنبي، ويجعل الشركات الوطنية الصغيرة غير قادرة على تحمل تكاليف الشروع أو الاستمرار في اعمالها، الأمر الذي يؤدي الى تفاقم الفقر .
ويؤدي الفساد إلى إيقاع الظلم بقطاعات واسعة من المجتمع ، أو يزيد من حدته، من خلال تقويض مؤسسات الدفاع والأمن والمؤسسات وشرعية الدولة وإضعاف مؤسسات إنفاذ القانون، وإشاعة حالة من عدم الاستقرار ، الأمر الذي جعل من الصعب على بعض الدول تأمين سيطرتها على أراضيها ومنع التهديدات الأمنية العنيفة. ومن شأن ممارسة نافذين في الدول لنفوذ غير شرعي والإقصاء والتمييز الصريح، أن يؤدي إلى استياء شعبي نتيجة توجيه الموارد العامة بعيدًا عن الصالح العام لصالح مجموعات المصالح الخاصة. وتواجه هذه الدول خطر اندلاع أعمال العنف والتي يصعب السيطرة عليها كما حدث في افغانستان ومينمار ومالي والسودان وسوريا واليمن وإيران.
مؤشر مُدرَكات الفساد 2023 : آليات مكافحة الفساد
يشكل تطبيق مبادىء العدالة وسيادة القانون الفعالة حجر الأساس في مكافحة الفساد على المستويين الوطني والدولي. وهذا يطلب تعزيز استقلال وأهلية النظام القضائي، ومن بينها مطالبة القضاة والمدعين العامين و الجهات الفاعلة بالكشف عن ممتلكاتهم ومصالحهم، وتوفير الحماية والحياة الكريمة لأعضاء نظام العدالة لأداء وظائفهم، وتعزيز شفافية ومؤسسية وتكامل نظام العدالة، وحماية حق الناس في الوصول إلى العدالة وتسهيل الإجراءات القانونية ومنح منظمات المجتمع المدني المؤهلة الحق في رفع قضايا الفساد ومتابعتها وتمثيل الضحايا، وتوسيع سبل المساءلة في قضايا الفساد الكبرى .
وتستدعي مكافحة الفساد التوعية بآثاره الواسعة، وتعزيز الخطاب العام لتوفير فهم أعمق وقبول أكبر لقيم المساءلة والمحاسبة وتشريع قوانين تلزم الموظفين العامين بكشف مواردهم المالية وأي تضارب مصالح محتمل لتقلد الوظيفة. كما ينطلب تشريع قوانين وانظمة توفر ضوابط فعالة لمكافحة الفساد وتحقق الشفافية، وتمنع تركيز السلطة وزيادة المشاركة السياسية وتحقيق العدالة الاجتماعية لمنع القرارات في قطاعي الحكومة و الأعمال التجارية التي تحرم المواطنين من الحقوق والفرص المستحقة.
ويتطلب كشف الفساد ومكافحته التعرف على آليات عمله، والبيئة التنظيمية المواتية لوقوعه، وتبنى الشفافية لمعرفة تعليمات وإجراءات العمل الرسمية وفي القطاع الخاص، وتسهيل الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالشؤون العامة والأنشطة الحكومية وخاصة في التعاقدات العامة ، وتوفر بيئة تشريعية لتحقيق النزاهة بين قيادات منظمات الاعمال ، والكشف عن النشاطات الفاسدة (الرشوة، السرقة، إساءة استخدام السلطة…) التي تتطور باستمرار ، وتسمح بمساءلة ومحاسبة المتورطين فيها، وإنفاذ سلطة القانون بدون تأخير لتحقيق المصلحة العام على جميع المخالفين، من خلال هيئات قضائية نزيهة مستقلة قادرة على معاقبة المتورطين في الفساد بعدالة وانصاف وبشكل شفاف ومُعلن.
وتركز الجهات التنظيمية وهيئات إنفاذ القانون على ملاحقة مرتكبي جرائم الفساد، ولكنها لا تلاحق العناصر التي تساعد على الفساد. ويلعب الوسطاء المحترفين (المحامون والمحاسبون والمصرفيون ةالمستشارون الماليون ووكلاء العقارات وغيرهم) أدواراً حاسمة في تمكين الاطراف الضالعة في الفساد وتسهيل التدفقات المالية غير المشروعة وتُسهل الإفلات من تحمل التبعات القانونية والجزائية. وهذا يتطلب العمل على توفير أدوات قانونية وسياسات فعّالة على المستويات الدولية والوطنية ودون الوطنية، وتشمل هذه الانظمة مزيجاً من أنظمة الحوكمة الرادعة و تنظيم المهن المالية والقانونية والمحاسبية وغيرها من النشاطات.
ولا يكفي تحقيق الشفافية لمكافحة الفساد ، وإنما يتعين تأمين النزاهة السياسية ومنع التدخل في الانتخابات والتعيينات السياسية وتضافر جهود المؤسسات العامة، ومنظمات قطاع الأعمال والمجتمع المدني لتوفير الرقابة الاجتماعية والمشاركة في صنع القرارات لحماية الصالح العام من خلال تعزيز الحرية والأمن وتوفير الحماية القانونية للناشطين والمبلغين والصحفيين الذين يقومون بالإبلاغ عن حالات الرشوة والفساد لمواجهة إساءة استخدام السلطة.
مؤشر مُدرَكات الفساد 2023 : تقارير دولية حول الشفافية العالمية
تُصدر عدة جهات دولية تقارير دورية تتصل بمؤشرات الحوكمة لمكافحة الفساد وتشمل: – مؤشرات الحوكمة العالميةThe Worldwide Governance Indicators (WGI) التي بدأ البنك الدولي في اصدارها منذ عام 1996، والتي تقيس الفساد في القطاعين العام والخاص. وتعكس هذه المؤشرات التقاليد الراسخة لمبادىء الحوكمة للدولة العميقة، وعملية اختيار الحكومات ومراقبتها، وفعاليتها، وقوة المؤسسات التي تمارس بها السلطة، وقدرتها على صياغة وتنفيذ سياسات سليمة، واحترام المواطنين وأجهزة الدولة للمؤسسات التي تحكم تداول السلطة، والتعاملات الاقتصادية والاجتماعية بينهم. وتقوم مؤشرات الحوكمة العالمية على ستة محاور تشمل جودة الإطار التنظيمي، وتطبيق سلطة القانون، وفعالية الحكومة، والمساءلة وحرية الرأي والإعلام، والاستقرار السياسي وغياب العنف، ومكافحة الفساد من خلال تطبيق مبادىء الحوكمة.
وتجمع هذه المؤشرات الإجمالية آراء عدد كبير من المشاركين في الدراسة الاستقصاءية من منظمات الأعمال والمواطنين والخبراء في البلدان الصناعية والنامية. وهي تستند إلى أكثر من 30 مصدراً للبيانات من مجموعة متنوعة من مؤسسات المسوح ومراكز الفكر والمنظمات غير الحكومية والدولية ومنظمات الأعمال. وتم اختيار هذه المراكز وفق معايير رئيسية تضمن توفير بيانات تحدث دوريا وقابلة للمقارنة عابرة للدول من قبل منظمات موثوقة. وتعكس البيانات وجهات النظر المتنوعة بشأن الحوكمة لدى العديد من أصحاب المصلحة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك عشرات الآلاف من المشاركين في الاستطلاع والخبراء. وتصدر هذه المؤشرات في نهاية سبتمبر أيلول من كل عام وتغطي العام السابق له، وتتوفر هذه المعلومات على شبكة المعلومات.
– تقرير النزاهة العالمي Global Integrity Report الذي بدأ في الصدور في عام 2001 عن مركز النزاهة العالمي وهي منظمة مستقلة غير ربحية، وصدر آخر تقرير لعام 2020 في آذار 2021. وتتناول عشرات الصحف العالمية هذه التقارير في جميع أنحاء العالم، ويستخدمها البنك الدولي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والوكالات المانحة الأخرى لتقييم أولويات المساعدات.
ويقوم تقرير النزاهة العالمية على متابعات لاتجاهات الحوكمة والمساءلة والانفتاح والفساد في جميع أنحاء العالم باستخدام مجموعات محلية من الباحثين والصحفيين في القطاعين العام والخاص، خلافاً لمؤشر مدركات الفساد الذي يقتصر على فساد القطاع العام، استناداً إلى استطلاعات للرأي لقادة تنفيذين في قطاع الأعمال المحلي، وتقارير خبراء دوليين من هيئات دولية متخصصة. – مؤشر إبراهيم للحوكمة الذي طورته مؤسسة محمد إبراهيم، من السودان، والذي يغطي 54 دولة في إفريقيا، وبدأ في الصدور في عام 2007. ويقوم مؤشر إبراهيم للحوكمة في إفريقيا على مؤشرات الأمن وسيادة القانون والمشاركة والحقوق والشمول وأسس الفرص الاقتصادية والتنمية البشرية. وقد صدر آخر تقرير لعام 2022 في يناير عام 2023، وأظهر انخفاضًا في التقدم العام في مؤشرات الحوكمة في أفريقيا لأول مرة منذ عقد، نظراً لتدهور الأمن وسيادة القانون في بعض البلدان. وكان متوسط مؤشر إبراهيم للحوكمة في إفريقيا 48.9 وفق تقرير عام 2022. وجاءت درجات تونس والمغرب والجزائر أعلى من المتوسط، وقاربت مصر قيمة المتوسط، وجاءت بقية الدول العربية أدنى من المتوسط. ومن بين 54 دولة أفريقية، حققت الدولة العربية العلامات (بين قوسين \ 100) والمراكز التالية وبالترتيب؛ تونس (70.9) والمغرب (61.5) والجزائر (55.6) المراكز 3 و 10 و 15 ، وجاءت مصر (48.4) وجزر القُمر (42.5) وجيبوتي (42.2) في المراكز 27 و 38 و 39 ، وموريتانيا (41.3) وليبيا (35.7) والسودان (34.5) في المراكز 41 و45 و 47، وجاءت الصومال في المركز 53 وعلامة 23.2.
– التقرير السنوي لمؤشر لمُدْرَكٌات الفساد الذي يقيس مؤشر مدركات الفساد مستويات الفساد في القطاع العام لمعظم دول العالم، وهو المؤشر العالمي الوحيد الذي يوفر مؤشرات حول جميع الدول العربية، باستثناء دولة فلسطين المحتلة. وقد صدر أخر تقرير لمؤشر مُدرَكات الفساد 2023 في 30 يناير 2024.
مؤشر مُدرَكات الفساد 2023: طرق قياس الفساد
تهدف محاولات قياس الفساد إلى الكشف عن طبيعة وتأثير الفساد وحجم ونطاق أنواع معينة من الفساد لمساعدة صانعي السياسات على تطوير أدوات فعالة لمكافحة الفساد، او للحد منه. ورغم أهمية قياس الفساد، إلا أنها مهمة صعبة، لأنه يجري في الخفاء وتحت ستار عمليات تمويه ذكية. وقد تستخدم مزاعم الفساد من أطراف سياسية خاسرة باستخدام أساليب وشعارات شعبوية واستغلال عدم المساواة الاجتماعية لتجنب مسؤولية الفشل، أو لتشويه سمعة الخصوم.
وهناك طرق مختلفة لقياس الفساد ولكل منها مزاياها وعيوبها، إذ أن كل منها صمم لاكتشاف أشياء معينة، دون أخرى. وتطرح أسئة حول ماهية كل منهجية، ماذا يقيس وكيف يتم القياس وكيف تم بناء معاييره ؟
وتقسم طرق القياس إلى ثلاث فئات، ولكل منها حدودها الخاصة:
1. الأساليب غير المباشرة لقياس الفساد وتشمل الاستطلاعات القاءمة على التصور (الإدراك) مثل مؤشر مدركات الفساد. 2. الأساليب المباشرة مثل مؤشرات الحوكمة العالمية WGI التي تستخدم بيانات إحصاءية من عدد كبير من الهيئات المستقلة. و تٌجمع المعلومات المسندة بالأدلة عن الفساد مثل حالات الفساد المبلغ عنها، وعدد الإدانات، ونتائج التدقيق الانتخابي، واستطلاعات تستخدم عينات تمثيلية للمجتمعات.
(3) الدراسات الاستقصائية القائمة على الخبرة مثل تقرير النزاهة العالمي. وتشير أدبيات الامم المتحدة إلى أن طرق القياس المباشرة القائمة على التجربة التي تقيس تجارب فعلية للفساد وتراعي البيئة الثقافية المحلية أكثر فعالية من الطرق غير المباشرة أو المركبة التي تستند إلى تصورات الفساد، لصعوبة قياس الوقوع الفعلي للفساد.
مؤشر مُدرَكات الفساد 2023: ماذا يقيس المؤشر
يقيس المؤشر درجة الإعتقاد أو التصورات أو مُدرَكات Perceptions لجوانب الفساد في القطاع العام في بلد معين. وهو مؤشر مركب لمزيج من تقارير يقوم بإعدادها خبراء دوليين من هيئات دولية متخصصة واستطلاعات للرأي لقادة تنفيذين في قطاع الأعمال المحلي حول مستويات ومظاهر الفساد.
وتلجأ منظمة الشفافية لقياس التصورات، لأن أعمال الفساد هي بطبيعتها أنشطة خفية غير قانونية ، ولا تظهر إلا من خلال الفضائح أو التحقيقات أو الملاحقات القضائية، والأبحاث وتقارير منظمات المجتمع المدني والسلطات الحكومية المكلفة بتطبيق قواعد النزاهة العامة. ولذلك، لا يمكن ملاحظتها عملياً أو بشكل تجريبي، إذ أنه من الصعب قياس ظاهرة لا يمكن ملاحظتها.
ولذلك، لجأت منظمة الشفافية لاستخدام المؤشرات المركبة للمدركات ، وهي أدوات القياس الأكثر استخدامًا في قياس الإتجاهات في العلوم الإجتماعية، والتي يتطلب استخدامها، العناية في ضبط منهجيتها، وهو أمر عملت منظمة الشفافية العالمية على تحقيقه من خلال وضع مؤشر يجمع بين العديد من مظاهر الفساد المختلفة في مؤشر واحد يسمح بإجراء مقارنة عالمية، وعملت على تطوير منهجية المقياس خلال الفترة 1995-2011. وقد أدى ذلك لقياس مؤشرات مدركات الفساد (CPI) باستخدام منهجيات مختلفة، مما جعل المقارنة السنوية صعبة. وعدلت منظمة الشفافية العالمية في عام 2012 منهجية المؤشر على نحو للسماح يسمح بإجراء مقارنات عبر سلسلة زمنية.
وقد تعرض مؤشر مدركات الفساد للإنقادات على أساس منهجيته ، إذ يرى البعض أنه من غير الواضح ما الذي يقيسه مؤشر الشفافية بالضبط في ضوء الاختلافات المفاهيمية الواسعة للفساد وجوانبه المتعددة والإختلافات الثقافية العميقة بين الدول في المعايير الأخلاقية، لما قد يُعتبر فساداً في ثقافة معينة.
ويستبعد المؤشر المواطنين العاديين وضحايا الفساد، إذ لا يشمل الاستطلاع تصورات المواطنين المباشرة أو تجربتهم مع الفساد من مجموعة المستجيبين، ويعتمد على مقابلات مع أصحاب المصلحة الذين ليسوا من الدولة المعنية، مثل سؤال رجل أعمال أوروبي عن الفساد في بلد أفريقي.
ولا تتضمن أوجه الفساد التي يقيسها مؤشر مدركات الفساد بعض اشكال الفساد مثل الإحتيال الضريبي وغسيل الأموال والرشاوى لجهات خارجية، والتدفقات غير الشرعية للأموال والأموال السرية. ويركز المؤشر على القطاع العام ويتجاهل السوق السوداء والفساد في منظمات الأعمال والتهرب من الضرائب في القطاع الخاص.
ولذلك، فإن منظمة الشفافية العالمية لا تدعي بأن مؤشر لمدركات الفساد يقيس بالفعل جميع جوانب الفساد الحقيقية.
مؤشر مُدرَكات الفساد 2023 : منهجية 2023
صنف مؤشر مدركات الفساد 2023 في القطاع العام 180 دولة حسب مستويات الفساد. وتقوم منهجية قياس مؤشر مدركات الفساد على عدة خطوات أساسية تتضمن جمع البيانات وقياس المؤشرات الفرعية من المصادر ، وتحويل القيم المحسوبة إلى قيم معيارية، وتجميعها وتحديد فترة الثقة لقياس عدم اليقين.
ويتم جمع البيانات من خلال باحثين تابعين لمنظمة الشفافية الدولية، ومستشارين أكاديميين مستقلين. وتُجمع بيانات تقييمات الفساد المختلفة باستخدام استمارات تتضمن مقاييس من عدة درجات وفقرات تتناول جوانب الشفافية والمحاسبة وأشكال الفساد.
ويجرى الاستطلاع للتصورات الذاتية لخبراء مستقلين من 13 مصدراً (من 12 هيئة دولية مستقلة) ومسوحات لآراء القيادات التنفيذية لأصحاب الأعمال من الدول المشاركة حول جوانب الفساد والممارسات الفاسدة في القطاع العام.
وهذا يشمل عدد مرات أعمال الفساد وحجم مكاسبه، ومدى اتساع نطاق الفساد وأهميته وأضراره، والمبالغ التي تُدفع كرشوة، وما إذا كان قد طُلب من المشاركين تقديم رشوة أو قدموا هم أنفسهم رشوة للحصول على خدمات معينة.
وتتضمن بيانات هذه التقييمات مدى قدرة الحكومات على احتواء الفساد، ومدى توفر آليات فعالة شفافة لتحقيق النزاهة في القطاع العام، وللملاحقة الجنائية للمسؤولين الفاسدين، وتشريع القوانين الملائمة حول الإجراءات المالية. كما تتضمن آليات للكشف عن المعلومات وحق وصول المجتمع المدني إلى المعلومات المتعلقة بالشؤون العامة، ومنع تضارب المصالح للموظفين العامين والحماية القانونية للمبلغين عن المخالفات وللصحفيين والمحققين عندما يقومون بتحقيقات أو بالتبليغ عن حالات الرشوة والفساد. ويصنف مؤشر مدركات الفساد الدول على سلسلة متصلة من مستويات الفساد المتصورة على مقياس موحد يتراوح بين 0 و 100 نقطة. و تمثل درجة الصفر (صفر نزاهة وخلو نظري من الفساد)، وهي أعلى درجات الفساد، بينما تعادل درجة 100 أعلى مستويات النزاهة.
ويجري قياس البيانات التي تأتي من 13 مصدراُ، باستخدام مقاييس مختلفة . وقد يكون بعضها من 7 درجات، وأخرى من 100 درجة. ولذلك يجري تحويلها إلى قيم معيارية ، حتى يمكن تقييم أداء الدول، مقارنة بغيرها من الدول. ثم تحول هذه القيم المعيارية إلى مقياس من 100، ويؤخذ المتوسط لكل دولة، إلى جانب مقياس عدم اليقين (فترة ثقة).
وهذا يمثل مؤشر مُدْرَكات الفساد (CPI) لكل دولة. ويمكن أن يقارن المؤشر مع سنوات سابقة حتى عام 2012، وليس قبلهأ.
وضمت مصادر البيانات هيئات دولية مستقلة ذات حضور دولي في قضايا الفساد، والتي تعمل على تحليل مستويات تطبيق قواعد الحوكمة في البيئة المؤسسية وبيئة الأعمال خلال العامين الماضيين، وتشمل ؛ البنك الدولي، ومشروع العدالة العالمية وبنك التنمية الأفريقي ووحدة البحوث الاقتصادية لمجلة إيكونومست، والمنتدى الاقتصادي العالمي، واستطلاع آراء التنفيذيين للكتاب السنوي للتنافسية العالمية ، ومؤسسة فريدوم هاوس، وهيئات استشارية خاصة ووحدة تقييم المخاطر العالمية ومراكز بحثية.
وتتطلب المنهجية المتبعة توفر بيانات تقييمية حول مستويات الفساد من ثلاثة مصادر على الأقلTriangulation من بين المصادر الثلاثة عشرة التي استخدمتها الدراسة، حتى يمكن شمول أي دولة في تقارير منظمة الشفافية العالمية . ويهدف تطبيق مبدأ تعددية مصادر المعلومات إلى تعويض أي ضعف في مصادر المعلومات الإجتماعية.
مؤشر مُدرَكات الفساد 2023 : الدول الأكثر شفافية في العالم
يُظهر الجدول 1 مؤشر مدركات الفساد 2023 لأفضل عشرة دول في العالم ، وتطور مكانتها كل 3 سنوات خلال الفترة 2012- 2023، وهي الفترة التي يُمكن خلالها مقارنة قيم المؤشر من سنة لأخرى عِبر سلسلة زمنية.
وحافظت الدول العشرة على مكانتها ، بين أقل الدول فساداً بالمقارنة مع عام 2022 ،باستثناء إيرلندا التي كانت تشارك لوكسومبورغ في المرتبة العاشرة، وتراجعت للمرتبة 11. وحافظت هذه الدول على ترتيبها، ولكن كان هناك تغيرات طفيفة في الدرجة، حيث تراجعت نيوزيلندا درجتين وتراجعت السويد وهولندا و ألمانيا ولوكسمبورغ درجة واحدة .
وجاءت هونغ كونغ وكندا واستونيا في المرتبة 12 (76 درجة) واستراليا وهونج كونج (75 درجة) في المرتبة 14 وبلجيكا واليابان في المرتبة 16 (73 درجة). وجاءت فرنسا في المرتبة 20 (71 درجة)، وكذلك الملكة المتحدة (متراجعة من المركز 11 في عام 2021). وحافظت الولايات المتحدة على المركز 24 (69 درجة).
بلغ متوسط مؤشر مُدرَكات الفساد 202343 درجة، وظل متوسط الدرجة العالمية دون تغيير عند هذه القيمة منذ عام 2012. وبلغت نسبة الدول التي جاءت درجتها أقل من المتوسط 58.3% (105 دولة)، ونسبة الدول التي جاءت درجتها أقل من 50 درجة 67.7% (122 دولة) ، وهذه القيم أقل قليلاً مما كانت عليه في تقرير العام 2022.
ويظهر مؤشر مدركات الفساد لهذا العام أن 28 دولة فقط من بين 180 دولة يضمها المؤشر، نجحت في تحسين مستويات الفساد لديها على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية، وأن 34 دولة تفاقمت بشكل كبير. ورغم بعض التقدم في تجريم الفساد وإنشاء مؤسسات متخصصة لمكافحته، إلا أن مستويات الفساد لا تزال راكدة على مستوى العالم.
وتسود الدول التي تطبق سيادة القانون وتقوم على مؤسسات ديمقراطية فعالة المراكز العليا في المؤشر بمتوسط 73 درجة، وتتفوق بشكل كبير على الأنظمة الاستبدادية مثل روسيا وكوريا الشمالية وفنزويلا ومينيمار وسوريا وايران والعراق واليمن (بمتوسط 32 درجة) في قدرتها على السيطرة على الفساد.
وكان متوسط الدرجة العام 43 درجة ، و 65 درجة في غرب أوروبا والإتحاد الأوروبي، و45 درجة في آسيا والمحيط الهادئ، و 43 درجة في الأمريكيتين و38 في الشرق الأوسط و33 بين دول العالم العربي، و 35 درجة في شرق أوروبا ووسط آسيا و 33 درجة في إفريقيا جنوب الصحراء .
مؤشر مُدرَكات الفساد 2023 : العالم العربي أمام تحديات الشفافية
يُظهر الجدول 2 مؤشر مدركات الفساد 2023 في العالم العربي إبتداء من عام 2012. وتضم تقارير منظمة الشفافية العالمية الدول العربية، باستثناء فلسطين، لعدم توفر ثلاثة مصادر مختلفة لتقييم الفساد وفق هذه التقارير.
كان متوسط الدرجات للدول العربية 33.8 وهو أقل من المتوسط الذي كان عليه قبل عام 2015 35-36 (جدول 2) وهو أقل من المتوسط العالمي43 بأكثر من تسعة درجات. وتحتل معظم الدول العربية مراكز متاخرة في مقياس الشفافية العالمية. وباستثناء الإمارات وقطر والسعودية. وجاءت درجات بقية الدول العربية أقل من 50 (86%)، وحصل 71% على درجة أقل من 43 وهو المعدل العالمي، مقابل 68% و 58% على التوالي في العالم.
احتلت الإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى بين الدول العربية (68 درجة) وتلتها قطر (58) وبفارق جوهري في الترتيب والدرجة على مدى الفترة 2012 – 2023 عن بقية الدول. وجاءت السعودية ثالثة (52) والأردن (46 درجة) في المركز الرابع، متقدمة عربياً كما كانت على امتداد نفس الفترة، مع منافسة مع السعودية وسلطنة عمان والبحرين في فترات سابقة. وقد نالت دول مجلس التعاون 6 مراكز بين أفضل 7 دول عربية.
وكما يبين جدول 2 ، كانت مصر الاكثر تقدماً على سلم الشفافية، متقدمة 5 درجات و 22 مركزاً ، وتقدمت الكويت 4 درجات و 14 مركزاً، و الجزائر 3 درجات و 12 مركزاً ، وجزر القمر درجة واحدة وخمسة مراكز. وقد تقدمت دولة الإمارات والسعودية وليبيا درجة واحدة ومركزا واحدا ، والعراق 3 مراكز ولبنان وسوريا مركزاً واحداً (مع نفس الدرجات). وهذا يشير إلى أن معظم التحسن، إنما يعود لتراجع مكانة دول أخرى. وقد حافظت قطر على المركز الثاني عربيا منذ 2012، وجيبوتي وموريتانيا والسودان واليمن والصومال على مراكزها ودرجاتها (باستثناء السودان) وقد تراجعت بقية الدول ، وكانت البحرين الأكثر تراجعا.
يقارب مركز دولة الإمارات الولايات المتحده (26 و 24 ) والدرجة (69 و 68)، وتتفوق على كوريا الجنوبية (في المركز 32) واسبانيا (في المركز 38). وتتفوق الإمارات وقطر على إيطاليا وبولندا (في المركزين 43 و 47) .
وجاءت السعودية في المركز 53 ، متقدمة 13 نقطة و8 درجات عن مركزها ودرجتها في عام 2012 (جدول 2). وتتفوق السعودية (كما الإمارات وقطر) على ماليزيا واليونان (في المركزين 57 و 59). وتتفوق الأردن والكويت (كما الإمارات وقطر والسعودية) على تركيا (69 درجة) والصين (في المركز 76) والهند (في المركز 93) وروسيا (141 درجة) وايران (149 درجة).
وشملت الدول العشرة الأكثر فساداً، والتي تراوحت درجاتها بين 11 و 18 درجة، 3 دول عربية وهي اليمن (176) وسوريا (177) والصومال (11).
ولم تنجح حركات الربيع العربي منذعام 2011 في التقدم نحو الديمقراطية، وإقامة أنظمة اكثر نزاهة وشفافية، إدارياً وسياسياً وأكثر فعالية وعدالة وتطبيقا لسلطة القانون. ولا تزال الصومال وسوريا واليمن و ليبيا والسودان تعاني من صراعات مسلحة، وسجلت أسوء أداء عالميا على مقياس الفساد (11 -20 درجة)، وتسود اضطرابات مدنية في العراق ولبنان وتونس. وتعاني دولة فلسطين في الضفة وغزة من حملات منهجية من القوات المحتلة للتدمير والتهجير، وتعيق اي تقدم نحو السلام والتنمية الاقتصادية. وقد أدى عدم الاستقرار وضعف الهياكل المؤسسية، إلى تغذية الفساد السياسي والمالي، وحلقة مفرغة من الاستبداد والصراع والفساد في أنحاء متعددة من العالم العربي.
المصادر
http://www.transparency.org/cpi
https://www.transparency.org/cpi2015
https://www.transparency.org/cpi2018
https://www.transparency.org/cpi2012/results
https://images.transparencycdn.org/images/CPI-2023-Report.pdf
https://www.transparency.org/en/news/how-cpi-scores-are-calculated
https://www.transparency.org/en/news/cpi-2023-highlights-insights-corruption-injustice
https://www.publicsafety.gc.ca/cnt/rsrcs/pblctns/rgnzd-crm-brf-48/rgnzd-crm-brf-48-en.pdf
https://transparencia.org.es/wp-content/uploads/2023/01/CPI2022_TechnicalMethodology.pdf