كمال الوافي: مصمم الحدائق العربي في برلين
نشأة كمال الوافي
ولد كمال الوافي في باتنة في الجزائر في عام 1952، ويحمل الجنسية الألمانية. درس الطبوغرافيا في الجزائر، وعمل بعد تخرجه خلال الفترة في عام 1974 إلى 1978 كمساعد في قسم الغابات ورئيس لمكتب الخرائط الطبوغرافية في وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري في الجزائر، ثم عمل رسامًا في مكتب للهندسة للمعمارية عائد لشقيق له في عام 1979.
هاجر إلى ألمانيا في عام 1980 وكان من السهل الحصول على مقعد دراسي في اختصاص تنسيق المواقع الطبيعية في الجامعة التقنية في برلين خلال الفترة 80-1986. وكانت طموحات كمال بسيطة، حتى أنه لو لم يتخصص في تنسيق المواقع ، لربما كان سيعمل سائق تكسي.
موضوعات ذات صلة
الجزائر| مؤشرات التنمية الإجتماعية والإقتصادية (بيانات 2017)
جهاد مصطفى| منقذ السيقان في أميركا… طبيب عربي من لبنان
الطبيب العربي أسامة إبراهيم من مصر … الوحيد الذي يمارس مهنة الطب في اليابان
سميح دروزة | مؤسس الحكمة للأدوية في الأردن .. نقل الشركة والدواء العربي للعالمية
زها حديد| سيدة العمارة في العالم من العراق
كريم جعفر من المغرب| سفير الثقافة العربية في فرنسا
إقبال الأسعد | أصغر طبيبة في العالم من فلسطين
ومع أن تخصص كمال الوافي في مجال هندسة تنسيق المواقع الطبيعي جاء صدفة، إلا أنه عمل في شركة ألمانية خاصة لمدة 6 سنوات بعد تخرجه وبرز فيها لمهارته في الرسم. وقرر أن يجرب حظه في العمل الخاص بأكثر من مشروع في برلين ولوكسومبورغ، ولما نجح في ذلك، قرر في عام 1996، أن يدخل في مجال الأعمال.
أسس الوافي شركة أعمال خاصة؛ كمال الوافي لهندسة تنسيق المواقع الطبيعية في برلين. وضم فريق عمله مهندسين في تصميم المواقع الطبيعية ومعماريين ومخططي مدن ونحاتين ومصممين صناعيين.
أصبح كمال الوافي عضو اً فاعلاً في منتدى إيدس للهندسة المعمارية Aedes في برلين منذ عام 2000. وهو عضو في لجنة التحكيم في العديد من مسابقات الهندسة
المعمارية الوطنية والدولية. ويسعى منتدى إيدس لبناء ثقافة عالمية للهندسة المعمارية، وينظم معرضاً عالمياً شهيراً للعمارة في أوروبا لعرض نماذج جديدة ومميزة من الرؤى المعمارية والحضرية المعاصرة.
حصل كمال الوافي على الجائزة الأولى في المسابقة المعمارية الدولية وعدة جوائز أخرى، ورشح في عام 2018 لنيل جائزة المعماريين العرب. ونشر مقالات وعدة كتب حول تنسيق المواقع والحدائق (مبين بعضها في قائمة الأدبيات).
كمال الوافي: المشاريع والأعمال
قام كمال الوافي بتخطيط وتنفيذ العديد من المشاريع في ألمانيا وفي أوروبا وأبو ظبي والجزائر.
تركزت المشاريع التي نفذت في ألمانيا، بداية على حدائق في معرض إكسبو الدولي في هانوفر لعام 2000 (شكل 1)، والتي أكسبت كمال الوافي شهرة في ألمانيا وخارجها. وضمت هذه المشاريع ساحة المعرض وتشكيلات مائية وحدائق متوسطية وحديقة أعشاب وحديقة للمدخل الجنوبي وحدائق مائية وحديقة البرج السماوي وحديقة البامبو وحديقة الرمال الصحراوية وحديقة التشكيلات الطوبغرافية.
وشملت المشاريع في هانوفر في ألمانيا الحديقة الزراعية وميدان هيرمس في مركز هانوفر التجاري (2003) ، وميدان الأوبرا (2009) وميدان مدينة هانوفر (2014-2015 ) وحدائق ولفن Welfengarten Hannover (2018) .
وشملت المشاريع في العاصمة برلين؛ الحديقة الشرقية (2005) في حدائق العالم في برلين، وقاعة الاستقبال (الصالة الشرقية) في عام 2007 وهي جزء مكمل للحديقة الشرقية. كما شملت إعادة إعمار حدائق مستشفى أوسكار زيتن وروزاريوم في برلين وساحة سكة الحديد (2009) والمرافق الخارجية في الحرم الجامعي لمجمع جامعة هومبولت Humboldt University في برلين وبالتعاون مع شركات ألمانية لتصميم المواقع الطبيعية (2013).
وشملت مشاريع كمال الوافي في ألمانيا (شكل 2) الساحة الأمامية لشركة إيرباص في بريمن (2006) وحديقة بوكاج في مطار بريمن (2007، وميدان الملك في كاسل (2003) ، والحديقة الصحراوية في المعرض الدولي للحدائق في هامبورغ (IGA 2013).
وشملت مشاريع كمال الوافي في خارج ألمانيا (شكل 2) حدائق مسجد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في أبو ظبي (2003) ، وإعادة تنظيم حديقة في روتردام (2003) وساحة المقاومة في اللوكسمبورغ (2013) . وقد وضع مخطط مشروع حديقة الأمة بين جدة ومكة (2005)، غير أن المشروع لم يأخذ طريقه للتنفيذ.
كما ضمت المشاريع الحديقة المائية (أكوا بالم) في حدائق الزيبان في بسكرة عاصمة الزيبان في الجزائر. وقد بدأ العمل بها في عام 2012 وافتتحت في عام 2017. وهي حدائق ترفيهية أقيمت على 54 هكتار، وتضم نماذج من الحدائق اليابانية والصينية، وحدائق الأزتيك (من حضارات شعوب اميركا الجنوبية الأصلية) وأجنحة ومساكن العمارة الصحراوية في بسكرة 2015. وعمل الوافي خلال فترة التنفيذ خبيراً في التطوير الحضري لخليج الجزائر (2013).
أشرف على طلاب في فرساي لعرض تصور لمدينة باريس للمعرض العالمي لعام 2025 “EXPOPARIS 2025”. وعمل على مشروع الإسكان الريادي (العيش في المستقبل) في أدلرزهوف في برلين.
وكان من اهم مشاريع كمال الوافي المنفذة الحديقة الشرقية التي تشكل جزءاً من حدائق العالم في حي مارتسن في برلين.
حدائق العالم Gardens of the World
افتتحت حديقة العالم في في حي مارتسان- هلرسدورف Marzahn-Hellersdorf في برلين الشرقية في عام 1987 (في عهد المانيا الشرقية)، وهي معروفة اليوم باسم حدائق العالم (شكل 3). تمتد حدائق العالم على مساحة 43 هكتارًا وهو ما يعادل مساحة بحجم 60 ملعب كرة قدم.
وقد جرى تدريجياً إضافة الحدائق اليابانية والصينية والإنجليزية والإستوائية والشرقية والكورية والمسيحية وحديقة النهضة الإيطالية وحديقة المتاهة وحديقة مائية وحديقة الورود وحديقة نباتية وحديقة كارل فوستر للحوليات التي تزهر فيها نباتات على مدار العام. وتضم حدائق العالم عشر حدائق تقليدية بتصميمات من أنحاء العالم، وتسعة حدائق تعرض الزراعة المعاصرة.
وتشكل حدائق العالم (بالألمانية (Gärten der Welt) مركزاً عالمياً لفن الحدائق، وتسمح الحديقة للزائرين بالقيام في رحلة للبستنة عبر العصور والتعرف على الحدائق والبستنة في جميع أنحاء العالم. وتعرض حدائق العالم تراثاً عالمياً مشتركاً يضم مجموعة كبيرة ومتنوعة من الحدائق من جميع القارات تضم نباتات ومجاري مياه ومعابد. وتمتزج التقاليد التي تعود إلى ألف عام مع تصميم الحدائق المعاصرللثقافات الشرقية والآسيوية وأمريكا الجنوبية والإفريقية والأوروبية ، وبذلك تقوم الحدائق بدور ثقافي ودور تعليمي.
