سميح دروزة.. مؤسس الحكمه للأدوية
أسس الصيدلي سميح دروزة شركة الحكمه للأدوية Hikma Pharmaceuticals في الأردن في عام 1978، وتحولت إلى شركة مساهمة عامة متعددة الجنسيات ومقرها الرئيسي في لندن في عام 2005. والحكمة للأدوية هي أكبر شركة أدوية في الشرق الأوسط، يزيد عدد العاملين فيها عن 7 آلاف، وبلغت إيراداتها 1936 مليون دولار في عام 2017.
موضوعات ذات صلة
صناعة عربية رائدة| شركة الحكمة للأدوية نقلت الدواء العربي للعالمية
كمال الوافي| مصمم الحدائق اللامع في برلين…مهندس عربي من الجزائر
جهاد مصطفى| منقذ السيقان في أميركا… طبيب عربي من لبنان
الطبيب العربي أسامة إبراهيم من مصر … الوحيد الذي يمارس مهنة الطب في اليابان
زها حديد| سيدة العمارة في العالم من العراق
كريم جعفر من المغرب| سفير الثقافة العربية في فرنسا
إقبال الأسعد | أصغر طبيبة في العالم من فلسطين
نشأة سميح دروزة
ولد سميح دروزة في نابلس في عام 1930، وعاش طفولته الأولى فيها في فترة انتشرت فيها الاضرابات في المنطقة مما انعكس على وضع عائلته التي انقسمت ما بين نابلس ويافا، حتى أنه كان ييبع عيدان التفاح المغموس بالسكر والحمص في عمر السادسة لمساعدة أسرته.
كان والدي سميح يقيمون في يافا التي درس فيها الابتدائية فيما بعد. وفي سن الثالثة عشرة، حصل على منحة دراسية من الكلية العربية في القدس، وهي مدرسة مرموقة بأساتذة متميزين ومؤهلين من جامعات كبيرة، وخرجت الكلية نخبة متميزة من الفلسطينيين قبل النكبة، ومنهم سميح دروزه.
فقد والده طالب دروزه أملاكه في نكبة فلسطين في عام 1948، وهاجر إلى عمان. (فيديو كرم) وقد ساعدت علاقات الوالد السابقة مع البنوك في تمكينه من الشروع في التجارة في عمان، وأنشأ محلاً تجارياً “الشركة التجارية الفلسطينية” في سوق السكر في مركز عمان التجاري، ولا يزال قائماً.
الدراسة في الجامعة الأميركية في بيروت
كان سميح دروزة أحد سبعة إخوة، ولم يكن متفوقاً في مدرسته، لكنه كان يتفوق في الرياضيات والفيزياء. وقد ذهب إلى بيروت في العام 1949 ليلتحق بالجامعة الأميركية لدراسة الكيمياء.
التقى سميح دروزة في الجامعة الأميركية نقولا زيادة المعلم السابق في الكلية العربية في القدس، المولود في دمشق لأبوين فلسطينيين، وأستاذ التاريخ اللبناني في الجامعة الأميركية. كانت نصيحة معلمه نقولا بدراسة مهنة الصيدلة حتى يتوفر له عمل مستقبلاً، فأخذ بنصيحته، رغم أنه سجل فعلاً في تخصص الكيمياء.
تزوج خلال دراسته من زميلته سميرة الفضلي، طالبة العلوم السياسية والتاريخ، وأنجب إبنته مي، وأنهى دراسته في العام 1954.
المسيرة المهنية
عاد سميح إلى عمان، غير أنه لم يتمكن من الحصول على عمل في مستودعات الصيدلة . غير أنه وجد فرصة عمل هو وزوجته في مجال التدريس في جنوب لبنان في بلدة مرجعيون. وعمل في التدريس لمدة عام، لكن تلامذته لا يزالوا يتذكرون تميزه في التعليم.
وجد سميح دروزة عملاً في محال اختصاصه كصيدلي في القطاع الخاص في الكويت خلال الفترة 55-1958. غير أنه عاد إلى عمان، واشترى الصيدلية الوطنية بجانب البنك العربي في مركز المدينة بما ادخره من عمله. أقام عند والده، وظل يسدد ما تبقى من قيمة الصيدلية لعدة سنوات. وقد أنجب سميح خلال الفترة 55-1962 أبناءه سعيد ومازن وهناء.
حصل على منحة فولبرايت الدراسية في عام 1963 لدراسة الماجستير في كلية الصيدلة في جامعة سانت لويس في ولاية ميسوري، وحصل على الماجستير في الصيدلة –الصناعية في عام 1964. وقد أحسن استغلاله لوجوده في الولايات المتحدة في دراسات مسائية لمهارات الأعمال.
عمل عند تخرجه مع شركة الأدوية العالمية الإميركية إيلي ليلي Eli Lilly في مقرها الرئيسي في إنديانابوليس في ولاية انديانا في الولايات المتحدة.
وبعد عدة أشهر، في عام 1964، انتقل إلى بيروت ممثلاً لشركة إيلي ليلي في منطقة الشرق الأوسط، ليبدأ تأسيس أعمال الشركة في دول المنطقة، وأسس لها وكالات في كثير من دول المنطقة. ثم نقل إلى مكتب الشركة الإقليمي بروما في بداية السبعينات واستمر عمله في الشركة في بيروت وروما لمدة اثنتي عشرة سنة حتى عام 1976.
سمح له عمله مع شركة إيلي ليلي بالتنقل بين الولايات المتحدة ولبنان وإيطاليا والمملكة المتحدة وغيرها، وتعلم الكثير من الشركة الأميركية، وخاصة الدقة في العمل والعلاقة الدافئة مع العاملين، وظل ينظر دائما إلى عمله في الشركة باعتزاز. وفي أثناء عمله، زادت مبيعات الشركة من 50 الف دولار في عام 1964إلى أكثر من 15 مليون دولار في عام 1976.
مسيرة الأعمال: تأسيس الحكمة للأدوية
عاد سميح دروزة إلى عمان، بعد أن ظل يراوده حلم تأسيس مصنع للأدوية قادر على إنتاج دواءِ عربي يمكنه التنافس مع الأدوية الغربية، وكان يؤمن أن الكفاءات العربية قادرة على تجسيد الحلم.
بدأ سميح يعمل على دراسة جدوى لمصنع الأدوية، وعلم من دراسة مسحية أن الطبيب والصيدلي في السوق يصف الدواء حين يعرف أن جودة المنتج على قمة اهتمامات الشركة المنتجة وأنها مجهزة ومؤهلة لأعمال البحث والتطوير.
قرر المضي في المشروع بما ادخره من عمله ليحقق الحلم، وكانت حصته من رأس المال 90 ألف دينار. تعاون مع شركاء أردنيين وإيطاليين، وأسس بداية مشروعًا مشتركًا في عمان مع شركة إيطالية كشريك استراتيجي.
لقي سميح دروزة تشجيعاً من وزير الصحة زهير ملحس للمضي في مشروع المصنع الذي يضع جودة الدواء على رأس أولوياته. وتمكن من الحصول على قروض من بنكين محليين، وتم شراء أرض في ضواحي العاصمة لبناء المصنع، وكان نواة لشركة الحكمة الأردنية للأدوية.
الحكمة للأدوية: صار الحلم حقيقة
تم تأسيس شركة الحكمه للأدوية في عام 1978، ويقال أن إسم الشركة كان بداية “لايف فارما”. وعندما رغب سميح دروزه في تسجيل شركته في السعودية، طلبت منه وزارة الصحة السعودية تغيير اسم الشركة إلى اسم عربي، باعتبارها شركة عربية، وهكذا كان وتغير إسمها إلى أدوية الحكمة.
واجهت الحكمه للأدوية تحدي سوق الأردن الصغير، حيث كان تتنافس مع ثلاثة شركات أدوية بالأردن. بدأت الشركة بتصنيع أدوية لا تزال تحتفظ بحق الملكية الفكرية وبموجب ترخيص. وقد تفاوضت شركة الحكمة على ترخيص مشروع مشترك مع شركة أدوية يابانية لتصنيع منتج ياباني في الأردن وتسويقه في الشرق الأوسط.
دفع النجاح المحلي الشركة للتطلع إلى خارج الحدود وتأهيل عاملين أردنيين لتسويق الدواء، ودخلت الشركة أسواق العراق ولبنان في عام 1980، ثم سورية والسعودية.
الحكمه للأدوية : رحلة إلى العالمية
أدى نجاح الحكمه للأدوية في دخول الأسواق العربية إلى التفكير بدخول الأسواق العالمية، الأمر الذي تطلب اعتماداً من جهة عالمية. وسعت الشركة للحصول على إجازة من وكالة الغذاء والدواء الأميركية، واستعانت بالمستشاريين. واحتاجت الحكمه للأدوية لبعض الوقت ولكثير من التحسينات في عملية إنتاج الدواء، حتى تمكنت من الحصول على موافقة الوكالة على عينة من الدواء باعتبارها تلبي مواصفات الوكالة.
غير أن الوكالة الأميركية رأت أن المصنع لا يزال بحاجة لأجهزة إضافية ولتطوير عمليات الإنتاج ومختبرات الرقابة على الجودة لتأهيله لإنتاج دواء عالي الجودة يمكن تسويقه عالمياً.
لجأت الشركة إلى هيئات التمويل في البنك الدولي، التي أرسلت خبراء لدراسة وتقييم أوضاع الشركة. وبعد تحقيق شروط البنك، تمت الموافقة على تمويل الحكمة للأدوية في عام 1989. وبعد عام، تم تأهيل الشركة بحيث أصبحت قادرة على إنتاج الدواء بمواصفات عالمية في عام 1990.
الدخول للأسواق العالمية
تطلب الدخول للأسواق الأميركية، الحصول على موطىء قدم على الأرض الأميركية. وقد تم العثور على شركة متعثرة، West-Ward Pharmaceutical Corp وتم شراؤها، وإعادة تأهيلها حسب الشروط الأميركية، وبدأ الإنتاج والتسويق في الولايات المتحدة.
توالى النجاح وبدأت الحكمة تتمدد، واختارت البرتغال محطة التالية في عام 1994 لتؤسس لأعمالها في أوروبا . وهكذا، تم وضع الدواء الأردني في مصاف الأدوية العالمية في العام 1995.
جرى بعد ذلك التوسع مرة أخرى على في العالم العربي، حيث أقيمت مصانع في مصر والجزائر وتونس والسعودية، إضافة للتوسع في الدول الغربية في البرتغال وإيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة.
نمت شركة الحكمة للإدوية بسرعة، وأصبحت شركة عالمية للأدوية متعددة الجنسيات تمتلك مرافق تصنيع في أكثر من 11 دولة وتسوق إنتاجها في أكثر من 50 دولة حول العالم.
وكان سميح دروزة أول رجل أعمال عربي يفوز بجائزة رواد الاعمال 2007 في الشرق الاوسط و التي أطلقتها إرنست ويونغ للمرة الأولى في الشرق الأوسط بعد سنين طويلة من إطلاقها في أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية.
استراحة المحارب
تقاعد سميح دروزة من شركة الحكمة في عام 2014 بعد أن أصبحت مؤسسة كبيرة وشركة دولية عامة تملك كل إمكانيات النجاح وآليات البقاء والإستمرار. إلا أن سميح دروزة بقي كرئيس فخري للحكمة للأدوية حتى توفي عام 2015.
كان سميح دروزة طول مسيرته المهنية وفي مجال الأعمال إنساناً متواضعاً ودوداً يعامل الناس بالندية والإحترام. كان صاحب رؤيا ورائد أعمال مميز، يهتم بتطوير روح المبادرة والابتكار لكل من حوله برؤية مستقبلية طويلة الأجل، ويؤمن بالعمل على حل المشكلات بشكل خلاق، وبالتفكير الإيجابي وتحويل العقبات إلى فرص. وكان يدرك أهمية التعليم ، والتعلم مدى الحياة ، وتوفير الفرص التعليمية للآخرين ومسؤوليته الإجتماعية في هذا المجال.
عرض سميح تجربته في تأسيس الحكمة للإدوية في كتاب “بناء نجاح عالمي: قصة سميح دروزة و صعود الحكمة”. واعتبرت كلية الأعمال في جامعة هارفرد الأميركية قصة الشركة حالةً دراسيةً في كيفية تحقيق النجاح عبر الرؤية الواضحة والتخطيط السليم والعمل الجاد.
شركة الحكمه للأدوية : المسؤولية الإجتماعية
مدرسة سميح دروزه الاساسية المختلطة / الشوبك
افتتح سميح دروزه في عام 2008 مدرسة متطورة في مدينة الشوبك في الأردن باعتبار التعليم هو ركيزة التنمية. وتعتبر مدرسة سميح دروزه الاساسية المختلطة في الشوبك مدرسة متميزة ونموذجية في منطقة جنوب الأردن.
مركز دروزة لإدارة الابتكار وريادة الأعمال
أُنشىء مركز سميح دروزه لإدارة الابتكار وريادة الأعمال في الجامعة الأمريكية في بيروت في عام 2010 .
وقد جاء إنشاء المركز بهدف التركيز على على رؤيته سميح دروزه لريادة الأعمال وإدارة الابتكار
والذي سعى الراحل طويلاً لإنجازه في الأردن. ويقوم المركز بتدريب الطلاب على التميز في ريادة الأعمال من خلال تحديد وتحليل أحدث الاتجاهات والأبحاث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويستضيف المركز ورش عمل وينظم مسابقات ومحاضرات والعديد من الأنشطة الأخرى التي تركز على مجال ريادة الأعمال.
معهد سميح دروزة للصناعات الدوائية
زار سميح دروزه جامعة بيرزيت في رام الله في فلسطين في عام 2010 . وفي ضوء إيمانه بالتعلم مدى الحياة ، تمت إقامة مصنع للأدوية كامل التجهيز لطلاب الصيدلة في الجامعة، والذي سمي معهد سميح دروزة للصناعات الدوائية. وقد جاءت إقامة المعهد لتمكين الطلاب من البحث والتطوير في مجال علوم الأدوية وللحصول على التدريب العملي.
يهدف المعهد إلى إجراء الأبحاث الصيدلانية عالية الجودة لحل المشاكل التي يواجهها القطاع الانتاجي الصيدلاني وتطوير الصناعة الدوائية في فلسطين. كما هدف لإجراء الأبحاث المتقدمة في مجال الصناعة الدوائية الهادفة، وتدريب طلبة ماجستير تكنولوجيا الصناعات الدوائية، ولاقامة دورات تدريبية وورشات عمل متخصصة في تقنيات الصناعة الدوائية الحديثة والمراقبة وضمان الجودة للعاملين في مجالات الصيدلة وتقديم خدمات إجراء التجارب المخبرية والتحاليل ودراسات الثباتية للأدوية والمستحضرات الصيدلانية.
مؤسسة دروزة
كان سميح يؤمن دائمًا بأن التعليم هو مفتاح التنمية للدول والمجتمعات والأفراد من خلال تحسين نوعية الحياة. وقد تم تاسيس مؤسسة دروزه بهدف الإسهام في تطوير ثقافة ومعايير المجتمع من خلال التعليم وإتاحة الفرص لرواد الأعمال الشباب في عام 2014 .
وتوفر المؤسسة منحة الدراسية كاملة لدراسة الماجستير في إدارة أعمال في معهد INSEAD في فرنسا لطالب من الأردن أو فلسطين .
أسرة سميح دروزة
تزوج الراحل سميح دروزه من السيدة سميرة فضلي زميلته في الجامعة الأميركية في أثناء الدراسة التي كانت تدرس العلوم السياسية والتاريخ. وقد شاركت السيدة الفضلي في إدارة نظام متكامل للنظافة Hygiene System Manager في المصنع للمعدات والمرافق والذي يشكل 10% من التكاليف التشغيلة لمصنع الأدوية .
أنجب سميح دروزة أربعة أبناء وجميعهم يعملون في الحكمة للإدوية؛
الإبنة الكبرى مي وقد ولدت في بيروت في عام 1953 بينما كان والديها طالبان في الجامعة الأميركية (49-1954). وهي تدير دائرة المشتريات ومبيعات الأدوية التي تصرف دون وصفة في شركة الحكمة للأدوية.
الأبن الثاني سعيد وقد ولد في الكويت في عام 1957، وقد درس الهندسة الصناعية في جامعة بوردو الأميركية، وحصل على ماجستير في إدارة أعمال من من معهد INSEAD في فرنسا، ويشغل مهام رئيس مجلس الإدارة للشركة.
الإبن الثالث مازن وقد ولد في عمان في عام 1958، وقد حصل على بكالوريوس إدارة أعمال من الجامعة الأميركية اللبنانية، وتأهيل في برنامج الإدارة المتقدمة من معهد INSEAD في فرنسا ودبلوم تسويق من بوسطن. ويقوم بمهام رئيس مجلس الإدارة في إقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
هناء الإبنة الصغرى وقد ولدت في عمان في بداية الستينات وتقوم بمهام مديرة الإتصالات والعلاقات العامة لشركات الحكمة للإدوية. وقد عمل سميح دروزة على تحقيق توازن بين الأسرة والأعمال، حتى أنه نشر كتاباً يتناول كيفية تحقيق هذا التوازن.
المصادر