الخطاط الأميركي محمد زكريا| نقل الخط العربي إلى العالم الغربي
نشأة محمد زكريا
ولد محمد زكريا في بلدة فنتورة في كاليفورنيا في 20 مايو لعام 1942. كان والده يقاتل في الحرب العالمية الثانية ووالدته مريضة بالسل، ولذلك أمضى زكريا سنواته الأولى في مزرعة صديق للأسرة في ريف فنتورا.
كان يحب المزرعة؛ يركض دون حذاء، ويقضي فترة بعد الظهر في الصيد. وكان يستمع في الليل إلى صديق الأسرة يقرأ عليه من العهد القديم، وهكذا علم عن الأنبياء إبراهيم وموسى، وكان ذلك تعليمه الوحيد في ذلك الوقت.
حصل والد زكريا بعد الحرب، على وظيفة مدير فني في هوليوود، وشفيت والدته، وكانت نشيطة اجتماعياً، مما كان ينبىء بحياة جيدة. لكن الأمور لم تكن كذلك للصبي، الذي كان ينتابه شعور بأن حياة أخرى تنتظره.
عاش شبابه في إحد ضواحي لوس انجلوس، وكان يتسكع في شوارع وسط المدينة كوسيلة للهروب، مع رفاق غريبي الأطوار في دور السينما القديمة، وكان لديه وشم من أزهار على جسمه ولا يزال يحتفظ به، وعمل بمهنة الوشم فيما بعد لبعض الوقت. ولم يكن منضبطاُ في المدرسة، وإنضم إلى مجموعة من التلاميذ كانت تتورط في الإعتداء على زملاء في الدراسة، وصلت لتحطيم أسنان أحدهم.
مواضيع ذات صلة
الخط العربي| دُرًةَ الفن الإسلامي.. الذي ولد في العراق
الخط العربي [1]|الخطاط فوآد هوندا الذي نقل الخط العربي للجزيرة اليابانية
الخط العربي [2] | الخطاط نور الدين مي غوانغ الذي يكتب الخط العربي بحروف صينية
الخط العربي [4]| الإيبيرية نورية غارسيا التي نقلت الخط العربي للعالمية
الخط العربي[5]| الأميركية إلينور هولند…نجمة ساطعة في الخط العربي واللاتيني
الخط العربي [6] | التركي حسن الجلبي.. رائد المدرسة التي نقلت الخط العربي إلى العالمية
الخط العربي [7]| نجيب نقاش وآخرون … حروفية عربية بأيدي غير عربية
كريم جعفر من المغرب| سفير الثقافة العربية في فرنسا
اللغة العربية في ميزان اللغات العالمي
كان ما وصل إليه سلوكه صدمة له، ومؤشرعلى افتقاده للسلام النفسي وغياب الشعور بالمصالحة مع النفس ومع محيطه الإجتماعي.
حين بلغ 18 عامًا، في عام 1960، ترك المدرسة الثانوية وانقطع عن الدراسة. وانتقل إلى منزل بالقرب من ماليبو Malibu في جنوب كاليفورنيا، وحصل على وظيفة ميكانيكي في مصنع لقطع غيار الطائرات. كان سعيداً أنه أصبح قادرًا على العيش مستقلاً، لكن سرعان ما تسرب الملل من العمل إلى الشاب الميكانيكي المغرور، وبدأ يجنح للشرب بشدة.
رحلة محمد زكريا المغرب الأولى
كان متلهفاً للمغامرة في حياته، واقترح عليه وكيل سفريات في عام 1961، السفر للمغرب في باخرة يوغوسلافية لقضاء إجازته لإنخفاض تكلفة الرحلة (50 $).
وصل زكريا إلى الدار البيضاء ساعة غروب الشمس في شهر رمضان،و شعر على الفور أن كل شيء كان مختلفًا. بدأ يرتاد المقاهي لمحاولة فهم العالم الغامض الذي وجد نفسه فيه، ووجد أنه ينجذب إلى المساجد المزخرفة بالمدينة، وكان مأخوذا بشدة بغياب الفلسفة المادية من حياة الناس.
أعطت رحلة العودة من المغرب طابعاً أكثر درامية لرؤيته الجديدة للحياة، حين تعرضت السفينة لعاصفة قوية، وفُقدت السفينة في البحر لعدة أيام، قبل أن تصل إلى مرفأ نيويورك، وأصبح متلهفاً للعثور على طريقه في الحياة.