ويستطيع زائر الحديقة ان يشهد مهرجان أزهار الكرز الياباني في فصل الربيع في برلين في الحديقة اليابانية، ومهرجان القمر الصيني بالفوانيس المتألقة في أواخر الصيف وأن يتنقل بين حدائق العالم الصينية والاستوائية والإيطالية والإنجليزية في واحة خضراء ضخمة في قلب برلين.
ويقام في صالات حدائق العالم حفلات موسيقية وألعاب النارية، ويمكن إقامة حفلات الزفاف في الحديقة الشرقية. وقد شهد موقع الحدائق إقامة معرض الحدائق الدولي في برلين (IGA Berlin 2017) والذي جاء تحت شعار مستقبل الزراعة الحضرية وسمح للزائرين بالإطلاع على نماذج من حدائق العالم.
كمال الوافي: الحديقة الشرقية في برلين
تقع الحديقة الشرقية Oriental Garden ذات الطابع الإسلامي في الحديقة الدولية في برلين. وقد جاءت فكرة إنشاء حديقة شرقية على الطراز العربي الإسلامي داخل الحديقة لتجسيد وإبراز واقع التعايش الإنساني بين الحضارات المختلفة.
وتعد الحديقة الشرقية ثاني حديقة تقام في ألمانيا على الطراز الأندلسي بعد حديقة شتوتغارت التي أنشأت في عام 1850 على غرار حدائق قصر الحمراء في مدينة غرناطة الأندلسية.
وقد جاء تصميم الحديقة الشرقية (جنان الأنهار الأربعة أو الجنان الإسلامية) مستلهماً من الحدائق السماوية (الجنة) التي ورد ذكرها في القرآن الكريم وأنها أعدت للمتقين، وتضم أنهاراً أربعة من ماء ولبن وخمر وعسل. وقد جاء في سورة محمد في القرآن الكريم (آية: 15) “مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ … .”
وصمم الحديقة كمال الوافي على الطراز الأندلسي على مساحةٍ تقدر بـ بأكثر من 6 آلاف م2 (14% من المساحة الكلية لحدائق العالم)، وتبلغ أبعاد المسطحات الخضراء والمائية (أو ما يوصف بالرياض) 63 × 36 مترًا ، وتشكل أكثر من ثلث الحديقة الشرقية.
وقد لعبت خبرة كمال الوافي الواسعة كمصممٍ لمجموعة متنوعة من الحدائق في معرض أكسبو الدولي تصل مساحتها لقرابة مليون متر مربع ، والذي أقيم في هانوفر في ألمانيا في عام 2000، دوراً كبيراً في فوزه بمسابقة عالمية لتصميم الحديقة.
وتسمح الحديقة الشرقية لزائري الحديقة من داخل وخارج ألمانيا، باكتشاف فضاء ثقافي بروح معمارية شرقية يخرج عن ما هو مألوف في وسط اوروبا. وقد مزج الوافي بين أسلوبين معماريين جمعا بين روح التصميم المعماري للحدائق الأندلسية الشهيرة في غرناطة وإشبيلية وقرطبة ومبادئ تخطيط وتصميم الحدائق المعاصرة. مزج بين النواحي الجمالية والثقافة والتاريخ.
ويتضمن التصميم الاندلسي للحدائق فناء داخلي لبناء أو قصر يمكن الدخول اليه عن طريق باب رئيسي. ويشكل الماء عنصراً اساسياً في تنسيق الحدائق، حيث يكثر استخدام مساقط وأحواض المياه التي تتخلها النوافير والفساقي والمياه المتحركة والمتدفقة بين تماثيل منحوته. وتستخدم الاعمدة الرخامية والاقواس المتقابلة بين الاعمدة في محيط الحديقة لإحداث الربط الذهني بين الصوت والحركة وجمال المنظر.
وتجمع ثقافة الحدائق الشرقية والإسلامية بشكل تقليدي بين الحدائق المزخرفة والمفيدة. وجاء في سورة المرسلات: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) ﴾. ولذلك تجري زراعة أشجار الفاكهة إضافة للشجيرات والأعشاب المعمرة والنباتات العطرية والورود ونباتات مزهرة كما في الجنة. وتكمل النباتات في الأصص الأحواض النباتية في المواسم الدافئة، ويضم بعضها أشجار مثمرة .
وتضم الحديقة الشرقية في برلين أربعة مداخل مزينة بالزهور. وتتكون ساحة الرياض في الحديقة، من أربعة حقول نباتية مستطيلة متساوية (شكل 4) يتوسطها حوض نافورة داخل مقصورة مزخرفة في سقفها وبلاطها. وتشكل نافورة المقصورة مصدر المياه لأحواض المياه الأربعة المتصالبة والتي تنبعث منها النوافير. ويلعب الماء المنبعث من النوافير دوراً كبيراً في علاقته بالضوء، حيث يقدم انعكاساً ضوئياً لافتاً. وتضم الأحواض النباتية نباتات متعددة الأنواع، تضم الأشجار والنخيل ونباتات مزهرة من تلك التي تتحمل الطقس البارد في برلين . وهناك أصص في محيط الأحواض النباتية لنباتات خضراء واخرى مزهرة أو مثمرة .
استوحى كمال الوافي فكرة الحديقة من فكرة الواحة، حيث لا تستطيع أن ترى شيئاً وانت خارج المكان، ولكنك تنبهر حين تصبح في داخله وترى ما فيه. ولذلك جاء تصميم الحديقة الشرقية ضمن مساحة محاطة بسور (وفق التصميم الأندلسي)، ومقسمة في الداخل إلى أربعة أقسام من خلال أربعة مسطحات مياه متحركة (التي توصف بالأنهار الأربعة).
وتضم المربعات النباتية نباتات وأزهار وأشجار من الدول العربية والإسلامية المختلفة.، وهناك أصص مزروعة بنباتات مزهرة وأشجار مثمرة (شكل 4) في باحات صالة الإستقبال المطلة على الحديقة.
وجاءت المسطحات المائية ونافورة مياه في المقصورة الخشبية في وسط الحديقة (شكل 4) التي تزود المسطحات بالمياه وتخللها للمربعات النباتية، تأكيداً على رمزية الماء في الحضارة والعمارة الإسلامية.
وضع كمال الوافي تصميم الحديقة في عام 2002، وزار المغرب وتونس ومصر وتعاون مع متخصص من المغرب في علم التاريخ، واستعان بشركة مغربية متخصصة في تنفيذ المشاريع الثقافية وبعمّالٍ مغاربة لأعمال النقش والتبليط ووأعمال الجبص والزخارف ثلاثية الأبعاد والأرابيسك متعددة الأضلاع والمعروفة باسم زليج وزار المغرب مراراً.
تمت أعمال البناء والزراعة والرصف، وتركيب تقنيات المياه، من خلال شركات ألمانية متخصصة راعت في استخدام مواد بناء من المغرب (السراميك وحجارة الأعمدة المنحوته) تم فحصها للتأكد من قدرتها على تحمل الطقس البرد في برلين.
وهذا ما دعا مختصين في فن العمارة لاعتبار الحديقة الشرفية (جنان الأنهار الأربعة) تراثاً شرقياً ثميناً في برلين التي أصبح لها هذا الامتياز بهذا المعلم الثقافي.
تضم الحديقة الشرقية قاعة استقبال واسعة، حتى أنه يمكن استئجارها لمناسبات الزفاف وأغراض أخرى. وتحتوي الحديقة على قبة زجاجية مركزية تسمح بتخلل الضوء. ويستطيع الزائر مشاهدة زخارفها الإسلامية عند الدخول للمبنى للوصول إلى الحديقة عبر فناء حديقة محاط بجدار بارتفاع أربعة أمتار. وقد قام الحرفيون المغاربة بتزيين كامل الجدران والأروقة المسقوفة بالبلاط الخزفي الفسيفسائي المزخرف (المسمى زليج) والخط العربي لأشعار أبو تمام وأحمد شوقي والمنحوتات الخشبية والحجر الرملي والأشكال الجصية وبلاط الأرضيات. وتمثل العديد من أشكال الزينة المستخدمة في العمارة الإسلامية أجزاء من النباتات، مثل الزهور والأوراق.
المصادر