مؤشر التنمية البشرية 2022 : مقاربة أكثر شمولية لمفهوم التنمية
رغم تحقيق معظم دول العالم انجازات اقتصادية كبيرة على مدى العقود الماضية، غير أن النمو الاقتصادي جاء ناقصاً في معظم الدول، وظل الإنسان على هامش التنمية، ولم تبلغ منافع التنمية فئات المجتمعات المختلفة. ولم يوجه النمو الإقتصادي لتعزيز التنمية البشرية التي تمثل الهدف الحقيقي المركزي في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية.
وقد شكلت تقارير التنمية البشرية السنوية للأمم المتحدة أحد أهم مؤشرات التنمية العالمية والذي بدأ استخدامه في عام 1990. واكتسبت هذه التقارير أهمية متزايدة في ضوء الإدراك المتزايد بأن المؤشرات النقدية، مثل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، لا تشكل مقاربات كافية كمؤشرات للتنمية.
وقد جاء تقرير التنمية البشرية الأول في عام 1990 Human Development Index (HDI)، بناء على جهود رائدة لمقارنة التنمية بين البلدان من قبل الاقتصادي الباكستاني محبوب الحق ، بهدف أن يوفر مقياساً ومعيارا أكثر شمولية لمتابعة التغيرات في مستويات التنمية عبر الزمن في الأبعاد الأساسية للتنمية البشرية عبر الدول، التي تتصل بالجوانب الإنسانية للمواطنين (الصحة والتعليم والدخل) وفرصهم وخياراتهم، وليس مجرد قيم رقمية حول الأداء الاقتصادي.
ويشكل مؤشر التنمية البشرية مقياسا أساسياً للتنمية البشرية، وهو عبارة عن متوسط غير مرجح بسيط لمؤشرات طول العمر وعدد سنوات التعليم ومتوسط الدخل الفردي، ويلقى قبولاً واسعاً كمؤشر للتنمية.
وكان مؤشر التنمية البشرية (HDI) منذ إطلاقه في عام 1990، علامة فارقة في توسيع نطاق الإهتمام بجهود التنمية والدفع في اتجاه اتخاذ الإجراءات وتبني السياسات اللازمة لتحقيقها، و ناجحًا بشكل كبير في تغيير طريقة تفكير الناس في العالم في عملية التطوير، رغم معاناته من عيوب كثيرة، و هناك محاولات متواصلة لتحسين منهجية قياس المؤشر.
مقالات ذات صلة
مؤشر التنمية البشرية 2021 : الدول الأعلى أداء عالمياً وعربياً
تقرير التنمية البشرية 2020 | التنمية البشرية العربية في ميزان العالمية
مؤشر التنمية البشرية | جوهر التنمية المستدامة … العالم العربي في ميزان العالمية لعام ٢٠١٩
مؤشر التنمية البشرية 2022: تجديد مفهوم التعاون في عالم شديد الإستقطاب
صدر تقرير التنمية البشرية (HDR) 2023/ 2024 ؛ كسر الجمود: تجديد مفهوم التعاون في عالم مستقطب Breaking the gridlock: Reimagining cooperation in a polarized world والذي يتضمن مؤشر التنمية البشرية 2022 (HDI 2022) .
وقد حققت الدول المتقدمة مستويات قياسية من التنمية البشرية في عام 2023 بعد انخفاضات حادة خلال عامي 2020 و2021، غير أن أكثر من نصف أفقر بلدان العالم لا يزالوا عند أدنى من مستوى التقدم الذي كانوا عليه قبل الأزمة. ولا يعيق التقدم المتفاوت في مجال التنمية وفشل العمل الجماعي في مكافحة الفقر وعدم المساواة و غياب العمل في مجالات الحد من تغير المناخ والتعاون في التحول الرقمي، التنمية البشرية فحسب، وإنما في تفاقم الفجوة بين المجتمعات، وتعزيز الاستقطاب السياسي على نطاق عالمي، وزيادة تآكل الثقة في الناس والمؤسسات في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي يستدعي معالجة عاجلة من خلال العمل الجماعي، وفقا لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
ويعود التقدم المتفاوت في مجال التنمية بين الدول الغنية والفقيرة عالمياً إلى التركيز الاقتصادي الحاد، إذ يتركز ما يقرب من 40 في المائة من التجارة العالمية في السلع في ثلاثة بلدان أو أقل. وتجاوزت القيمة السوقية لأكبر ثلاث شركات تقنية في العالم في عام 2021، الناتج المحلي الإجمالي لأكثر من 90 بالمائة من البلدان في ذلك العام.