عاد إلى لوس أنجلوس، واستأنف عمله في مصنع قطع الطائرات. غير أن رحلته الأولى إلى المغرب، كانت تؤذن بطريق جديد. لم يعد الشرب ولا صحبة النساء مع الرفاق في المصنع كافية للفرار من عالم والديه، ووجد نفسه عالقًا في نمط حياة أسوأ من ذلك. وقرر أنه يريد مغادرة المشهد الذي يعيش فيه.
فتحت رحلة المغرب عينيه على عالم مختلف ولغة جديدة وثقافة جديدة ودين جديد. بدأ يتعلم العربية بنفسه، واعتنق الاسلام، واتخذ لنفسه إسم محمد زكريا. كان محمد نبي الإسلام، و كان زكريا (من ذَكَرهُ الله) أبو النبي يحيى، ونبي في ديانات الإسلام واليهودية والمسيحية. وقرر أنه يريد العودة إلى المغرب كمسلم.
اكتسب هوية في طفولته في مزرعة أصدقاء الأسرة، ومنحه والديه هوية عائلته، غير أنه في نهاية سن المراهقة، وجد أنه يريد لنفسه هوية أخرى.
كانت شخصيته نتاج هويات مركبة متصارعة، وقد شعر أن الإسلام ينزع تلك الطبقات ويحقق مصالحته مع نفسه.
أراد أن يتعلم كل شيء عن الدين الجديد، غير أنه لم يتمكن من الحصول على المواد التعليمية بالإنكليزية التي ظن أنه يريدها لتعلم اللغة العربية والدين. وسعى لتعلم العربية بنفسه من خلال كتب كانت تسمى “علم نفسك”، ليتعلم من بعد ذلك الدين من مصادره العربية.
رحلة محمد زكريا الثانية إلى المغرب
في عام 1964، كان قد ادخر من المال ما يكفي للذهاب إلى الخارج مرة أخرى، وقضى العامين التاليين في التنقل بين المغرب وإنجلترا.
عاد إلى الدار البيضاء في رحلته الثانية للمغرب. غير أن لغته الفصحى التي تعلمها من الكتب لم تسعفه للتواصل مع الناس باللهجات العامية الدارجة.
وذهب إلى فاس، حيث أمكنه أن يتواصل مع الناس، وتفاعل مع ثقافة المتعلمين ووجد تقليدًا للموسيقى الأندلسية الكلاسيكية. ودرس اللغة العربية وفن الخط وتعرف على الدين في المساجد والمكتبات التي تنقل بينها، وعاشه بالفعل وجذبه كثيراً.
التقى في المغرب الفنان المصري علي نور الذي كان يعمل في BBC في لندن.، والذي كان على معرفة بالخط العربي الإسلامي في مصر، وأرشده إلى كيفية أستخدام المصادر العربية الكلاسيكية لبحث تاريخ الخط العربي.
في إنجلترا، درس المصاحف القديمة وقرأ الترجمات الإنجليزية للقرآن، ودرس الخط العربي من الأعمال القديمة في قاعة القراءة الشرقية في المتحف البريطاني.
عمل في إنجلترا في مهن ثانوية مؤقتة لكسب العيش مثل ترميم المنازل والتمثيل مع مجموعة بروس لاسي والبرتس الكوميدية، وعاش في ضيافة عائلة روسية فنيه وموسيقية.
كان محمد زكريا يستطيع أن يرى البُعد الثقافي في الأديان، لكن انفتاح الإسلام على جميع الأديان كان مصدر الإلهام له.
وبمجرد أن فهم اللغة العربية بما يكفي لقراءة نسخة من القرآن، أصبح زكريا مهووسًا به. وشعر أن تعاليم هذا الدين يمكن أن تجعله رجلاً أفضل، إذ كان في أعماق نفسه، يخوض صراعاً مستمراً لما يمكن أن تكون عليه هويته.
ومع تعميق التزام زكريا بأعماله الفنية، تزايدت صلته بالإيمان. وحين كان يطوف حول المسجد الحرام في مكة في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، طغى عليه الشعور بأن حياته أخذت المسار الذي أراده.
شعر والديه بالخيانة عندما تحول للإسلام، غير أنهم وافقوا في نهاية المطاف على اختياره. وأسَرَتْ له والدته على فراش موتها، أنها فهمت أخيرًا قوة الدين في حياته.
كانت نشأة محمد زكريا مخاضاً عسيراً انتهى بولادة أحد أعلام الخط العربي عالمياً.
نشأة الخطاط محمد زكريا
تحول محمد زكريا للإسلام بعد رحلته إلى المغرب في عام 1961، وبدأ سعيه المعرفي للوصول إلى العمق الثقافي الذي جذبه للدين الجديد.
