ما هي المساكن الحفرية ؟
المساكن الحفرية هي منازل تقام في مناطق يتوفر فيها صخور رسوبية جيرية، من خلال شق حفرٍ عميقة وواسعةٍ في الأرض قد يصل عمقها إلى 15 م. وتشكل الحفرة الكبيرة حوش أو فناء المسكن ، وتأخذ شكل وعاء أو جرن الهاون Grinding bowl لدق وهرس التوابل (المِدقة كما يسميها الشاميون والمصريون أو المهراسة كما يقول التونسيين)، وتسمى بالحوش وتدهن جدران الفناء باللون الأبيض.
موضوعات ثقافية وعامة ذات صلة
ليبيا | مؤشرات التنمية الإجتماعية والإقتصادية (بيانات 2017)
تونس| مؤشرات التنمية الإجتماعية والإقتصادية (بيانات 2017)
ثقافة عربية| الخيول العربية التي راهن عليها العالم دائماً
النباتات العطرية | إنتاج الزيوت العطرية في قلعة مكونة في المغرب وفي تونس
النباتات العطرية | الريادة العالمية في إنتاج زيت الياسمين فى مصر
اللغة العربية في ميزان اللغات العالمية
المغتربون العرب في العالم غير العربي
مدن عالمية | مدن عربية في مصاف المدن العالمية
يجري حفر كهوف في الصخور حول هذه الحفر، في عمق الصخور الرسوبية الجيرية اللينة لتشكل غرفٍ للنوم والمعيشة ومرافق عامة وأماكن لتخزين الحبوب وممرات تربط بين مرافق المنزل وفق ما تسمح به حسب طبيعة الصخور المحيطة التي تسمح بالحفر.
يجري الحفر قي الأماكن والسفوح ذات الصخور الجيرية يدوياً فقط بأدوات بسيطة مثل الشاكوش أو الفأس Axe& Hammer. ولا يتعدى عرض أية غرفة أو ممر أو أية إنشاءات تُحفر في الصخورعن 5 متر وكانت إقامته تستغرق 1.5-2 ساعة.
وتكون الأسقف دائما قوسية حتى تتحمل ضغط ثقل المنطقة السطحية فوق المنزل، ولأنها لا تسمح بتجمع مياه الأمطار التي قد تتخلل السطح في مكان واحد، وتضعف السطح أو تترب للمنزل، ويكون السطح الصخري فوق المسكن ضعف إرتفاع الغرفة على الأقل.
وقد يكون المنزل من طابقين، حيث يستخدم الطابق الأرضي فيه لخزن احتياجات المنزل مثل منتجات الزيتون والحبوب والبقول.
ويمكن الوصول إلى فناء المنزل عن طريق أنفاق، تسمى بالسقيفة، مائلة تنتهي برواق صغير، يسمى بالمدور، عند باب على مدخل الحوش، لانتظار الزائرين حتى يأذن لهم أصحاب المسكن بالدخول إلى الحوش. وكان من الممكن سابقاً إغلاق الممر في السابق عند الشعور بالخطر.
وأصبح من الممكن في العقود الأخيرة الوصول إلى فناء المنزل عن طريق سلالم تفضي إلى الحوش بعد قيام الدولة وغياب الخطر من تعدي جهات خارجة عن القانون.
وقد يكون هناك ممرات تحت الأرض، تسمى خندق أو سقيفة، وتربط بين عدة حفر والتي تشكل عدة منازل.
تسمى هذه المنازل بالحفرية، ولكنها تسمى أيضا منازل كهفية لأنها تشق على شكل كهوف، أو نفقية لأن مرافق السكان هي في الواقع انفاق تخترق المناطق الصخرية الجبلية.
المساكن الحفرية في مطماطة
موقع مطماطة
تقع بلدة مطماطة في ولاية قابس في غرب خليج قابس في الوسط الشرقي لتونس في جبل مطماطة ضمن سلسلة جبال دهار في جنوب تونس، وتبعد عن تونس العاصمة جنوباً قرابة 450 كم وعن خليج قابس غرباً قرابة 40 كم.
يطلق على مدينة مطماطة عدة تسميات فهي مدينة الكهوف، وهي أَثْوَبْ باللغة الأمازيغية، وتعني أرض السعادة والهناء.
ويقال أنّها سميت مدينة مطماطة على اسم قبيلة أمازيغيّة لجأ اهلها إلى هذه المنطقة الجبلية الوعرة لحماية أنفسهم من غزو القبائل، في مكان يتميز بالبرودة والرطوبة صيفاً، وبالدفء شتاءً.
ويطلق على مطماطة إسم هوليود التونسية، حيث اكتسبت شهرة عالمية حين صورت فيها افلام عالمية ومنها أفلام ومنها حرب النجوم الأميركي وظهرت فيه بيوتها على الشاشة كانها من عالم خيالي وفيلم مريم العذراء الإيطالي وفيلم العطش الأسود الفرنسي.
لماذا كانت البيوت حفرية في مطماطة؟
أقيمت البلدة في منطقة مليئة بالحفر التي تنتشر فيها أشجار النخيل وبساتين الزيتون في أرض على قمة الجبل تبدوا كما لو كانت قطعة على سطح القمر. وتقع مساكن مطماطة في هذه الحفر التي تنتشر على سطح جبل مطماطة في وسط تونس الجنوبي. وقد سكن مطماطة الأمازيغ (البربر) الذي اعتادوا في شمال إفريقيا على العيش على رؤوس الجبال.
جاء استخدام هذه الهندسة المعمارية في حفر المنازل تحت الأرض استجابة لطبيعة المنطقة الطبيعية والإجتماعية للتغلب على شدة الحرارة صيفاً وبرودتها شتاء بحيث تسمح هذه البيوت بالمحافظة على درجة حرارة تقارب 20 درجة صيفاً وشتاء وللحماية من الحيوانات المفترسة، ومن غزو القبائل. كما أن قسوة تضاريس المنطقة جعلت من الصعب عليهم بناء منازل على سطحها تحميهم من قسوة الطقس صيفاً وشتاءً، وجاءت عمارة بيوت الحفر حلاً يوفر الحماية والعزل الحراري للمسكن على مدار العام.
الحياة في المساكن الحفرية في مطماطة
يعيش الناس في جميع انحاء العالم على سطح الأرض، خلافاً لمعظم سكان مطماطة الذين يزال الكثيرين منهم يعيشون تحت الأرض. وهناك عدد محدود من المجتمعات في العالم تعيش أو كانت تعيش حتى وقت قريب تحت الأرض في مدينة غريان في ليبيا التي هجرها أهلها فبل ثلاثة عقود وتضرر الكثير منها أو هدم بسب الأمطار وعدم صيانتها، ومدينة الجن الأثرية في تركيا.
كان يسكن مطماطة أكثر من 50 ألف نسمة في خمسينات وستينات القرن الماضي، لكن معظمها اختفت حين هجرها أهلها للسكن في المناطق الحضرية. وقد عرضت السلطات الحكومية بعد استقلال تونس في عام 1956، على سكان الجبال الإنتقال إلى المدن الجديدة الواقعة على هضبة مثل مطماطة الجديدة والزراوة الجديدة وبني عيسى الجديدة في ستينات وسبعينات القرن الماضي. ولكن بعض السكان في حينها فضلوا الاحتفاظ بمنازلهم الباردة صيفاً والدافئة شتاءً بالقرب من بساتين الأشجار العائدة لهم والمحيطة بهم في الجبال.
بدأ كثيرون من فئة الأعمار الشابة مغادرة منازلهم الحفرية منذ ستينيات القرن الماضي وانتقلوا للإقامة في مطماطة الجديدة أو أقاموا منازل على أرض مجاورة. ويعود ذلك لصعوبة صيانة المنازل من الأمطار، وصعوبة توفير التغطية الإلكترونية لخطوط الجوال أو الإنترنت. وأصبح هناك مساكن حفرت داخل الجبل من مساحة على سفحه تشكل فناء المنزل، وأخرى أقيمت على أرض الجبل.
ويقدر أن 100 أسرة أو 500 من السكان لا يزالون يتمسكون بالإقامة فيها، ولا يزال هناك أكثر من 1300 منزل حفري. ويعتمد أهل مطماطة الحاليين، ومعظمهم من كبار السن، على السياحة بشكل رئيسي وعلى الزراعة والعمل الزراعي وغير الزراعي في منطقتهم بشكل ثانوي.
وقد تحول بعض من هذه المنازل الجبلية إلى فنادق أو نُزُلاً صغيرة توفر تجربة فريدة للإقامة في مساكن تحت الأرض. ويسمح بعض السكان للسياح بالتجول في منازلهم لقاء بعض المال.
المساكن الحفرية في غريان في ليبيا
موقع غريان في ليبيا
تقع مدينة غريان في الجبل الغربي في شمال غرب ليبيا، و تبعد عن مدينة طرابلس حوالى 75 كيلو متر. وتسمية المدينة غريان تعود إلى أن الكلمة أمازيغية الأصل وتُنسب إلى قبيلة أمازيغية عاشت في المدينة قديماً، ولا تزال مناطق عدة داخل غريان تُسمى بمسميات أمازيغية. ويقال أيضاً أن أصل تسمية غريان هو غريال، ومعناه أرض الطين في لغة الأمازيغ وحُرِف فيما بعد إلى غريان، والتي تُطلق على الأرض الجبلية الطينية.
البيوت الحفرية في غريان
تضم جبال غريان في الجبل الغربي في ليبيا بيوت حفرية تضم كهوفاً أقامها سكانها الأمازيغ، كما سكان مطماطة، ويسمي الليبيون هذه المساكن بالغزران، ويقال أن تاريخ بعضها يمتد لعدة قرون الى القرن السابع عشر، وربما قبل ذلك بكثير. وجغرافياً، فإن غريان ليست بعيدة جداً عن مطماطة، زهناك تقارب جغرافي بينهما.
أقيمت هذه المساكن في حفر عميقة، كانت تشكل فناء للمنازل. وتم شق كهوف على صورة غرف عديدة لأغراض السكن، وبذلك، فإن جميع الغرف والمرافق تفضي إلى الفناء، وهو حوش المنزل.
يمكن الوصول إلى الفناء عبر أنفاق مائلة في الجبل أو سلالم تنتهي بباب عند مدخل الحوش الذي يفضي إلى جميع غرف المنزل.
تحافظ المنازل تحت الأرضية على درجة حرارة بين 21-23 درجة مئوية طوال العام، وتحمي السكان من حرارة الصيف حين تتعدى الحرارة درجة 45 ْ وبرد الشتاء حين تهبط درجة الحرارة إلى ما دون الصفر.
تستخدم الأتربة المستخرجة من المساكن الحفرية في بناء حاجز أو حزام يسميه الليبيون الكدوة يحيط بالحفرة لاعتراض مجرى المياه وتوجيهها لمسارات بعيدة عن المسكن الحفري لحماية المنازل من لمياه الأمطار. كما يتم حفر حفرة في وسط فناء المسكن لجمع مياه الأمطار تسمى بالحفير.
الحياة في المساكن الحفرية في غريان
كان عدد البيوت الحفرية كبيراً في الماضي، لكن معظمها اختفى حين هجرها أهلها للسكن في المناطق الحضرية في ليبيا في بداية تسعينات القرن الماضي. وقد جرى الإحتفاظ ببعضها لأغراض السياحة الداخلية للتأجير وخاصة في عطل نهاية الأسبوع للتعرف على مساكن الأسلاف وأثاث وأدوات منازلهم وملابسهم التي كانوا يرتدونها.
كما قد تستغل لنشاطات ثقافية. وهناك 30 مسكناً في منطقة بوحمامة في غريان لا تزال صالحة إلى اليوم . ويقال إن هذه البيوت كانت منتشرة بكثرة في الجبل الغربي في نالوت، وفي فزان في جنوب غرب ليبيا حيث كان السكان يقومون منذ قرون بالحفر تحت الأرض لإقامة منازل أو أحواش الحفر.
المصادر