وتتواصل الحروب في العالم حيث يستمر عدوان إسرائيل على غزة للشهر السادس حتى الآن، في حين يتواصل غزو روسيا لأوكرانيا للعام الثالث والتي تركزت على تدمير البنية التحتية الاجتماعية والمادية اوكرانيا، وتدميراً شاملاً في غزة. وقد انعكست هذه الحروب على حركة التجارة العالمية في البحرين الأسود و الأحمر وسلاسل التوريد، وفي ارتفاع في أسعار النفط والمواد الغذائية في جميع أنحاء العالم. وتتسبب هذه الحروب العدوانية في معاناة بشرية هائلة لسكان غزة واوكرانيا ، وارتفاع كبير تكاليف المعيشة في أنحاء العالم، بينما تشتد مخاطر الكوارث المناخية والبيئية على العالم.
مؤشر التنمية البشرية 2022 : منهجية قياس المؤشر
تبنى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 1990 مقياسا سنوياً للتنمية البشرية (HDI) Human Development Index يعكس مستوى التنمية ونوعية الحياة لدى شعوب العالم. وشمل التقرير الأول 66 دولة. وصدر التقرير الأخير للتنمية البشرية في 13 مارس آذار 2024 ليشمل عامي 2023 2024، ويتضمن مؤشر التنمية البشرية 2022، ويضم 193 دولة.
ويتم توفير البيانات المستخدمة في قياس مؤشر التنمية البشرية Human Development Index (HDI) ومؤشرات التنمية البشرية الأخرى باستخدام بيانات عالمية وإقليمية ووطنية حول الأبعاد الرئيسية للتنمية البشرية من هيئات دولية. وهذه البيانات قابلة للمقارنة عالميًا، وترتبط بأهداف التنمية المستدامة.
ويُستخدم مؤشر التنمية البشرية (HDI) على نطاق واسع كمؤشر للتنمية، ويقوم على فكرة أن التنمية البشرية تعني أن يتمتع الناس بحياة طويلة وصحية، وأن يتمتعوا بالمعرفة، وأن يتمتعوا بمستوى معيشي لائق.
ويقيس مؤشر التنمية البشرية لمختلف دول العالم من خلال ثلاثة أبعاد وأربعة مؤشرات (كما يبين شكل 1) كما هو موضح تفصيلا في الدليل الفني لمؤشرات التنمية البشرية:
- حياة مديدة وصحية؛ ويقاس بمتوسط العمر المتوقع عند الولادة ، والذي يحقق هدف التنمية المستدامة الثالث. ويتم تحويل القيم الى قيم معيارية بحيث يساوي هذا المكون 0 عندما يكون متوسط العمر المتوقع 20 سنة، ويساوي 1 عندما يكون متوسط العمر المتوقع 85 سنة.
- التعليم أو المعرفة والذي يحقق مكونات من هدف التنمية المستدامة الرابع، ويقاس يمؤشرين وهما:
– مؤشر عدد سنوات الدراسة التي يمكن أن يتوقعها الطفل في سن الالتحاق بالمدرسة، لكل بلد والذي حده الاقصى وفق المنهجية 18 سنة ويعادل الحصول على الماجستير وهو يحقق هدف التنمية 4.3 SDG ،
– مؤشر متوسط عدد سنوات الدراسة للسكان البالغين الذين تبلغ أعمارهم 25 عامًا فأكثر والذي حده الاقصى وفق المنهجية 15 سنة) ، وهو يحقق هدف التنمية المستدامة الرابع 4.4 SDG ،
ويتم تحويل قيم كل منهما إلى قيم معيارية بحيث يكون متوسط عدد سنوات الدراسة المتوقع للأطفال 18 سنة، وعدد سنوات الدراسة للسكان البالغين 15 سنة يساوي 1، ويتم حساب المتوسط البسيط لكليهما.
مستوى معيشة مادي لائق ويقاس بمعدل الدخل الفردي الوطني وفق القوة الشرائية، والذي يحقق هدف التنمية المستدامة الثامن 8.5.
وتعرف القوة الشرائية المتساوية بأنها تمثل عدد وحدات العملة المطلوبة لشراء كميات من السلع (بضائع وخدمات) تعادل ما يمكن شراؤه بوحدة واحدة من العملة المرجعية (دولار). وهذا يعني عدد وحدات العملة من بلد معين التي لها نفس القوة الشرائية لوحدة واحدة من عملة بلد آخر. ويتم تحويل قيم مستوى المعيشة إلى قيم معيارية بحيث يساوي 1 عندما يكون نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي 75000 دولار ويساوي 0 عندما يكون نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي 100 دولار.
ويتم حساب القيمة الكلية لمؤشر التنمية البشرية لكل دولة كمتوسط هندسي للمكونات الثلاثة عن طريق أخذ الجذر التكعيبي لحاصل ضرب القيم المعيارية للمكونات. وتستخدم المؤشرات كمقياس للتنمية البشرية في كل دولة وفي تصنيف الدول إلى مجموعات حسب تطورها.
ويعتبر مستوى التنمية البشرية عالياً جداً إذا تجاوزت قيمة المؤشر 0.8، وعالياً اذا تراوحت قيمة المؤشر بين 0.7 و 0.799، ومتوسطا إذا تراوحت القيمة بين 0.550 و 0.699 ومتدنياً اذا كانت قيمة التنمية البشرية أقل من 0.550 .
مؤشر التنمية البشرية 2022: الدول العشرة الأعلى عالمياُ
احتلت سويسرا والنرويج وايسلندا وهونج كونج و الدنمارك المراكز الخمسة الأولى في مؤشر التنمية البشرية 2022 وفق تقرير التنمية البشرية 23\2024 بدرجات تراوحت بين 0.962 و 0.948 كما يبين جدول 1. وكانت درجات بقية الدول متقاربة جداً، بحيث كانت درجة الدولة العاشرة 0.941.
حافظت الدول العشرة الأولى على تصدرها لمؤشر التنمية البشرية 2022، مقارنة مع تقرير عام 2020، ولكن مع تغير في الترتيب. وتقدمت الدنمارك والمانيا (5 مراكز).
و مقارنة مع مؤشر التنمية البشرية 2021، تقدمت سنغافورة ثلاثة مركز وانتقلت إلى قائمة أفضل عشرة دول في العالم، وتقدمت السويد مركزين وايرلندا مركزا واحدا، وتراجعت استراليا (5 مراكز) الى المركز العاشر مشاركة مع هولندا، وحافظت بقية الدول على مراكزها.
ويُظهر الجدول 1 تطور مؤشر التنمية البشرية للدول العشرة الأعلى على سلم المؤشر في العالم خلال الفترة 1990- 2022 . وكانت إيرلندا وهونج كونج وسنغافورة والدنمارك الأكثر تقدماً على مؤشر التنمية البشرية، إذ ارتفع المؤشر بين 15 و 19 نقطة (تقريبياً) خلال الفترة 1990 و 2022 .
وقد احتلت بلجيكا وفنلندا وليختنشتاين والمملكة المتحدة المراكز 12 – 15، بينما احتلت كندا المركز 18 وكوريا المركز 19 ولوكسومبورغ والولايات المتحدة في المركز 20 . و احتلت اليابان وفرنسا المركزين 24 و 26 وإيطاليا المركز 30. وبالمقارنة مع مؤشر عام 2020، جاءت تركيا في المركز 45 (متقدمة 13 مركزا) ، وروسيا في المرتبة 56 (متراجعة 7 نقاط) وإيران في المركز 78 (متراجعة 13 نقطة).
وسادت دول من قارة إفريقيا فئة الدول المتدنية في التنمية البشرية (المراكز 161-193) باستثناء باكستان وافغانستان واليمن (في أسيا)، وشملت دول عربية أفريقية وهي موريتانيا والسودان وجيبوتي والصومال إضافة لليمن. وتراوحت درجات هذه الدول بين 0.548 لتيجيريا في المرتبة 161 و 0.380 للصومال في المرتبة الاخيرة 193. وجاء في المراكز العشرة الأخيرة في مؤشر التنمية البشرية سيراليون وبوركينا فاسو واليمن وبورندي وتشاد ومالي والنيجر وجمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان والصومال. وقد شهدت بوركينا فاسو ومالي والنيجر انقلابات عسكرية في السنوات الأخيرة.
وهناك اختلافات واسعة بين الدول في اعلى سلم مؤشر التنمية البشرية 2022 (مكونات المؤشر في جدول 1 في التقرير)، وتلك التي تقع في ادنى السلم. وبينما بلغ متوسط العمر المتوقع في الدول العشرة الأولى قرابة 82.5-84.3 عاماً، فإن متوسط العمر المتوقع في الدول العشرة الأخيرة جاء أقل من 58 عاماً، وبذلك من المحتمل، في المتوسط، أن يموت الأفراد من الدول ذات الأداء المتدني قبل أكثر من 25 عامًا.
وبينما يبلغ متوسط عدد سنوات الدراسة في الدول العشرة الأولى قرابة 13 عاماً، فإن متوسط عدد سنوات الدراسة في الدول العشرة الأخيرة أقل من 3 سنوات. وبينما يبلغ متوسط الدخل الفردي في الدول العشرة الأولى أكثر من 71 ألف دولار، فإن متوسط الدخل الفردي في الدول العشرة الأخيرة اقل من 1500 دولاراً .
مؤشر التنمية البشرية 2022: ترتيب الدول العربية عربياً وعالمياً
يُظهر الجدول 2 تطور مؤشر التنمية البشرية إبتداء من عام 1990 للدول العربية، باستثناء الصومال، التي تتوفر حولها بيانات لعامي 2017 وعام 2022. وكان متوسط قيمة المؤشر العربي 0.693 لعام 2022 (0.708 بدون الصومال) مقابل قيمة 0.708 لعام 2021، و0.703 في عام 2020، وهو ما يوازي المركز 123 عالمياً (114 بدون الصومال) مقابل 110 لعام 2021 و 114 لمؤشر عام 2020، وهو أقل من متوسط المؤشر العالمي (0.739).
احتلت جميع دول مجلس التعاون الخليجي المراكز الأولى الستة بين الدول العربية لمؤشر عام 2022، وتراوحت مراكزها عالمياً بين 17 و 59 (مقابل 26 – 54 لمؤشر عام 2021). وتراوح مؤشر التنمية البشرية بين 0.937 إلى 0.819، بمتوسط 0.874. وهذا المتوسط، كما جميع دول المجلس، يضعها من بين الدول المصنفة في فئة التنمية البشرية العالية جداً (أكبر من 0.80).
وجاءت ليبيا والجزائر والأردن وتونس ومصر ولبنان وفلسطين في المراكز 92 – 111 عالميا (7-13 عربياً) بين الدول المصنفة في فئة التنمية البشرية العالية (بين 0.70 و 0.799).
وجاءت المغرب والعراق وجزر القُمُر وسوريا وموريتانيا في المراكز 120 – 164 عالميا (14-18 عربياً) في فئة التنمية البشرية المتوسطة (بين 0.55 و 0.69) . وجاءت السودان وجيبوتي واليمن والصومال في فئة التنمية المتدنية (أقل من 0.55).
وكان أكبر تقدم في الترتيب العالمي في مؤشر التنمية البشرية 2022 مقارنة مع مؤشر عام 2021 في ليبيا (12 مركزاً) ويليها الإمارات (9 مراكز) وجز القُمر( 4 مراكز) والأردن والمغرب ( 3 مراكز). بينما تقدمت قطر والسودان مركزين، وتقدمت الكويت مركزا واحداً.
وكان أكبر تراجع في الترتيب العالمي في مؤشر التنمية البشرية 2022 مقارنة مع مؤشر عام 2021 في مصر ( 8 مراكز) والعراق وسوريا ( 7 مراكز) وموريتانيا ( 6 مراكز) والسعودية وسلطنة عمان ودولة فلسطين (5 مراكز) وتونس ( 4 مراكز)، واليمن ( 3 مراكز)، وتراجعت الجزائر مركزين والبحرين مركزا واحداً.
وقد تراجعت قيمة مؤشر التنمية البشرية 2022 مقارنة مع مؤشر عام 2021 في مصر والعراق وسوريا وموريتانيا واليمن، وحافظت السعودية والجزائر على قيمة المؤشر، بينما ارتفعت قيمة المؤشر في بقية الدول العربية كما يوضح جدول 2.
وتتفوق دولة الإمارات على دول متقدمة مثل اليابان والولايات المتحدة وكوريا وكندا وفرنسا وإيطاليا. وتتفوق البحرين وقطر والسعودية على تركيا (45)، وروسيا (56) وإيران (78). وتتفوق الكويت (49) وعُمان (59) على ماليزيا (63).
وجاءت دول مجلس التعاون، الأعلى بين الدول العربية في مؤشر توقع الحياة، باستثناء عُمان، بالإضافة لمصر والعراق وفلسطين والأردن، والأعلى في مؤشر متوسط سنوات الدراسة ، باستثناء الكويت، أضافة لتونس ولبنان وليبيا. كما أن دول مجلس التعاون الخليجي الأعلى بين الدول العربية في مؤشر متوسط الدخل الفردي، وبمسافة كبيرة عن بقية الدول، وكانت الدول الأقل دخلاً هي الدول العربي في أدنى سلم مؤشر التنمية البشرية 2022.
جاءت قيمة المؤشر في دول مجلس التعاون وليبيا الجزائر، أعلى من المتوسط العالمي لمؤشر التنمية البشرية 2022 (0.739)، بينما كانت قيمة المؤشر أدنى من المنوسط العالمي في بقية الدول.
مؤشر التنمية البشرية 2022: مؤشرات مكملة لمؤشر التنمية البشرية
تكتسب قيم مؤشر التنمية البشرية (HDI) اهمية مع الناتج المحلي الإجمالي (GDP) في تصنيف مستويات التنمية في الدول. وتتميز الدول التي حصلت على درجات أعلى في المؤشر بأنها أكثر تطوراً من تلك التي حصلت على درجات متدنية.
وشكل استخدام المؤشر حافزاً للبحث في أولويات السياسات الوطنية في الدول، للتغلب على العوامل التي تقف وراء تقدم دول دون أخرى في مؤشر التنمية البشرية، رغم أن لهما نفس المستوى من نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي.
ويؤثر أداء الدول في مؤشر التنمية البشرية على السياسة المالية والعامة للدولة، ويسهم في تحديد استراتيجيات تحسين مستويات المعيشية للمواطنين في جميع دول العالم باعتبار أن تحسين حياة الناس هو الهدف الحقيقي والنهائي والأسمى للتنمية.
غير أن نقاداً كثيرين يرون أن هذه المقاييس معيبة ولا تعطي صورة دقيقة عن مدى التقدم الإقتصادي والإجتماعي. ويقوم حساب مؤشر التنمية البشرية على ثلاثة عوامل، لا تأخذ في الاعتبار عوامل هامة مثل الاستدامة والبصمة الكربونية والتطور التكنولوجي أو المساهمات في الحضارة الإنسانية وعدم المساواة الاجتماعية. ولا يراعي المؤشر الفقر والعدالة في توزيع الدخل. وقد تحصل دولة على درجة عالية في مؤشر التنمية البشرية لأنها تتمتع بارتفاع نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي بسبب وجود نسبة صغيرة من السكان الأثرياء للغاية، بينما يسود الفقر بين غالبية السكان. وبالمثل، لا يعكس متوسط عدد سنوات الدراسة جودة التعليم بين الدول.
ويجادل أخرين، بأن مؤشر التنمية البشرية يعطي أوزانًا متساوية لعوامل ليست على نفس المستوى من الأهمية، وبأن هناك ارتباط شائع بين المستوى العالي من التعليم وزيادة نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، ويشككون بالتالي، بجدوى شمول المؤشر على قيمتين مترابطتين للغاية.
وتأخذ العوامل التي تشكل مؤشر التنمية البشرية قيماً محددة وفق المنهجية. وهناك دول (مثل قطر) لديها بالفعل ناتج محلي إجمالي مرتفع (وهو 93521 دولار لعام 2022) ، وهو يتجاوز متوسط الدخل الذي يحصل على قيمة كاملة (1) وفق المنهجية (وهو 75 ألف دولار) ، وبذلك لا يعود لديها مجال لتحسين قيمة المؤشر بناء على ارتفاع عامل الدخل.
ولذلك، يوفر مؤشر التنمية البشرية ملخصاً مفيداً لإنجازات أي بلد في مجال التنمية البشرية، لكنه ليس مقياساً شاملاً. وقد أسهمت الانتقادات الواسعة في حث القائمين على اعداد مؤشر التنمية البشرية في برنامج الأمم المتحدة للتنمية على إدخال تعديلات وتحسينات على المؤشر على امتداد العقود الثلاثة الماضية وتطوير مجموعات من المؤشرات المكملة. وقد استهدفت هذه الجهود المساعدة على رسم صورة أكثر شمولية للتنمية البشرية العالمية تأخذ في الاعتبار مجموعة متنوعة من العوامل الأخرى، بما في ذلك تلك الخاصة بكل منطقة.
وشملت المؤشرات المكملة لمؤشر التنمية البشرية (HDI)، والتي تُنشر في تقارير التنمية البشرية، إلى جانب مؤشر التنمية البشرية المعدل:
– مؤشر التنمية بين الجنسين (GDI) Gender Development Index
يضم المؤشر المقاييس الثلاثة الواردة في مؤشر التنمية البشرية، لكنه يأخذ في الحسبان الفوارق بين الرجال والنساء، فمتوسط العمر المتوقع، ومتوسط فرص الحصول على التعليم، والدخل يختلف بين الرجال والنساء.
– مؤشر عدم المساواة بين الجنسين (GII) Gender Inequality Index
يراعي المؤشر عوامل عدم المساوة مثل نسبة وفيات الأمهات ومعدلات مواليد المراهقات، ونسبة المقاعد البرلمانية التي تشغلها الإناث ونسبة التعليم و مشاركة الإناث والذكور في القوى العاملة بعمر 15 سنة فما فوق.
– مؤشر الفقر متعدد الأبعاد (MPI)Multidimensional Poverty Index: developing countries
يقيس المؤشر مدى معاناة سكان الدول من عوامل متعددة متداخلة للفقر في مجالات الصحة والتعليم ومستوى المعيشة، ونسبة الأشخاص الذين يعيشون في فقر، ومتوسط عدد حالات الحرمان، التي يعاني منها الأفراد الفقراء في وقت واحد.
– مؤشر التنمية البشرية المعدل حسب عدم المساواة (IDHI) Inequality-adjusted Human Development Index
يأخذ المؤشر في الاعتبار عدم المساواة كبعد رابع ، إلى جانب الأبعاد الثلاثة المستخدمة في مؤشر التنمية البشرية. ويشير المؤشر إلى الخسارة في مؤشر التنمية البشرية بسبب عدم المساواة، وكلما زادت درجة عدم المساواة، انخفض المؤشر المعدل مقارنة مع مؤشر التنمية البشرية.
– الضغوط الكوكبية – مؤشر التنمية البشرية المعدل Planetary Pressures–Adjusted Human Development Index (PHDI)
يقيس هذا المؤشر مستوى التنمية البشرية عند أخذ الضغوط الكوكبية في الاعتبار. و هو مؤشر تجريبي يخفض مؤشر التنمية البشرية (HDI) حسب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للشخص الواحد (على أساس الإنتاج) والبصمة المادية Material footprint للفرد لمراعاة الضغط البشري المفرط على الكوكب.
المصادر
https://hdr.undp.org/system/files/documents/global-report-document/hdr2023-24reporten.pdf
https://hdr.undp.org/system/files/documents/global-report-document/hdr2023-24overviewar.pdf
https://hdr.undp.org/sites/default/files/2021-22_HDR/hdr2021-22_technical_notes.pdf
https://www.investopedia.com/ask/answers/042815/are-there-critics-human-development-index-hdi.asp
https://hdr.undp.org/system/files/documents/global-report-document/hdr2021-22overviewenglishpdf.pdf
https://hdr.undp.org/content/human-development-report-2020
https://hdr.undp.org/system/files/documents//hdr2000enpdf.pdf
https://hdr.undp.org/system/files/documents//hdr1990encompletenostatspdf.pdf