حصل بداية على صور بالأبيض والأسود لنسخة من القرآن بالخط الكوفي، واشترى نسخة غير مكتملة للقرآن بالخط الفارسي، من القرن التاسع عشر من تاجر تحف إيراني.
لفت انتباهه اثناء مروره أمام معرض للتحف الفنية لتاجر أرمني في شارع ويلشاير Wilshire Boulevard في ضاحية سانتا مونيكا في لوس انجلوس، قطعة فنية معروضة، الأمر الذي دفعه للدخول إلى المعرض لمشاهدتها عن قرب. كانت لوحة حمراء تضم كتابات باللون الأسود والذهبي، وقال له التاجر؛ إنها قطعة ثمينة من الفن الإسلامي، لا يمكنك دفع ثمنها يا بُني.
استولى جمال هذه القطعة الفنية الإسلامية على مخيلته وكانت مصدر إلهام له، وقرر أنه إن كان لا يستطيع شراءها، فإنه يمكنه إعداد لوحة مثلها.
تلك كانت لحظة فارقة في تاريخ محمد زكريا، الخطاط العربي، إذ وهبه ذلك التاجر حُب الخط العربي.
لم يرُقْ الإسلام لزكريا من الجانب الروحي فحسب، وإنما انجذب أيضًا إلى التقاليد الفنية للدين. كان الإيمان هو المحفز لكتابة الخط إذ وجد أنه يشكل بُعدا ثقافيا مهمًا في الحياة العربية والإسلامية.
ذهب إلى المكتبة المحلية وبدأ في تتبع أعمال الخط العربي ومحاولة تقليدها، ولم ينجح في ذلك بداية.
كان الخط العربي صعباً، لأن الكلمات متصلة فيه، خلافاً للغات الأخرى التي تكون فيها الحروف مستقلة. ويأخذ الحرف في هذا الخط أشكالاً وارتفاعات مختلفة حسب موقعه في الكلمة ونوع الخط. وهذا يجعل من الكتابة العربية قابلة لاكتساب أشكال هندسية مختلفة من خلال المد والرجع والاستدارة والتشابك والتداخل والتركيب.
وقرر محمد زكريا أنه سيواصل التحدي لشق الطريق الصعب والتفوق في الخط العربي .. المهنة التي ظن أنه سينذر نفسه من أجلها.
أخذ يصنع أقلام الخط من عيدان الخيزران وفق ما شاهده من الصور التي أمكنه أن يطلِع عليها، وبدأ بتجربة الخط العربي وشق طريقه في فن الخط. كان عمل زكريا في مصنع قطع غيار الطائرات يتطلب الدقة العالية، وهي مهارة كان يتطلبها بشدة تَعلُم الخط العربي.
استخدم أحباراً وأنواعاً مختلفة من الورق المتاحة في السوق (ولم يكن هناك شبكة معلومات عالمية في حينها ليتعلم منها). أدرك مدى صعوبة عملية تقليد الخط، وكان ذلك دافعاً له ليجرب كل شيء بجدية كبيرة، وعزز من رغبته أكثر من أي شيء آخر للتميز في كتابة الخط.
قدم لأصدقاءه وللمسجد الذي يرتاده بعضاً من أعماله، وقد كانت بدائية، ولم يكن هناك من شخص مؤهل لتقديم نقد بناء لتوجيهه للتقدم في مهمة تَعلُم الخط.
حصل على أعمال من الخط الإسلامي الصيني من صديق من الصين، وكانت قطعًا جميلة، لكنها كُتبت بالفرشاة المستخدمة في الخط الصيني العربي، ولم تكن معدَة بالطريقة الكلاسيكية للخط العربي التي كان يتلهف لتعلمها.
عمل محمد زكريا في كاليفورنيا خلال الفترة 66-1971 لدى تاجر تحف وقطع أثريّة في ويست هوليود. كان عمله غير المتفرغ، يتصل بصيانة واستنساخ قطع قديمة من التحف.و تعلم زكريا كيف يصنع أشياء غريبة، مثل الساعات الشمسية والإسطرلابات المعروفة في التراث الإسلامي وصنع منها في نهاية الأمر 13 قطعة.
أدت إبداعاته العديدة، بدءًا من نسخ الأدوات العلمية والموسيقية من عصر النهضة إلى المخطوطات المزخرفة والأجرام السماوية، إلى جلب شهرة سريعة له، وتم تسميته فنانًا مقيمًا بكلية سكريبس Scripps College في عام 1970.
وفي أوائل سبعينيات القرن الماضي، انتقل محمد زكريا إلى واشنطن العاصمة، إلى ضاحية أرلينغتون، حيث قابل سالي، المرأة التي أصبحت زوجته. وبدأ في عرض أعماله، ولاقت قبولاً حسناً. وفي بداية الثمانينات، بدأت تأتيه عروض لإعداد اللوحات، مقابل الثمن.
ورغم إشادة النقاد بعمله، إلا أنه كان قادراً على رؤية أن تقنية كتابة الخط لديه قد وصلت إلى طريق مسدود، وشعر بالإحباط لأنه لم يكن قادرًا على رؤية التحسن في عمله من قطعة إلى أخرى.
كان محمد زكريا يجد قيمة كبيرة في استكشاف جوانب الخط الأندلسي والمغربي. ولكنه نظرته المستقبلية وبحثه عن المكان الأفضل كمسلم من أصل أمريكي أوروبي، قاده إلى إدراك أن الطريقة العثمانية في الخط العربي هي الأكثر حداثة والتزاماً في معايير الكتابة، وقد رأى أنها لا تزال الفرع الأكثر حيوية للشجرة (الخط العربي) القديمة.
تعلم فن الخط : إصول الخط العربي على يد حسن جلبي في تركيا
كانت إيسين أتيل مؤرخة الفن الإسلامي في حينه لمعرض فريير للفنون التابع لمعهد سميثسونيان،
وقد اطلعت في بداية الثمانينات، على أعمال زكريا. وقد رأت فيه خطاطاً واعداً، إذ وجدت أنه لا يكتب الخط بطريقة تقليدية، وأن له رؤيته وإلهامه ويستطيع وضع بصمته على أنواع عديدة من الخطوط.
أرسلت إيسين عينات من خط زكريا إلى أكمل الدين إحسان أوغلو مدير مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (IRCICA) في إسطنبول.
وجد أوغلو، أن أعمال محمد زكريا تعكس موهبة ومهارة، لكنها لم تكون حرفية، إذ لم يتلقى التدريب المناسب على أصول كتابة الخط.
سافر زكريا إلى استنبول، وقابل أوغلو وحسن جلبي، كبير الخطاطين في عالم الخط العربي، وعدد من اعلام الخط العربي في تركيا. وافق المركز على قبول طلبه لتعلم الخط، إن كان راغباً في طوي صفحة ما تعلمه سابقًا والبدء من جديد.
بدأ زكريا الدراسة بالمراسلة عبر البريد أو من خلال معهد الدراسات التركية في واشنطن وباستخدام دفاتر التمرين Meşks. غير أن شيلبي وجد أن المهمة صعبة للغاية، إذ لا بد لتعليم الخط من أن يتدرب الطالب بصريًا على دفاتر التدريب تحت إشراف المعلم (الملقب Hoca) مباشرة، لمرة واحدة أسبوعياً على الأقل.
كان ذلك مهماً ليتعلم كيف يرى ويكتب الخطوط في بيئة صفية، حتى يمكن له أن يصبح متذوقًا حقيقيًا للخط الجيد، وليستفيد جميع المتدربين والمعلم من ما يطرح من موضوعات وملاحظات أثناء التدريب.
وهكذا فقد التحق زكريا خلال عام 1984 بمركز الأبحاث لبعض الوقت للتدريب تحت الإشراف المباشر لأستاذه، وتكرر ذلك لمرتين إضافيتين خلال فترة دراسته 84-1988، وكان خلال هذه الفترات يلتقي أستاذه شيلبي يومياً.
ويتعلم المتدرب على كتابة الخط العربي في تركيا بداية قياسات وأبعاد الحروف. وقد بدأ زكريا دراسته لحرف واحد ثم حرفين، قبل أن يصل لكلمات وجمل كاملة، حيث يختلف شكل الحرف حسب نوعه وموقعه في الكلمة العربية المتصلة.
وقد كرس زكريا نفسه لدراسته بحماسة كبيرة، إذ وجد أن عملية التدريب تُحاكي ممارسة الموسيقيين للتمارين، إذ يجب تكرار التدريبات لتصبح عادة الدقة في فن الكتابة الجميلة جزءاً من وعيه الإدراكي.
تعلم زكريا خطي الثلث Sulus والنسخ Nesih على يد حسن جلبي، وتعلم منه الصبر والدقة والكتابة ببطىء شديد، وهي مهارة كان يحتاج لتعلمها بشدة ليتميز في كتابة الخط، وحصل على إجازة من شيلبي في عام 1988.
وتعلم الخط الفارسي (خط النستعليق) مع الخطاط علي البارسلان، وحصل على إجازة في عام 1997. وأصبح يكتب الخط بالأحرف العربية في اللغات العربية والتركية والفارسية.
وعلى الرغم من أن للخط العربي نفس قواعد الكتابة من حيث الفاصلة والنقطة، إلا أنه للخط العربي مقاييسه خاصة، وهناك قلة تبلغ مستوى إتقانها. ويحتاج الأمر إلى سنوات لتحقيق التميز في كتابة الخط، وكان محمد زكريا من أبرزهم، ويقول، أنه كان يمكنه أن يصبح جراحًا عدة مرات خلال الوقت الذي استغرقته ليصبح خطاطًا.
أشاد حسن جلبي بمهارته الفائقة، عندما منحه الإجازة، وقال أنه ليس هناك الكثير ممن يكتبون لديهم بصمة مميزة في أعمالهم، حتى بين الخطاطين الأتراك، لكن، محمد زكريا، كان قادراً على فعل ذلك، وسيمثل باقتدار هذا الفرع من الفن الإسلامي في الولايات المتحدة.
وقال أوغلو؛ لقد كانت تجربة رائعة بالنسبة لنا أن نشارك في صناعة فنان عظيم، هو أول خطاط أمريكي غربي.
محمد زكريا: قامة كبيرة في عالم الخط العربي
لا يتوقع كثيرون من رجل أميركي أبيض أوروبي الأصل بلحية بيضاء أن يُدعى محمد، وأن يكون أكثر الخطاطين الإسلاميين إنجازًا في الولايات المتحدة وشهرة في العالم. ولا يهتم محمد زكريا بالشهرة، فهو ممتن لأنه عثر على نفسه الحقيقية وتصالح معها، وكرَس نفسه للخط وتعلمه وتعليمه ويخطط لمواصلة أعمال صغيرة تناسب عمره الذي يطرق أبواب الثمانين.
وقد مارس زكريا الخط العربي في أرلينغتون، في ضواحي واشنطون منذ عقود طويلة، وهي مهنة لم يكن قد سمع بها سوى القليل من الناس في الولايات المتحدة ، ولديهم صورة نمطية عن الفن الإسلامي، ولا تجني إلا بالقليل من المال أو التقدير. ذلك أن فن الخط الإسلامي جديد على الثقافة الغربية؛ بصرياً وجمالياً وفكرياً من وجهة نظر المعاني العميقة.
لكن التزام زكريا الراسخ بتطوير مهاراته الفنية في كتابة أنواع الخطوط، وفي تقنيات إنتاج واستخدام مواد الكتابة قبل وبعد إنجاز اللوحات، وإتقانه اللغة والعُمق الروحي مكنته من الإبداع في لوحاته ومن اختراق الحواجز النمطية السائدة رغم صعود تقنيات الحاسوب في تطوير الخطوط العربية.
اليوم ، يعتبر زكريا واحدأ من رواد فن الخط العربي في العالم بكل ما للكلمة من معنى. وتقول معصومه فرهاد، أمينة الفنون الإسلامية في معرض آرثر إم ساكلر بمعهد سميثسونيان أن الخط الإسلامي يتدفق عفويًا على يدي زكريا، رغم التزامه بالقواعد المحددة التي تحكم الخط، ذلك أن إتقان هذه القواعد ليس سهلاً، حيث يقضي الكثيرون منهم مدى الحياة في التعلم.
وتشير إيسين أتيل، المنسقة السابقة للفن الإسلامي في معرض فريير بمعهد سميثسونيان ، إلى أن الخط الإسلامي ليس فقط تعبيرًا جماليًا وروحيًا ولكنه أيضًا تعبير رياضي. وهناك أنماط وصيغ تم تطويرها على مر العصور، ويتم الحكم على فنان الخط بقدر تمسكه بقواعد الخط، وقدرته على الجمع بين الحروف الرأسية والأفقية وتدفقها، وتصميم لوحة الخط وتعزيزها بالحدود المضاءة (التزيين والتذهيب) أو الرخامية. إنه الكمال في كل هذه الميزات التي تجعل عمل الخط عملًا فنيًا.
وقد فاز محمد زكريا في عام 1986 بأول جائزة للخط العربي من بين الجوائز العديدة التي تلقاها، في مسابقة رعاها مركز الأبحاث في إسطنبول، وتلقى جائزة ثانية من نفس المركز في عام 2004. كما حاز في نفس العام على جائزة من المركز الإسلامي في لوس انجلوس.
ومنحته جامعة فرجينيا كومنولث في مايو 2012 دكتوراه فخرية في الآداب الإنسانية، باعتباره الأمريكي
الوحيد المعترف به كخطاط عربي وإسلامي؛ ولقدرته على نقل الكلمة المكتوبة إلى بُعد آخر؛ ولإنجازه لقطع استثنائية من مجموعة متنوعة من أنماط الخطوط العربية؛ ولقدرته على معاملة أوراق الخط وصنع أحباره وأقلامه، ولقدرته على خلق توازن بين استخدامه للإضاءة (التزيين والتذهيب والترخيم) ومهاراته العالية في فن الخط العربي، وهو الأمر غير المعتاد بالنسبة للخطاطين التقليديين.
وقد كلفته خدمة البريد الأمريكي بإعداد طوابع بريدية بخط الثلث احتفالًا بعيد الفطر وعيد الأضحى للأعوام 2001 و2011 وصدرت منها طبعات عديدة وقد جاءت فكرة إصدار الطابع الإسلامي من تلميذ في مدرسة ابتدائية في نيفادا قاد حملة عامة لذلك، ودعمته الناشطة الأميركية أمينة إسليمي.
وقد كُلِفَ محمد زكريا من إدارة الرئيس باراك أوباما بإعداد لوحة كهدية تذكارية تٌقدَم إلى خادم الحرمين الشريفين عند زيارة الرئيس الأميركي السعودية في عام 2009. وكانت لوحة مذهبة بخط الثلث ومزينة بخلفية مرخمة باللون الأخضر.
وبدأت مكتبات ومتاحف وجامعات توجه له الدعوات لإلقاء محاضرات أو لتقديم عروض فنية أو مواد للعرض في المتاحف وكانت تحظى بشعبية كبيرة .
محمد زكريا: السفير الإميركي للخط العربي
ينحو محمد زكريا بالأسلوب التقليدي في جميع أعماله، لكنه يرى أن أسلوبه غربي أيضاً، ولا يتفق مع جدلية التناقض بين الفن الغربي والإسلامي. وهو يرى نفسه، شخصاً غربياً، فهو عضو نشط في نقابة الخطاطين الأميركية، ويرى أن اتخاذه الخط العربي هو تعبير يؤكد على عقليته الغربية المنفتحة ويناقض تلك الجدلية.
وقد تحول الكثير من الأميركيين إلى الإسلام منذ ستينيات القرن الماضي. ويعارض محمد زكريا المسلم المعتدل حدة خطاب بعض الواعظين وتسييس المساجد، وهوعكس الانفتاح الذي جذبه في البداية إلى الدين.
ويقوم زكريا بعمل أفضل من خلال كتابته ونشره للخط العربي الإسلامي في متاحف ومعارض العالم ومراكزه الثقافية. وتٌدهشه الطريقة التي تتألق بها الحروف العربية على لوحات الخط؛ إنها الموسيقى التي يمكنك رؤيتها . ولا تنفصل الكلمات مطلقًا عن المعنى، مثل الموسيقى، فإن الخط الحقيقي ينقل المعنى دون الحاجة للكلمات، وهو المستوى الذي تعمل فيه جميع الأعمال الفنية العظيمة.
وهو يحيي التعاليم الإسلامية السامية التي جاءت في القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة، وينقل المعانى العميقة بطريقة لم يفعلها أحد من قبل، ويضعها في متناول الناس، بينما هي عصية على الفهم في الخطاب الإسلامي العام السمعي والبصري.
و المسلمون ليسوا الوحيدين الذين يقتنون لوحاته، إذ لا يستطيع الكثير من عملائه قراءة اللغة العربية، لكنهم ببساطة يحبون جماليات والوان لوحات الخط العربي لمحمد زكريا.
وقد عزز انتماء محمد زكريا للثقافة الغربية، من قدرته على لعب دور رائد في تقديم الخط العربي إلى العالم الغربي، وعرض أعماله على نطاق واسع كسفير للفن الإسلامي في أميركا.
وقد القى الكثير من المحاضرات في الجامعات وفي معارض الخط الإسلامي وورش العمل التي جرى تنظيمها في المكتبات والمتاحف والمعارض في الولايات المتحدة وخارجها .
وقد أقيم له أكثر من عشرة معارض في السعودية وبغداد وتركيا والكويت ومصر والإمارات وقطر، شملت معرضين متنقلين في دول الخليج، خلال الفترة خلال الفترة 1986-2011.
كما أقيم له أكثر من عشرين معرضاً في متاحف الفنون والجامعات، شملت معظم الولايات الأميركية، وكان بعضها معارض متنقلة بين الولايات، خلال الفترة 1975 -2015، ووزعت فيها نشرات تفصيلية تعريفية وترجمات للوحات المعروضة. ومحمد زكريا فنان متعدد المهارات Jack-of-all-trades يمارس الفنون القديمة، وقد صنع نماذج قابلة للتشغيل لأدوات علمية معدنية عربية قديمة مثل الإسطرلاب والساعات الشمسية Sundials، والكرة السماوية لمتاحف ومعارض في العالم وتضم معرض أرامكو في الظهران بالمملكة العربية السعودية، ومطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة، و المتحف الوطني في الدوحة بقطر ومتحف تايم في روكفورد بولاية إلينوي، وقبة أدلر الفلكية في شيكاغو، ومتحف الحرف الأمريكي في نيويورك ومتحف الزينة المعدنية في تينسي.
وقد وصفه الفنان كمال بُلّاطة الفنان التشكيلي الفلسطيني-الأمريكي بأنه حرفي من القرون الوسطى يقوده الإيمان والخبرة المهنية، ويستطيع صناعة نسخ طبق الأصل من الأدوات العلمية الإسلامية التاريخية والأوروبية المبكرة.
وقالت فيكي هالبر مساعدة أمين الفن الحديث في متحف سياتل، والتي عملت مع زكريا خلال معرض عام 1990 في غاليري رينويك في واشنطن، إن لديه مهارات عالية الدقة في الأدوات القديمة.
وقد نشر كتابين في الخط الإسلامي؛ تأملات في فن الخط وملاحظات على الخط الإسلامي. وقد قام البروفيسور والتر ديني مؤرخ الفن الإسلامي بجامعة ماساتشوستس UMass Amherst، بمراجعة الكتاب في عام 1980. وقال أن هذا الكتاب هو أول كتاب أمريكي أعرف أنه تم نشره على فن الخط، وأول كتاب ينشر في العصر الحديث من قبل خطاط إسلامي عن أعماله بأي لغة أخرى غير العربية.
كما نشر العديد من المقالات والدراسات، ومن بينها كتاب “موسيقى من أجل العيون” ، الذي نشره متحف متروبوليتان للفنون ومتحف لوس أنجلوس للفن بالتزامن مع معرض للخط العربي نظمته تركيا خلال عامي 1998 و 1999. وترجم من التركية كتالوج المعرض “أحرف من ذهب”، وكتاب فن الخط في التراث الإسلامي اللذين وضعهما الخطاط التركي أوجر ديرمان،
كما قام بالتدريس في مدرسة الدوحة للفنون الحرة في عام 1983 وكذلك خلال الفترة 2004-2012 مع جامعة فرجينيا الكومنولث في قطر ، ومع المركز الإسلامي في هونولولو في عام 2005.
ويقوم زكريا بتعليم الخط لمجموعات صغيرة من الطلاب في منزله بالقرب من واشنطن العاصمة، وهو يرى أن هذه مهمة واجبة لكل خطاط بأن يقوم بالتدريس مجانًا لطلاب متفانين. ويلتقي بطلابه أسبوعياً لتناول الشاي ومراجعة ومتابعة عمل كل طالب على حدة، ولا يقبل التعليم بالمراسة. وكان من بين تلاميذه مشاهير في الخط العربي من أصول أوروبية نورية جارسيا والينور هولند.
تنظيم معارض محمد زكريا: متحف الفنون الجميلة في هيوستن مثالاً
شكل تنظيم المعارض أحد الوسائل الإتصالية الهامة التي اتبعها زكريا كنشاط تعريفي وتعليمي للخط العربي. وقد القى محمد زكريا محاضرة في متحف الفنون الجميلة في هيوستن في ولاية تكساس في عام 2007.
وذكر في محاضرته أن الخط العربي كان موجودًا قبل نزول رسالة النبي محمد، لكنه اكتسب مكانة جديدة بعد ذلك، إذ كتب به القرآن لإيصال الرسالة بالوسائل البصرية، وهي الوظيفة الأساسية الكتابة. وجاءت كتابة القرآن في أنواع مختلفة من الخطوط لإعطاء أهمية للنصوص المكتوبة من خلال فن الكتابة الجميلة.
كانت محاضرة زكريا مقدمة لافتتاح معرضين للفن الإسلامي استمرت لثلاثة أشهر. وقد تم عرض حوالي 150 قطعة من مجموعة لوحات وأعمال محمد زكريا في في متحف الفنون الجميلة وفي متحف آرثر إم ساكلر بجامعة هارفارد في كمبردج في ولاية مساشوستس.
شمل المعرضين العلميين بعضاً من أعمال زكريا الإسلامية، ضمت كتابة كلمة الله، على 20 لوحة، تَتَبَعْ تطور النص كشكل من أشكال الفن من نسخ من القرآن يعود تاريخ بعضها إلى القرن السابع. وضم المعرضين أعمالاً غير إسلامية وصفحات من تركيا العثمانية وأدوات احتوى بعضها على أصداف عاجية وذهبية كانت مستخدمة لإنشاء الخط.
وقال ديفيد ج. روكسبيرج، أستاذ الفن الإسلامي بجامعة هارفارد واحد الذين أشرفوا على المعرض : لقد جاء المعرض كوسيلة للتعريف بجوانب من طريقة كتابة الخط لا يستطيع الأشخاص رؤيتها عند اكتمالها. ويحتاج الخطاط لعدة حركات لإكمال حرف واحد، حيث يتنقل القلم بين دواة الحبر وصفحة الخط مرات ومرات لأكمال كل كلمة من كلمات لوحة الخط. كما استهدف المعرض تعريف الزوار بشكل أعمق على مكانة الخط كشكل فني في الثقافة الإسلامية وواسع التعبير وذو قيمة عالية، وربما دفعهم إلى البحث ومعرفة المزيد حول الدين والثقافة.
محمد زكريا : الفنان متعدد المواهب
تشمل مهارات محمد زكريا المتعددة صناعة أعمال خشبية ومعدنية تضم أدوات وآلات علمية قديمة قابلة للتشغيل قديمة عربية وغير عربية.
كما تشمل هذه المهارات معرفته بأنماط الخطوط العربية الرئيسية (ثلث، نسخ، فارسي، كوفي…)، وإتقانه للعديد من المهارات والحرف اليدوية التي تخدم هذا الفن مثل تصنيع أقلام الخط والأحبار ومعاملات ورق الخط ليكون صالحاً للكتابة واعمال التزيين والتذهيب والترخيم، وبالتالي، معرفته الوثيقة باستخدامات أدوات وتقنيات الخط الأكثر ملاءمة.
ويقوم زكريا بتحضير الحبر الأسود من السناج الناتج من حرق بذور الكتان في فناء المنزل مع الكيروسين، وغليه لساعات مع الصمغ العربي والماء. ويستخدم أحباراً تجارية ومنها الأسود والكادميوم الأحمر وخلاصة الورد والزنبق الصيني.
ويقوم بصنع أقلام التخطيط من خشب القصب أو الخيزران بعمر 4 سنوات فأكثر، حيث يحتاج أقلاماً مختلفة لكل جزء من الخط، وحتى في اللوحة الواحدة.
كما يقوم بجميع مراحل إعداد لوحات الخط من إعداد الورق المقهر Ahar Paper وتلوينه باستخدام الشاي أو قشر البصل وبذور نباتية وطليه بطبقات من بياض البيض وصقله، وتخزينه لفترة عام قبل استخدامه.
وتجري عملية تزيين وتذهيب Tezhip اللوحات بعد كتابة الخط ، باستخدام أوراق الذهب. ولا يتبع طريقة التذهيب المفضلة لدى الفنانين الأتراك، وإنما يتبع التذهيب في إطار الزخرفة الأسلامية ذات الأصل الأوروبي الأكثر اتساقاً وبساطة.
كما يقوم بعملية ترخيم اللوحات Paper marbeling وفق الطريقة التركية Ebru لكنه يطور فيها، ويستخدم أنظمة وأنماط ألوان مختلفة وجديدة وأكثر بساطة خاصة به، فعمله ليس مجرد نسخة تركية مكررة.
ويقوم محمد زكريا بصنع العديد من الأدوات الخاصة اللازمة لتحضير ورق الخط (التقهير والطلاء ) وأدوات الترخيم وأدوات صقل الورق Agate burnishers ، وبكرات النحاس المستخدمة في طباعة تصاميم الإطارات الذهبية للوحات.
ويرى محمد زكريا أن مهارة الخطاط وحرفيته في الكتابة غير كافية لخطاط متميز ، حيث أن جودة الخط العربي تتوقف على نوعية الورق وإعداده للكتابة، وجودة أقلام الخط وحبر الكتابة وعملية تزيين اللوحات بجميع أشكالها.
المصادر