التعليم في بلاد العرب | التعليم النوعي…محطة للعبور إلى المستقبل

التعليم في بلاد العرب : ما هي التنمية

تتصل عملية التنمية بتحسين الظروف المادية للناس من خلال نشر المعرفة والتكنولوجيا.  وتُعرِف الأمم المتحدة التنمية بأنها مفهوم متعدد الأبعاد لتحقيق نوعية حياة أعلى لجميع الناس تتكامل في جوانب التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية وحماية البيئة بما يحقق استدامة التنمية (شكل 1).

شكل 1 : أبعاد التنمية المستدامة

ويركز البنك الدولي على بُعد النمو الاقتصادي، ويرى التنمية بأنها تعني زيادة في القُدرة أو النشاط الاقتصادي بحيث يمكن إنتاج المزيد من السلع المادية ( المنتجات)  وغير المادية (الخدمات).  ويتصل البُعد الاجتماعي بالتطور الفكري والاخلاقي والُبعد المادي بالتقدم التقني. 

التعليم في بلاد العرب : التعليم و عملية الاتصال

تُمثل عملية التعليم في حد ذاتها عملية اتصال،  إذ يجري انتقال المعلومات والمعرفة والقيم في جميع النظم التعليمية من خلال عملية الاتصال الشخصية المباشرة وغير الشخصية (من خلال الشبكة العالمية).

يتكون نموذج الاتصال  (شكل 2) من المرسل والرسالة والوسيط الذي تُنقل عبره الرسالة  إلى المستقبل.  ولا تجري اي عملية  اتصال فعالة في اتجاه واحد ، وإنما هناك تغذية راجعة وعوامل سياقية ، تحدد مدى فعالية ونجاح عملية الاتصال. 

شكل2 : عناصر عملية الاتصال

و المرسل وهو المعلم في عملية الاتصال التعليمية، وتتوقف فعاليته على تأهيله

في مجال الاختصاص،  وقدرته الاتصالية وتأهيله الشخصي والتقني  (التربوي) لإيصال المعلومات.

 ويتمثل المستقبل بالشخص الذي يتلقى الرسالة (المتلقي) وهو الطالب في جميع مستويات التعليم. و يجب أن يكون المستقبل قادرًا على تلقي المعلومات، وقادراً  على فهمها واستيعابها، وهذا يتوقف على أهلية المرسل في صياغة الرسالة بالطريقة المناسبة  (بالرموز المناسبة؛ كلمات أو إشارات..) ووصول المتلقى إلى المستوى التعليمي الذي يؤهله لاستقبالها. 

 وتتمثل الرسالة  بالمحتوى أو المعلومة التي يريد المرسل نقلها إلى المتلقي لتحفيزه على سلوك أو التفكير والنقاش في موضوع معين. وتتوقف جودة الاتصال على مدى ملاءمة الرسالة، وهذا يتصل بِسَوية المادة التعليمية، ومناهج التعليم ومدى اتساقها مع حاجة المجتمع  وسوق العمل لخدمة احتياجات التنمية. 

وتتمثل قناة الاتصال في الوسيلة التي يتم من خلالها إرسال الرسالة، والتي قد تكون أحد اشكال المحاضرات التعليمية أو التطبيقات العملية أو الميدانية أو عبر رسائل النصية في الهواتف المحمولة أو على شبكة المعلومات. وقد تنقل الرسالة من خلال لغة الجسد مثل تعابير الوجه والإيماءات ونبرة الصوت.

 ويتوقف نجاح عملية الاتصال على فعالية وسيلة نقل الرسالة في إيصال المعلومات بوضوح تام، وتوفر التغذية الراجعة الإيجابية أو السلبية من المتلقي، والتي توضح مدى فهمه لمضمون الرسالة وقدرته على التَعَلُم، وتعطي الفرصة للمزيد من التوضيح أو المناقشة.  وتسمح التغذية الراجحة للمرسل بإجراء أي تعديلات ضرورية،  حتى يتم تلقي الرسالة بشكل صحيح.   وهذه يعكس أهمية أن لا تقتصر عملية التعليم على مجرد الإلقاء.

 ولا تجري عملية الاتصال بهذه البساطة أو السلاسة في الحياة الواقعية، فهي تتأثر بسياقات البيئة المادية، مثل ملاءمة مكان الاتصال  ودرجة الحرارة و التشويش، والبيئة الثقافية مثل غياب الانسجام الثقافي بين المرسل والمتلقي، والتي يمكن أن تؤدي إلى تعقيد عملية الاتصال بين المرسل والمستقبل، حيث تؤثر جودة الرسالة والمعتقدات والقيم والاختلافات الشخصية على حماس الشخص أو اهتمامه أو رفضه للمعلومات المتبادلة بين المرسل والمستقبل.  

التعليم في بلاد العرب :  متطلبات التعليم النوعي

هناك عدة عناصر أساسية تميز التعليم النوعي وتشمل:

شكل 3 : تأهيل المعلمين

1. تأهيل المعلمين

يمثل المعلم ركناً أساسياً في نوعية التعليم، و هناك متطلبات للعمل في مجال التدريس في الدول المتقدمة؛ العلمية والتربوية.  وتُظهر الأبحاث أن الطريقة الأكثر فعالية لرفع  سوية العملية التعليمية ، هيي التدريب المستمر للمعلمين الذي لديهم المؤهلات العلمية المناسبة في مجال التخصص وفي الاهلية التدريسية، قبل واثناء الخدمة نظراُ لأن تعليم المعلمين له تأثير كبير على سلوكيات المعلمين ومهاراتهم التدريسية ونتائج الطلاب. وتشمل  شروط مزاولة مهنة التدريس في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية  (والتي تضم 37 من الدول المتقدمة في أوروبا واسيا والأمريكيتين واليابان وكوريا) تأهيل في مجال الاختصاص وفي تقنيات التدريس (المعرفة التربوية)  كما يبين شكل  3، وخبرة مدرسية عملية، ومهارات البحوث التربوية في بعض الدول.  ومن بين الدول العربية التي تتطلب تأهيل علمي في مجال التدريس،  وفي تقنيات التدريس (المعرفة التربوية)  الأردن والإمارات والسعودية وقطر والكويت وسلطنة عمان.

تختلف متطلبات العمل في مجال التدريس في الولايات المتحدة حسب الولاية، ولكن هناك مؤهلات عامة إلزامية لمهنة التدريس تمثل في الحصول على درجة البكالوريوس و شهادة لمزاولة مهنة التدريس لفترة معينة بعد استكمال برنامج تعليم معتمد للمعلمين وتأهيل بتفوق في مجال تركيز المعلم الطموح، فضلاً عن شهادة حسن سلوك من السلطات المدنية.

ويحصل المعلمون في المملكة المتحدة على شهادة تدريس أولية تربوية، إذا توفر لديهم تأهيل بكالوريوس أو أكثر في موضوع الاختصاص، واجتازوا امتحان مزاولة مهنة معلم حكومي.  وهذه الشهادة محددة بفترة معينة في دول مثل الولايات المتحدة واستراليا، وتحتاج إلى تجديد.

و يحصل المعلمون على  شهادة مزاولة التعليم بعد إكمال الدورات الدراسية المطلوبة بنجاح في ولاية معينة  أو شهادة وطنية عامة في الولايات المتحدة.  وهناك دول (في إنجلترا، سنغافورة واليابان وأستراليا  وبعض الولايات الأميركية) تتطلب برامج تدريبية إضافية للمعلمين الجدد ، وهناك تطوير مهني مستمر من خلال وزارات التعليم أو هيئات أخرى.

وتتطلب مهنة التدريس في مدرسة عامة في اليابان الحصول على درجة جامعية معتمدة،  واجتياز برنامج لتعليم المعلمين ثم والحصول على شهادة مزاولة مهنة التعليم لمستوى مدرسي معين (ابتدائي أو ثانوي) ولمواد معينة. ويتعين إمضاء فترة تدريب تحت إشراف مدرس بالمدرسة لعدة أسابيع ، قبل الشروع في التدريس.

ويجب أن تشمل شهادة مزاولة المهنة للمعلمين دراسة فلسفة التربية  حيث هم صانعي المستقبل في المجتمع ويلعبون  دورًا نشطًا في غرس التفكير المستقل وتعزيز التطور الفكري والعقلانية والقيم الإيجابية لدى الطلاب و الهامهم . وسيكونوا المعلم قادرًا على العرض والتحليل من منظور طلابه. 

المحتوى التربوي : المناهج التدريسية

يتعين أن تخدم المناهج والمواد التعليمية في العالم العربي متطلبات التنمية،  والتي تتطلب بناء اقتصاديات قوية منتجة تقوم على استخدام أحدث  التقنيات لياخذ العالم العربي مكانته بين الأمم، ويواجه التحديات الإقليمية الخطيرة التي نحيق بالعالم العربي. وبالتالي، فلا بد من توجيه التعليم لتحقيق هذه الاهداف الحيوية.  وتشجع المناهج الجيدة على التعاون وخلق حوار ناجح بين الإداريين وأولياء الأمور والمعلمين.

وتُجري الدول  الأفضل أداء في نظم التعليم وفي اختبار  PISA ، مراجعة دورية للمناهج كل 5-10 سنوات لمواكبة الاتجاهات العالمية و العالم المتغير وتنمية الشخصية لتعكس احتياجات التعليم وتوفير المهارات التي يجب أن يكون التلاميذ قادرين على القيام بها  والمعرفة اللازمة التي يحتاجونها وفق مراحل التنمية ، وآفاق جديدة للتخصصات الأكاديمية. وينظر المنتدى الاقتصادي العالمي للمناهج الدراسية باعتبارها لاعبًا رئيسيًا في مساعدة المعلمين على مواكبة سرعة الاتجاهات المتغيرة والتكنولوجيا والمهارات التي سيحتاجها التلاميذ في المستقبل، لاكسابهم مجموعة من كفاءات القرن الحادي والعشرين والكفاءات العالمية.

وتستثمر النظم التعليمية المتقدمة في الإنسان ،  وهو القوة الرئيسية التي ترفع مستوى الأداء الاقتصادي لتوفير  مدخلات  العمل المؤهلة والماهرة وفق مراحل التنمية من خلال التعليم والتدريب المهني، وتستعد لتلبية المتطلبات الصناعية المتغيرة وتعزيز الاقتصاد الإبداعي في ظل الثورة الصناعية الرابعة. 

وتسعى هذه الدول إلى تجديد المحتوى التربوي في مناهج التدريس (اليابان، وسنغافورة وكوريا الجنوبية..) بهدف  تطوير المعرفة و استخدام المعلمين  للمهارات المشتركة للمناهج الدراسية ، والتي تشمل مهارات الاتصال، والرياضيات، و تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) وهي المهارات الأساسية التي يمكن للتلاميذ من خلالها الوصول إلى المعرفة.

وتهدف مناهج الدول المتقدمة تعليمياً  إلى تطوير مهارات القرن الحادي والعشرين مثل التفكير النقدي والإبداعي وحل المشكلات وعادات التعلم ذاتيا الجيدة،  واستخدام استراتيجيات التعلم النشط لتعزيز التعلم مدى الحياة واكتساب المعرفة والمهارات الفنية والمهارات الاجتماعية والتعاونية ومهارات التفكير والتقييم والتعبير عن الذات،  وتطوير قدرات الطلاب على تطبيقها في الحياة الواقعية .

وتمثل الكفاءة العالمية  مجال تعليمي يجري تطبيقه في المدارس حول العالم على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية، وقد تم شموله في التقييم الدولي للطلاب (اختبار 2018 PISA : وشاركت به ستة دول عربية ) . وتعكس الكفاءة العالمية ما يستخدم من المعرفة والمهارات والاتجاهات والقيم المطبقة بنجاح في التعامل مع التفاعلات الثقافية أو القضايا العالمية (مثل التغير المناخي والطاقة النظيفة)التي تؤثر على جميع الناس ، ولها آثار عميقة على الأجيال الحالية والمستقبلية. 

وهناك مساق المواطنة العامة والعالمية  في اليابان التي تعلم التلاميذ كيفية إدارة النزاعات وحلها وفهم أعمق لقضايا العالم، حيث أصبح العالم قرية واحدة، وتشكل فيه التجارة والسوق العالمية، المحرك الرءيسي للاقتصاد.  وقد أدخلت مادة التحقيقات والبحوث الاجتماعية الجديدة في المرحلة الثانوية لتعزيز قدرة التلاميذ على تحليل وفهم التفاصيل المعقدة للهياكل والأنظمة في جميع أنحاء العالم.

شكل 4

وتتطلب هذه الاتجاهات الحديثة  الاستثمار في تدريب المعلمين، لتعزيز قدرتهم على تطبيق المناهج المنقحة وتعديل أساليب التدريس ، تدفع التلاميذ بعيدا عن طريقة التعلم من خلال الحفظ. وهذا يتطلب تنمية مهارات التفكير النقدي ومهارات التفكير العليا عند التلاميذ  والارتقاء من مستوى التفكير الأدنى إلى المستوى الأعلى من المعرفة (جمع وحفظ المعلومات) إلى مستوى الفهم، ومن  التطبيق للاستفادة من المعرفة إلى التحليل،  ومن التقييم إلى المحاكاة  وتوليد الإبداع (شكل 4).  وهذا يوفر للتلاميذ المهارات والحوافز ليصبحوا منتجين مبتكرين للسلع والخدمات والأفكار.  والتقييم جزء لا يتجزأ من عملية التدريس والتعلم ويساعد الأطفال على أن يصبحوا متعلمين موجهين ذاتيًا.

المحتوى التربوي : أبعاد حيوية في المناهج التدريسية العربية

يتعين أن  يعكس المنهج الدراسي الثقافة والهوية الوطنية  لدى الدول المختلفة. وهناك تحديات ثقافية في العالم العربي تتطلب مواجهتها عن طريق التعليم.  

وتشهد  مواقع التواصل الاجتماعي خروجاً عن الحدود الاخلاقیة وغياب الأمانة والمصداقیة في المشاركات العامة. وتشهد المجتمعات العربية كثير من النزاعات والخلافات  في المعاملات العامة والخاصة (مثل حقوق الإرث  ) وغيرها من الخلافات المجتمعية المعروفة.

وتعود هذه السلوكيات إلى غياب المرجعية الدينية والاخلاقية  وعدم  إعمال العقل واستخدام المنطق التي يمكن أن تمنع أو تساعد في في إيجاد حلول عادلة وعملية لهذه الاشكاليات. وتتطلب هذه التحديات تعزيز  الذات العربية من خلال تنمية قيم المواطنة الصالحة والأخلاق والقيم الدينية والأخلاقية العالية وبناء الشخصية. وهذا يتطلب مراجعة وتحديث المناهج لتحقيق هذه الأهداف.

شكل 5 : التربية الاخلاقية والدينية

 ولذلك، تكتسب تربية وتهذيب الأطفال أهمية تعادل أهمية تعليمهم وتوسيع مداركهم في مجالات العلوم المختلفة.  ولا يمكن اقتصار تربية الأطفال على المنازل لأنهم يقضون وقتًا طويلاً في المدرسة، ولأن مستويات تعليم وثقافة الأُسر متباينة جداً، وهناك آباء وأمهات يقضون أوقاتهم في العمل بعيداً عن منازلهم، وبالتالي لا بد من تربية عامة وتهذيب للعقول والأخلاق على مستوى وطني.  وهذا ما يُعطي المواد التعليمية في مجال التربية الأخلاقية أهمية عالية ، وخاصة في المرحلة الإبتدائية (شكل 5).  وهذا المساق جزء من مناهج التعليم في عدد كبير من الدول مثل الولايات المتحدة واليابان وفرنسا وروسيا.

وهناك حاجة قصوى لتعزيز التعليم الديني في جميع مراحل التعليم في المدرسة في اتجاه الجانب القيمي في الدين،  بهدف تعزيز وظيفة الدين الروحية في إعلاء القيم والتمسك بالأخلاق العالية، بشكل متكامل مع فقه وآداب العبادات.  ويُنظر إلى أن أكمل المؤمنين إيمانا، هم أحسنهم خلقاً، وقد قال النبي الصادق الامين ﷺ : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.

ويتعين تربية الأطفال على أن  التمسك بالشعائر وحدها والالتزام بالعبادات دون ربطها عضوياً بأخلاقية المعاملات، يُفقد المرء صفة التدين.  ولذلك، فإن التميز في السلوك الأخلاقي هو صفة ملازم للمؤمن الصحيح، وهذا ما لا ينطبق على المتطرفين الذين يرتكبون جرائم كبرى بحجة الدفاع عن الدين، ، دين الرحمة والإنسانية والتسامح. ويتعين استبعاد أية مواد تعليمية تقوم على  الغيبيات ولا تستند على إعمال العقل،  أو لا تدعوا للتسامح واحترام الأديان، وتعزيز واجبات الأسرة  في تربية وتعليم وحماية الأبناء، والمساواة بين الجنسين.

ويهدف مساقي التربية الدينية (في اتجاه القيم) والأخلاقية لتعزيز مفاهيم المواطنة واحترام الآخر والحياة الإنسانية، ورفض العنصرية والاقليمية والكراهية، وتنمية روح الجماعة والعمل الجماعي والتطوعي والنظام والمسؤولية والسلوك العام، ومساعدة الناس ولطف المعاملة واحترام كبار السن والمعلمين، وتعزيز  ثقافة الحفاظ على المرافق العامة ونظافتها مثل المدرسة وأماكن العبادة والشوارع العامة والممتلكات الخاصة.

شكل 6 : تدريس الفلسفة للاطفال

وتتطلب الحاجة إلى إدخال الفلسفة في المناهج التعليمية في المدارس،  من المرحلة الابتدائية لاستخدام العقل وادوات المنطق لتحليل كيفية التعايش في العالم الذي نعيش فيه ، وعدم قبول ما يصلهم من معلومات باعتبارها  مسلمات.  ويكتسب تدريس الفلسفة أهمية كبيرة في العالم العربي، حيث تنتشر السلوكيات الشعبوية والانغلاق الفكري و التحزب المفرط، والآراء المسبقة ومظاهر التطرف والاعتقاد بالغيبيات وكثير من المظاهر التي تعكس عدم إعمال العقل في التعامل مع القضايا اليومية والوطنية.

و تعزز دراسة الفلسفة قدرات التلاميذ على حل المشكلات، وتساعد في تحليل المفاهيم ووجهات النظر المختلفة، وتنظيم الأفكار والقضايا، والتعامل مع القضايا الأكثر أهمية. وتساهم الفلسفة في تطوير القدرة على التعبير عن الذات والإقناع ، وتزود التلاميذ بالمهارات في صياغة الأفكار الواضحة. وقد أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين يدرسون الفلسفة هم أكثر استعداداً لتحقيق نتائج أكاديمية أفضل، وأكثر توافقاً اجتماعياً ولديهم احترام للذات ويميلون للتعاطف مع الآخرين.

ومن شأن اكتساب القدرة على التفكير النقدي (إعمال العقل)، والقدرة على التحليل مساعدة التلاميذ على التعامل مع الظروف الاجتماعية والسياسية  التي تجابه  المنطقة، ذلك أن التفكير النقدي هو أساس التربية القوية. وتساعد القدرة التحليلية واستخدام المنطق في تفسير وتوضيح الأفكار المعقدة والمجردة، في قضايا عامة ملحة، مثل رفض التطرف، أو التعامل بطريقة عقلانية في قضايا علمية مثل قضايا اللقاحات. وبالتالي، سيكون مجتمعنا أفضل حالًا لو توفرت لمعظم الناس هذه المهارات الحيوية، التي يشكل تدريس الفلسفة طريقة فعالة للتعامل معها.

الإدارة  والتنظيم

يحظى التعليم بأعلى درجات الأهمية على المستويات الوطنية والمحلية والفردية،  ويرتبط بشكل إيجابي بالنمو الاقتصادي.

وقد أظهرت دراسات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أن تحصيل الطلاب في الرياضيات والعلوم يعد مؤشرًا جيدًا لحالة الاقتصاد في المستقبل.

 ونظراً لأن فوائد  التعليم تعود على المجتمع والأفراد ، فإن تمويل نشاطات التعليم ( وخاصة الإلزامي) بشكل رئيسي من الخزينة العامة. ومع زيادة الضغوط على التمويل الحكومي، من المهم توفير التعليم النوعي بفعالية بأكبر قدر ممكن من الكفاءة.  وتقع الكفاءة عندما يتم تحقيق جودة التعليم (التي تُقاس عادةً بأداء الطلاب في الاختبارات الدولية القياسية أو القيمة المضافة) باقل قدر من الموارد المالية.

شكل 7 : الإدارة والتتظيم

تشكل الإدارة والتنظيم الجيد العامل الرئيسي في تحقيق جودة التعليم (شكل 7) ، من خلال التخطيط (وضع الأهداف وخطة عمل لتحقيقها) والتنفيذ ، والمتابعة أثناء التنفيذ والتقييم أثتاء وبعد التنفيذ.  ومن مهام الإدارة توفير مناهج تهدف لأعداد طلبة للمستقبل ،  وتوفير التمويل اللازم للمدرسة ورواتب عادلة واحترام للمعلمين، من إدارة ومجلس المدرسة، وإطار مؤسسي للعمل بموجبه (أنظمة وتعليمات) توفر معايير واضحة لكيفية تدريس ومعاملة التلاميذ . 

وتعود الفروق بين جودة التعليم في المدارس إلى مدى فعالية وكفاءة وشفافية الإدارة ، مثل قدرتها على المبادرة، و  مدى التزامها بالمبادئ التوجيهية الوطنية،  وتنظيمها للعمل اليومي المدرسي. كما تعود إلى التزام المعلمين بساعات التدريس، وتعاونهم واحترامهم لبعضهم البعض،  واستخدامهم لطرق تدريس تسمح للتلاميذ بالمشاركة بنشاط، وقدرة المعلمين إلى الوصول إلى المواد التعليمية اللازمة لتلبية متطلبات المنهاج. كما تعود لقدرتها على توفير بيئة تعليمية سليمة وصحية وإيجابية وملهمة، ومعاملة جميع التلاميذ باحترام وعدالة وتعلمهم احترام بعضهم البعض والبيئة الطبيعية المحيطة. وتشجع الإدارة الفعالة على مشاركة ايجابية من أولياء الأمور والمجتمع لتحقيق أهداف التعليم، وعلى تحقيق تعاون بين المعلمين في بحوث عملية على مستوى المدرسة لتحسين مهارات وخبرات المعلم ، وعلى تعزيز العمل الجماعي بين المعلمين ، والتأثير إيجابيا على ادارة  المدرسة كفريق جماعي متكامل.

وتحاكي أنظمة التعليم ذات التصنيف الأعلى أفضل الممارسات الرائدة في الولايات المتحدة، حيث  الاستثمار في التعليم لا مثيل له ، ويتم استخدام أساليبها المبتكرة من قبل أنظمة المدارس في العالم، وتتطلع الدول في جميع أنحاء العالم إلى المدارس والمؤسسات البحثية الأمريكية من أجل الابتكار والإبداع في التدريس والتعلم، حيث يتعاون واضعي السياسات مع ممثلي المجتمعات  في عمليات الإصلاح التربوي.  

 ومع أن الطلاب في الولايات المتحدة بشكل عام أفضل حالًا من متوسط ​​دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية،  إلا أن البيانات أظهرت ضعف أداء الطلاب في الاختبارات الدولية القياسية (اختبار   PISA)، و تراجعت من مرتبة الأفضل ، إلى مجرد مرتبة متوسطة (مرتبة 25 بين 77 دولة لعام  2018). وقد وُجد أن هناك ركود في تحصيل الطلاب الأمريكيين، في حين أن تحصيل الدول الآسيوية آخذ في الارتفاع. وهذا يعود إلى أنه لا يتم أخذ الأساليب المبتكرة على نطاق واسع حتى يتمكن جميع الطلاب من الاستفادة منها،  بينما تستمر البلدان الأخرى في التعلم منها، وهو ما يتعين على الولايات المتحدة أن تتعلمه من البلدان الأخرى.

وتُظهر البيانات أيضًا أن الأنظمة المدرسية التي شهدت أكبر قدر من التحسن قد استخدمت تكتيكات مشتركة في نقاط مختلفة من عملية الإصلاح. وتتمتع أنظمة المدارس الناجحة بالعديد من الإجراءات الداخلية.   وربما يكون الاتجاه الأكثر تشجيعًا هو أن التحول المدرسي يمكن أن يحدث بسرعة كبيرة، إذ استغرقت الإصلاحات الناجحة عشر سنوات أو أقل في بعض البلدان. و تظهر المعايير الدولية ما هو ممكن حقًا في التعليم ؛ يمكن أن تكون محركًا صحيًا لجهود الإصلاح في جميع أنحاء العالم.

المصادر

عناصر عملية الاتصال؛  The Basic Elements of the Communication Process

شروط مهنة التعليم في اوروبا  ؛  Teaching careers in the EU

شهادات مزاولة مهنة التدريس ؛  What Is Teacher Certification

PISA 2018 Results  :  اختبار بيزا   2018 

التعليم في بلاد العرب | الدول الأفضل أداء في اختبار PISA عالمياً وعربياً

جودة التعليم … مفتاح التنمية العربية

مناهج التربية الدينية |تعميق البُعد الفِيَمي والربط بين الدين والأخلاق

التربية الأخلاقية | مساق دراسي على قائمة الانتظار في مدارس العالم العربي

التربية الأخلاقية | تجارب عالمية ممتدة.. للبناء عليها في مدارس العالم العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *