موريتانيا| محمية آرغين الوطنية.. حيث تتعانق الصحراء والبحر

طيور محمية أرغين

موريتانيا

تضم موريتانيا عدداً من المواقع الهامة على خريطة السياحة العالمية. وفضلاً عن صحرائها الممتدة، فإن موريتانيا تتميز بإطلالنها الجميلة على المحيط الأطلسي وبتعدد الثقافات الصحراوية والعربية والأمازيغية والأفريقية.


مواضيع ذات صلة
موريتانيا| مؤشرات التنمية الإجتماعية والإقتصادية
معالم طبيعية| محمية ضانا .. جراند كانيون الأردن
معالم طبيعية | أرخبيل جالطة وواحات تونس
معالم طبيعية| مغارة الشموع والبحر الميت في فلسطين والأردن
معالم طبيعية| مغارة جعيتا في لبنان
معالم طبيعية | شلالات صلالة ومعالم في سلطنة عمان
معالم طبيعية| … في صحاري وجبال المملكة العربية السعودية
معالم طبيعية| جبل مرَة وكسلا وحديقة الدندر في السودان
معالم طبيعية| الصحراء البيضاء ومحميات طبيعية في مصر العربية
معالم طبيعية| واحات أوباري في الصحراء الليبية
معالم طبيعية| مغارة بني عاد وشلالات لوريط في تلمسان بالجزائر
معالم طبيعية|الهقار وتاسيلي في الجزائر
معالم طبيعية| شلالات أوزود ومغارة إمي نفري في المغرب
معالم طبيعية| سقطرى … جوهرة الجزيرة العربية
أهوار العراق | تراث إنساني عالمي لبلاد الرافدين أنقذته رحمة السماء

وتشمل المواقع الهامة في موريتانيا مدن ولاتة، المدينة القديمة الصحراوية على حدود مالي، وشنقيط  المدينة التاريخية، ومدينة وادان  التابعة لولاية أدرار والمصنفة جميعا في التراث العالمي لليونيسكو في عام 1996، و واحة ترجيت التابعة لولاية أدرار والتي تضم ينابيع مياه ساخنة ومحمية جاولينغ الطبيعية للطيور في الجنوب الغربي لموريتانيا للطيور المائية المُستوطنة والمُهاجرة، وتقع على ضفاف نهر السينغال في الحدود مع السينغال،  ومحمية آرغين الوطنية غير المعروفة عربياً، ولا حتى موريتانياً، موضوع هذه المقالة…

خارطة موريتانيا وموقع محمية آرعين
خارطة محمية ارغين
شعار محمية ارغين

موقع محمية آرغين الوطنية  

تقع محمية آرغين (أركين، آرجين، أرقين) Banc d’Arguin (المحمية الوطنية الطبيعية لحوض آرغين)  جنوب منطقة الرأس الأبيض (رأس نواديبو) في أقصى شمال الساحل الموريتاني على المحيط الأطلسي قرب الحدود مع المغرب.

وتمتد محمية آرغين على مسافة 150 كم بين رأس تيميريس شمال نواكشوط العاصمة السياسية،  و الرأس الأبيض عند نواديبو العاصمة الاقتصادية، وتشكل امتداداً للصحراء الرملية الكبرى في عمق شاطئ المحيط الأطلسي. و يشكل تناقض قسوة الصحراء والتنوع البيولوجي في المنطقة البحرية مشهداً برياً وبحرياً ذو قيمة طبيعية استثنائية.

تبلغ مساحة المحمية 12 ألف كم2، وتغطي المحمية ثلث مساحة الساحل الموريتاني، وهي واحدة من أكبر الحدائق الوطنية في غرب أفريقيا. وتضم المحمية 6300 كم2 في المجال البحري و5700 كم2 في المجال البري.

تضم محمية آرغين كثبان رملية ومياه ومستنقعات ساحلية ضحلة وسهول طينية، ومياه ضحلة وأعشاب بحرية على مساحات شاطئية واسعية . ويضم الحوض ما يزيد عن مائة جزيرة، من بينها 15 جزيرة (تندرا، كيججي، نيرومي ، ناير … ) كبيرة المساحة نسبياً، إضافة لعشرات الجزر الصغيرة الرملية التي لا تكاد تعلو عن سطح الماء، وعندما ينخفض مستوى البحر تبدو للعيان ممتدة على مساحات واسعة تغطيها الاعشاب كأنها مروج خضراء عائمة فوق الماء.

وتعتبر منطقة شاطئ الأطلسي الموريتاني أحد أفضل مناطق صيد الأسماك في العالم نظراً لطبيعة النظام البيئي الفريدة لحوض آرغين، وربما الأكثر مردودية من الناحية الاقتصادية إذا أُحسنت إدارتها.

وقد شكل حوض آرغين عبر التاريخ منطقة تواصل وتبادل اقتصادي بين أوروبا وغرب إفريقيا.  وكان المستعمرون البرتغاليون أول من  أسس لهذه الشراكة، حيث استقروا في الجزيرة في عام 1442 وشيدوا حصن آرغين. وتوالى بعدهم  الإسبان والهولنديين والألمان و الإنجليز ثم الفرنسيين.

النحام والبجع في محمية ارغين
النورس والخطاف والبجع في محمية ارغين

نشأة  محمية آرغين

تأسست محمية آرغين (المحمية الوطنية لحوض آرغين\(اركين) بفضل جهود الباحث الفرنسي ثيودور مونو Théodore Monod وذلك في مطلع سبعينات القرن الماضي، باعتبارها محمية طبيعية للطيور المهاجرة وبيئة ذات خصائص جغرافية و مناخية فريدة.

وقد تبنت الحكومة الموريتانية سنة 1976 هذه الفكرة،  و أنشأت مؤسسة الحظيرة الوطنية لحوض آرغين لحماية التنوع البيئي للحفاظ على البيئة الطبيعية والتنمية المستدامة للسكان. وقد جاء إنشاؤها للقيام بدور رئيسي في الحفاظ على التنوع البيولوجي البحري وحماية النظام البيئي في خليج آرغين وللإسهام في الحفاظ على موارد صيد الأسماك في جميع أنحاء المنطقة الاقتصادية في موريتانيا، وكذلك للقيام بدور إقليمي أوﺳﻊ في هذا المجال في غرب إفريقيا.

وتم إنشاء مجمية آرغين الوطنية في منطقة خليج آرغين البحرية في عام 1976 بدعم أوروبي وألماني.  وتولت الوكالة الألمانية للتعاون التقني (GTZ) تقديم خدمات استشارية في مجال إدارة الثروات الطبيعية في محمية آرغين.

وقد تم تنفيذ مشاريع لحماية التنوع البيولوجي بدعم أوروبي حيث تم إنشاء محميتين طبيعيتين وهما محمية آرغين في الشمال ومحمية دياولينغ في الجنوب على ضفاف نهر السنغال الذي يحد موريتانيا عن السنغال.

ووقعت موريتانيا على معاهدة رامسار الدولية للحفاظ والاستخدام المستدام للمناطق الرطبة التي تأوي إليها الطيور المهاجرة في عام 1982،   وإدرجت المحمية كموقع  للتراث الطبيعي العالمي لليونسكو في عام 1989.

وقد حافظت محمية آرغين على مقوماتها البيئة وثرواتها الطبيعية الأصلية، وهي حقل مهم للبحث العلمي. ويقوم خبراء موريتانيون من المعهد الوطني للبحث والصيد بتنسيق البحوث التي تشارك فيها فرق فرنسية وبريطانية وهولندية. و بذلك، أصبحت قبلة للسياح و الباحثين المهتمين بالمواضيع الطبيعية  والبيئية و تأثيراتها المحتملة على الطيور المهاجرة و والحيوانات والحياة النباتية البحرية والبرية.

ظلت إدارة محمية آرغين تابعة لوزارة البيئة حتى عام 2015 ، حين أصبحت تابعة لرئاسة الوزراء ومقرها في نواديبو.  ويتبع لإدارة المحمية مركز للإرشاد والتوعية البيئية تم إنشاؤه بدعم إسباني في عام 2009.

وهناك حاجة لتوفير كوادر مؤهلة وتدريبها في مجال الإدارة والتنفيذ المبداني في الحظيرة ، ولبناء الخبرات حتى تتمكن الإدارة من الإستقلال عن المساعدة الخارجية عندما يحين الوقت لذلك، أو عندما تتطلب ذلك المصلحة الموريتانية.

وقد هدفت الحظيرة الوطنية إلى حماية التنوع البيئي الذي أعطى الحظيرة مكانتها العالمية، وجعلها مزارا للباحثين.  وقد حظيت المحمية بدعم عالمي من أهم المنظمات الدولية للمحافظة على البيئة مكنتها من توفير التمويل لإدارة الحظيرة.

ومن بين هذه المنظمات الصندوق العالمي للطبيعة (WWF) World Wide Fund for Nature  للبحث و للحفاظ على البيئة والوكالة الفرنسية للتنمية، الشريك المرجعي لمحمية حوض آرغين. وقد اعتبر اجتماع للمنظمة الدولية  للأراضي الرطبة Wetlands International  في عام 1982 الحظيرة هبة من الله إلى ساكنة الأرض وتبنى المشاركون فيه الذين أخذتهم الطبيعة المذهلة للحظيرة المبادرة لتنسيق الجهود لحمايتها.

وأعقب ذلك تأسيس المؤسسة الدولية (السويسرية) للحظيرة الوطنية  لحوض آرغين  FIBA  في عام 1984بمبادرة من العالم البيئي  Luc Hoffmann  (1926-2016). وقد أصبحت FIBA في عام 1994 جزءاً من مؤسسة من أجل الطبيعة MAVA  Foundation pour la Nature لتوفير الدعم  المالي والمشورة العلمية والبحث العلمي للحوض والمحميات البحرية لغرب إفريقيا، وللبحث في النظام البيئي لطيور المستنقعات وبيئة الأحواض الوحلية وعلوم المحيطات.

 وسيجري لأول مرة تنظيم مهرجان دولي سنوي في مدينة الشامي على مدى ثلاثة أيام كل سنة للتعريف بالتراث الطبيعي والثقافي المتميز للحظيرة الوطنية لحوض آرغين، والتي تعد أحد أكبر محميات الطيور في العالم في 28 ديسمبر 2018. ويهدف المهرجان إلى إبراز المساهمة العلمية والثقافية والبيئية والاجتماعية الاقتصادية لمحمية آرغين.

 الحياة البحرية والبرية في محمية آرغين

تشكل المحمية الوطنية لحوض آرغين  إحدى أهم المحميات البيئية.  وتستمد محمية آرغين أهميتها من حفاظها على تنوعها الطبيعي والبيولوجي وعدد الطيور المهاجرة وكونها قبلة لمئات الألوف من الطيور المائية المهاجرة شتاء القادمة من أوروبا في غرب إفريقيا ولكونها موطناً لأكبر مواقع صيد الأسماك حول العالم.  ويعتبر التنوع البيولوجي المذهل للنظام الإيكولوجي البحري من بين الأسباب التي تجعل محمية آرغين الوطنية من مواقع التراث العالمي لليونسكو. ويجعل المناخ المعتدل في المنطقة وغياب الكثافة البشرية من المحمية واحدة من أهم المواقع البيئية في العالم.

من طيور حوض أرغين

وتوفر المساحات الشاسعة من المسطحات المائية للمحمية موطنًا وملجأً طبيعياً لأكبر تركيز شتوي من الطيور المائية الخواضة في العالم التي تقتات على الأسماك. وتضم المحمية أكثر من مليوني طير مهاجر من شمال أوروبا وسيبيريا وغرينلاند ومن البحر المتوسط حيث يأتي النحام من إسبانيا و من إفريقيا حيث يأتي الغاق والخرشنة والبلشون ومن جميع أنحاء العالم. ويتميز مجتمع الطيور المهاجرة بشكل لافت من حيث التنوع والعدد، حيث تنتمي إلى 15 نوعًا من الطيور وعدداً كبيراً من التصنيفات الفرعية (108 جنس طيور على الأقل)،  وهناك عدداً كبيراً من طيور النوارس والخرشنات والبجعيات وغيرها.

وليست محمية آرغين موطناً لأكبر تجمع عالمي للطيور فحسب، بل تعتبر أيضاً وسطاً بيئياً ملائماً لتكاثر الأسماك التي عرفت الشواطئ الموريتانية بكثرتها وجودتها، الأمر الذي يسهم إسهاماً فعالاً وملموساً في دفع عجلة الاقتصاد الموريتاني.

ويتوقف ويختلط في الحظيرة ملايين الطيور المهاجرة تضم طيور مالك الحزين الرمادية والبجع الأبيض والغاق والبلشون والنحام القزم والنوارس والدريجة  والخطاف الأسود واعداد كبيرة جداً طيور الخرشنة.  ومن الطيور المهاجرة من لا تتوقف الا لفترة قصيرة، وتضم أنواع من سباع الطيور مثل أنواع الصقور والجواثم مثل العصافير والزرازير والحمام.

وتقتات معظم الطيور المهاجرة الخواضة في المياه على الأسماك. وتبحث بعض  الطيور بمناقيرها الطويلة في وحول مستنقعات الحظيرة عن الديدان والأصداف الصغيرة.  وتتوفر مصادر الغذاء بكثرة وباستمرار في حوض آرغين وهناك وفرة في الاسماك الصغيرة والقشريات التي تشكل اهم مصادر الغذاء للطيور. ويستهلك البجع الأبيض عدة مئات من كيلوجرامات  السمك سنوياً.

وتهاجر الطيور من شمال غرب أوروبا من ايسلندا عندما تسوء الظروف المناخية ويشتد البرد القارس الذي يزيد في حاجة الطيور الى الطاقة ويحد في الوقت نفسه من توافر الغذاء فتجد هذه الطيور المهاجرة في منطقة آرغين مساحات واسعة من الاحواض والمستنقعات تنتشر فيها بحثاً عن الغذاء في فصل الشتاء. وتمكن الظروف المناخية المعتدلة اضافة الى الهدوء الذي يكتنف المنطقة من تقليل حاجة الطيور الى الطيران ما يتيح لها ان تدخر جزءاً كبيراً من طاقتها. ويكون عدد الطيور في اقصاه في شهر مارس آذار.

وتشكل محمية آرغين منطقة بناء أعشاش الطيور والتكاثر في منطقة غرب إفريقيا بأكملها. وتجري الكثير من نشاطات التكاثر في أعشاش على الرمال على شواطئ الجزر وقد يصل عدد الأعشاش إلى 40 ألفاً.

وتقوم الطيور المهاجرة قبل العودة الى مواطنها باستبدال ريشها بآخر زاهي الألوان، وتختزن كميات من الشحم تكون بمثابة وقود يساعدها في قطع آلاف الكيلومترات التي تفصلها عن محطات الوصول في اوروبا.

وهناك كثير من الأسماك ومنها البوري Mugil cephalus  واللوت Argyrosomus regius التي تصل الحوض موسمياً، و للحوض قيمة عالمية متميزة حيث أن  المياه المحيطة هي أحد أغنى مياه الصيد في غرب الأطلسي. وتوجد بكثرة أسماك البوري التي تتغذى على النباتات، وتلعب دورا مهما في النظام البيئي؛ وهي الغذاء المفضل، وربما الوحيد لسكان الإيمرغن وعماد حياتهم واقتصادهم. ويتميز هذا النوع من السمك بالطول؛ حيث يصل طول إناثه حوالي المتر، ويعيش في أسراب كبيرة.  وتعتبر المياه الضحلة ومنطقة الجزيرة أيضًا مركزًا لنشاط بيولوجي مكثف: فهناك 45 نوعًا من الأسماك ، و 11 نوعًا من المحار وأنواع عديدة من الرخويات.

وهناك الحوتيات التي تضم الحيتان الكبيرة والدلافين وأسماك القرش.  ويوجد الدولفين أنبوبي الأنف والدلفين الأطلسي ذو السنام في منطقة المحمية التي تكيفت مع بيئة الحوض ومصادر الغذاء المتوافرة فيها.  والحظيرة موطن لمجموعات من فقمة الراهب Monachus monachus  في الرأس الأبيض  المهددة .

ويحتوي الحوض على العديد من أنواع السلاحف البحرية، ومنها السلحفاة الخضراء  Chelonia mydas  المدرجة  على القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض للإتحاد الدولي لحماية الطبيعة  IUCN. ونظرا لما تزخر به حظيرة آرغين من نباتات وأعشاب أصبحت مكانا مفضلا للسلاحف؛ وهي أبرز الأنواع التي تتغذى على الأعشاب البحرية عرائس الماء كمصدر لغذائها الاساسي.

من حيوانات حوض أرغين البحرية والبرية

وتهاجر السلاحف لوضع البيض في فترة الرياح الموسمية (يوليو- سبتمبر) وأن قسما من الصغار عند الولادة يتوجه إلى اليابسة ويصبح -بالتالي- سلاحف برية. وقد لوحظت  هجرة السلاحف بين غينيا بيساو وموريتانيا بالعثور في الحظيرة على سلاحف بعلامات غينية. وعثر على سلحفاة عليها ختم فلوريدا بالولايات المتحدة.

وتضم المحمية القليل من الحيوانات البرية ومنها عدداً محدوداً من الغزلان   Gazella dorcas وإبن آوى. وهناك أكثر من 200 نوع من النباتات ويضم الجانب الشرقي من جزيرة تيدرا غابات المنغروف، وهناك أكاسيا الصحراء مثل شجرة الصمغ الكاذب، ونباتات عشبية وأشجار المناطق الصحراوية .

نظام بيئي متميز لمحمية آرغين

تضم المحمية الوطنية عدة نظم برية وساحلية ومدية (لمنطقة المد والجزر) وبحرية.  وتشكل نظاماً بيئياً غنياً بالتنوع البيولوجي   للعناصر المغذية والمواد العضوية بسبب الامتداد الشاسع من المستنقعات المغطاة بأحواض الأعشاب البحرية، إضافة إلى رواسب مهمة من الصحراء الجافة. وهناك مساحات ضخمة من الأعشاب البحرية في شواطىء عشرات الجزر في الحوض والتي تشكل القاعدة للسلسلة الغذائية للكائنات البحرية.

وهناك ظاهرة فريدة تمثل الحياة البحرية في المحمية الوطنية حيث ترفع التيارات البحرية المياه الباردة العميقة من القاع إلى السطح في الرأس الأبيض (رأس نواديبو) المطل على حوض آرغين.  ويؤدي ارتفاع المياه الباردة من الأعماق الناجمة عن الريح إلى حدوث تيارات مشبعة بالأملاح المغذية الضرورية لنمو العوالق البحرية التي تعتاش عليها الأسماك في المياه السطحية الفقيرة في المغذيات وبالتالي، إلى زيادة الإنتاج من الأسماك والقشريات.

وتعتبر المحمية أحد أغنى مناطق صيد السماك في العالم، وذلك لأنها نقطة التقاء تيارات الكناري الباردة القادمة من الشمال، والتيارات الدافئة القادمة من خليج غينيا بأفريقيا الغربية، هذا إضافة إلى تيارات بحرية أخرى قادمة من جزيرة القديسة هيلينا بعرض المحيط الأطلسي. وبفعل التقاء هذه التيارات تصبح المياه دافئة وموطناً مفضلاً لملايين الأسماك التي تهاجر إليها من جميع أنحاء العالم، وتتخذها موطناً للتكاثر.

وتنتشر الأعشاب البحرية في الطبقات السطحية البحرية على امتداد المنطقة السطحية بهدف امتصاص الطاقة الشمسية، وإتمام عملية التمثيل الضوئي، إضافة للعوالق من البلانكتونات النباتية والحيوانية والتي تشكل غذاءً وقاعدة لسلسلة الغذاء البحريّة تعتاش عليها الحيوانات الأولية  مثل الديدان، واليرقات.  وتشكل الديدان، واليرقات غذاء للأسماك الصغيرة، والقشريات، والرخويات، والتي هي بدورها غذاء للأسماك الكبيرة، والتي هي بدورها أيضاً غذاء للحيوانات العلوية كأسماك القرش، والثّدييات البحرية كالفقمات، والدلافين والحيتان على قمة هذا الهرم الغذائي.

وتتغذى الطيور البحريّة كالنوارس، والنحام والبجع على جميع هذه الحلقات ابتداء من الاعشاب للسلاحف والديدان والسرطانات والأسماك الصغيرة والمتوسطة لكثير من الطيور، والحيوانات الكبيرة النافقة. وهكذا يوفر النظام البيئي لمحمية آرغين كمية هائلة من المواد الغذائية للأحياء البحرية والطيور.

ومن شأن هذه الوفرة الغذائية الحفاظ على البيئة البحرية والساحلية بما يكفي من وفرة وتنوع  الغذاء في المناطق الموحلة والساحلية والعشاب المائية والعوالق لتوفير الدعم الغذائي تجتذب إليها ملايين الطيور والأسماك والثدييات البحرية مما يجعل من منطقة المحمية جنة حقيقية لمختلف صنوف الحياة البحرية والحيوانية والإنسانية .

غير أن زيادة نشاطات الصيد بشكل كبير من خارج وداخل المحمية وتطور أساليب الصيد والصيد التجاري غير المشروع والجائر من أساطيل صيد فرنسية وإسبانية وبرتغالية ويونانية

والتي تؤثر على أسماك البوري واللوت التي تصل الحوض موسمياً يمكن أن يؤثر على حياة الأسماك في المنطقة ويُضر بها بشكل خطير.  وهذا ما دفع السلطات الموريتانية إلى توقيع عدد من الاتفاقات مع الاتحاد الأوروبي ومراكز بحث دولية للحيلولة دون تفاقم ما يصفه الصيادون الإمريغن بالكارثة الطبيعية التي قد تعصف بثراء حوض آرغين. وهناك  خطر التلوث بتسرب النفط على الطريق البحري الدولي لغرب أفريقيا واحتمال العثور على النفط.

إيمراغن..صيادون خارج الزمن 

الإيمراغن Imraguen  (الإيمراكن، الإيمراجين) هم سكان محمية آرغين،  وجاءت التسمية من الكلمة البربرية التي تعني الصيادين.  ويعيش مجموعات محدودة من الإيمراغن في المحمية في سبعة تجمعات ولا يتجاوز عدد أفرادها الآن ألف نسمة.

يمتهن الإيمراغن الصيد وصيانة الشباك والقوارب،  ويصنعون كل شيء بأيديهم، بدءاً من منازلهم البدائية وحتى الشباك والقوارب الشراعية.  وتتمسك الأجيال الكبيرة بالحياة في الحوض، ولكن الأجيال الجديدة تتجه إلى المدن على البقاء على طول ساحل حوض آرغين ويرون هناك حياة أخرى قد تكون أفضل بكثير من حياتهم التي ورثوها عن أجدادهم. ولا يتجاوز عدد أفرادها الآن ألف نسمة بينما كان عددهم يقدر بخمسة آلاف في عام 1970.

وتعتبر السلطات الإيمرغن جزءاً من الوسط الطبيعي للمحمية، وتسمح لهم وحدهم بالاقامة والصيد البحري، غير أنها تحظر عليهم استخدام القوارب ذات المحركات على اعتبار انها تُضر بالبيئة.

ويمثل سكان المحمية (الإيمراغن) نموذجاً للتعايش بين الإنسان والطبيعة، حيث يشكل الإنسان عنصراً في المعادلة البيئية؛ الإنسان والبحر والصحراء والطيور والأسماك.

ينتشر سكان المحمية من الإيمراغن على امتداد شواطئ الحوض منذ القدم، ويحتفظون بعادات الصيد التقليدية. ويعتاشون على الأسماك، فالسمك أولا وأخيراً، حيث يعتمد عليه في جميع الوجبات.

وتتلخص حياة الإيمراغن في البحر، فالسمك مصدر للأكل والدواء وحتى بعض الصناعات التقليدية والتحف التي يقبل عليها بعض السياح الغربيين الذين يقضون أسابيع طويلة بينهم للاستمتاع بمراقبة الطيور المهاجرة.

ويرتبط الصيد بالرياح، فإذا هبت الرياح يستطيع الصيادون التحرك بسهولة، على طول ساحل حوض آرغين. ويستخدم الإيمراغن قوارب شراعية حين يصطادون في عرض البحر، لكن حين تكون حركة المدّ والجزر ملائمة، يصطادون مشياً، على بعد أمتار قليلة من رمال الشواطئ.

ويسكن الإيمراغن بيوتا يسمونها لكصور (القصور)، يقيمونها من الشجر والعشب، وتوفر لهم ظلا كثيفاً، وتقيهم درجات حرارة، قد تتجاوز 50  درجة، ويزيد من وطأتها نسب الرطوبة العالية.

صيادي الايمراغن

ومن أبرز طقوس الإيمراغن في الصيد، أنهم يرتبطون بصداقة حميمية مع الدلافين التي يوجد الآلاف منها في المنطقة.  ويأتي سمك البوري موسمياً،  ويرصد الصيادون أسراب الأسماك في البحر ولديهم خبرة في تتبعها من الشاطئ.

وعند ملاحظة أي سرب يقترب من الشاطئ ، يضرب الصيادون البحر لجذب الدلافين، فتعمل حركتها في اتجاه الصوت على جمع أسماك البوري وسوق كميات كبيرة من الأسماك من أعماق البحر نحو الشاطئ مصدر الصوت حيث يتلقى الصيادون الأسماك بشباكهم التقليدية مشكلين هلالاً حول السرب.

ويعتقد الصيادون أن الدلافين في الواقع تجمع الأسماك كما تجمع الكلاب قطعان الأغنام. وتستفيد الدلافين من عملية التعاون هذه، حيث يوفر لها مصادر غذائية كثيرة، وبذلك، هناك علاقة تكافلية بين الإمريغن والدلافين .

ويهتم الإيمراغن بأسماك البوري، ولا يصطادون باقي الأسماك، لملاءمتها لإحتياجاتهم الغذائية ولأغراض التجفيف والتخزين وصلاحيتها للاستعمال بعد التجفيف لأغراض الطبخ . ويبدأ دور المرأة في معالجة الأسماك وتجفيفها بعد الصيد، وباستخلاص الزيت من الأسماك، واستخراج بيض البوري الذي يصنع منه البطارخ أو الكافيار الموريتاني.  وتحظر عادات الإيمراغن على المرأة الإقتراب من الشاطىء لأن ذلك يثير غضب البحر ويحرمهم من خيراته ويحطم قواربهم.

ويقول سكان قرية الإيويك ان الدلافين مسخرة لخدمة سكان القرى الاخرى، وهم يخصصون للفقراء والمساكين نصيباً من صيدهم،  ولذا تأتي اليهم الاسماك دون واسطة الدلافين. وكان الإيمراغن في السابق يقومون بالتصفير بطريقة معينة تجذب الدلافين والتي تتبعها أسماك البوري في حركتها.

المصادر
http://www.pnba.mr/pnba/
https://cmsdata.iucn.org/downloads/tabea_arb.pdf
https://en.wikipedia.org/wiki/Banc_d%27Arguin_National_Park
https://www.worldheritagesite.org/list/Banc+d%27Arguin
https://earthobservatory.nasa.gov/images/7240/banc-darguin-national-park
https://www.ramsar.org/sites/default/files/documents/library/ramsar_whc_case_study_banc_darguin_e.pdf

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *