التعليم في بلاد العرب | الدول الأفضل أداء في اختبار PISA عالمياً وعربياً

اختبار PISA  :  نشأته وطبيعته ومجالاته

بدأت منظمة العمل والتعاون الاقتصادي (OECD)  العمل ببرنامج التقييم الدولي للطلاب (اختبار PISA )  Program for International Student Assessment  في عام 2000  بمشاركة 41 دولة. وشارك في اختبار بيزا  الأخير ( 2018 PISA)  79 دولة،  ضمت 6 دول عربية وهي الإمارات والاردن وقطر والسعودية ولبنان والمغرب بالترتيب. ويجري الامتحان بالانكليزية والفرنسية والعربية ولغات أخرى.

وجاء إنشاء البرنامج بهدف تقييم أنظمة التعليم في دول أعضاء المنظمة ودول مُشاركة أخرى، ومدى حصول التلاميذ البالغين من العمر 15 عامًا (نهاية التعليم الإلزامي) على المعرفة والمهارات الأساسية للمشاركة الكاملة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية . وتوفر بيانات الاختبار للحكومات أداة فعالة للحكومات لوضع السياسات الخاصة بالتعليم. 

ويتضمن الاختبار جمع معلومات حول خلفية الطلبة وتنظيم المدارس لتوفير  معلومات حول بيئة الطالب التي يمكن أن تساعد المحللين على تفسير النتائج.

يشمل اختبار PISA مجالات القراءة والرياضيات والعلوم باعتبارها المجالات الأساسية للتعليم المستمر للطالب.  ويجري الاختبار كل ثلاث سنوات (2000 ، 2003…..2018)، مع التركيز على موضوع واحد أساسي في كل سنة من سنوات التقييم بالتناوب؛ قراءة، رياضيات، وعلوم ابتداء من عام 2000.  وقد تركز اختبار PISA 2018 على القراءة (حيث يأخذ نصف الوقت) مع الرياضيات والعلوم كمجالات إضافية للتقييم (وتأخذ معاً نصف الوقت الآخر).

 وقد تأجل اختبار عام 2021 إلى عام 2022 في ضوء تداعيات جائحة كورونا ، وسيكون تركيزه على الرياضيات، وسيجري الاختبار بعد ذلك كل 3 سنوات (2025، 2028 …).

 ماذا يقيس اختبار PISA   2018

يقيس اختبار PISA 2018  المهارات في مجالات القراءة والرياضيات والعلوم.  و لا تقيس أسئلة الاختبار حفظ الحقائق، ولكنها تتطلب أن يعتمد التلاميذ على المعرفة ومهارات حل المشكلات في العالم الحقيقي والتي تعكس القدرة على  التفكير النقدي والتحليلي في هذه المجالات.  ويشمل التقييم  جوانب عملية مثل الإلمام بالمعلومات المالية والتنظيم المدرسي والكفاءة العالمية؛ والمعرفة والمهارة والمواقف والقيم للتعامل بنجاح مع قضايا تؤثر على جميع الناس حالياً ومستقبلاً.

 وتُعرف القراءة بأنها قدرة التلاميذ على استيعاب النصوص واستخدامها وتقييمها والتفاعل معها، وتوظيف مهارة القراءة لتحقيق أهداف التلاميذ المستقبلية، وتنمية معارفهم وإمكاناتياتهم ، ومشاركتهم في المجتمع. 

ويُعرف الإلمام بالرياضيات على أنها قدرة التلاميذ على صياغة واستخدام وتفسير المفاهيم الرياضية في سياقات متنوعة، واكتساب ذهنية رياضية، تسمح باستخدام هذه المفاهيم والإجراءات والحقائق والأدوات الرياضية في توصيف وشرح وتوقع ظواهر معينة.

ويُعرَّف الإلمام بالعلوم بأنه القدرة الفكرية على الاسهام في القضايا والمفاهيم العلمية بروح المسؤولية العامة. ويكتسب الشخص المُلم علميًا الأهلية والكفاءة لشرح الظواهر علميًا ، والقدرة على المشاركة في حوار فكري حول العلم والتكنولوجيا، وتقييم وتصميم تحقيق أو بحث علمي، وتفسير البيانات والأدلة علميا.

ولا يرتبط الاختبار مباشرة بالمنهج الدراسي لتقييم مدى قدرة التلاميذ، وإنما على تطبيق معارفهم ومهاراتهم في مواقف الحياة الواقعية (مهارات حل المشكلات ومهارات التفكير الإبداعي والكفاءة العالمية)، التي تمكنهم من المشاركة بشكل كامل في المجتمع.  ولذلك، لا يحتاج الطلبة للتحضير بدراسة مواد تعليمية محددة للامتحان،  ولكنهم يحتاجون للتعرف على طبيعة أسئلة الامتحان، وهناك نماذج اسئلة للاختبار PISA Test  يمكن الإطلاع أو التدرب والتمرين عليها.  

وتتدنى فرص التلاميذ في الحصول على نتائج جيدة ، إذا كان نظام التعليم يركز على الحفظ ومهارات التعلم الدنيا، حيث يتطلب اختبار PISA مهارات التحليل والتقييم وحل المشكلات ومهارات التفكير النقدي والإبداعي، وهي مهارات التعلم العليا.  لكن كثيراً  من الأنظمة التعليمية في المدارس عبر العالم لا تزال تقليدية وتقوم على الحفظ والتذكر، وتحتاج إلى تبني وتنفيذ سياسات تعليمية وجهود ووقت لتغييرها.

الدول الأفضل  أداءً عالمياً  في اختبار PISA 

شمل اختبار 2018 PISA  للتقييم الدولي للتلاميذ 79 دولة ، وشارك فيه  600 طالب في اختبار لمدة ساعتان.

أشغلت نظم التعليم المتميزة في دول شرق أسيا المواقع الأولى في متوسط علامات القراءة والرياضيات والعلوم لعام 2018 . وقد تصدر هذه الدول أربعة أقاليم في دولة الصين في الموقع الأول (بكين  وشنغهاي وجيانغسو وتشجيانغ)، وشغل إقليمين آخرين (مكاو وهونج كونج) المركزين الثالث والرابع.  واحتلت سنغافورة المرتبة الثانية، وتشاركت اليابان وكوريا الجنوبية المرتبة السادسة. 

ويبين جدول 1  نتائج الاختبار لعام 2018  الدول أو الأقاليم العشرين الأفضل أداء، وترتيب هذه الدول مقابل متوسط العلامة وعلامات كل مجال. وقد تصدرت أقاليم الصين قائمة أفضل الدول أداء ، بمتوسط 579، متقدمة على سنغافورة (بمتوسط 556) وإستونيا  (بمتوسط 525) في المركزين الثاني والخامس على التوالي، وجاء إقليمي مكاو وهونج كونج الصينيين في المركزين الثالث  والرابع.  وإذا تم إدراجهما ضمن دولة الصين، يمكن اعتبار أن استراليا وسويسرا ، وهما في المركزين 21 و 22 بمتوسط 499 -498، من الدول العشرين الأفضل أداء.

وجاءت الولايات المتحدة وفرنسا في المرتبتين 25 و 26 بمتوسط 495 و 494. وجاءت روسيا وايطاليا وتركيا  في المراتب 30  و 34  و 40  بمتوسط 482 و 477  و 463 . وكان المتوسط ​​لجميع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 488.3.

ويجب الإشارة إلى أن تصدر الصين لقائمة الدول العشرين الافضل أداء في اختبار  2018 PISA ، هو انجاز كبير، ولكنه يقتصر على العاصمة بكين و شنغهاي ومقاطعتين مجاورتين لها (جيانغسو وتشجيانغ)، حيث يعيش 13% من السكان، ولا يمثل دولة الصين كاملة.  

وقد وُجد أن هناك ارتباط بين التصنيف العالي في PISA  والنجاح الاقتصادي ، وهو أحد المؤشرات على ما إذا كانت الأنظمة المدرسية تعد التلاميذ لاقتصاد المعرفة العالمي في القرن الحادي والعشرين.  وتتطلب الوظائف ذات العوائد العالية وفي الصناعات عالية الربحية،  قوى عاملة تتمتع بالقدرة على التفكير بشكل نقدي وتحليلي وربط الأفكار والعمل عبر الحدود الدولية.  

أداء الدول العربية في اختبار PISA 

كانت تونس أول الدول العربية المشاركة  في اختبار PISA  في عام  2003 ، وواصلت المشاركة حتى عام  2015، غير أنها لم  تشارك في آخر اختبارين (2018 و 2022). وشاركت الأردن وقطر في اختبار PISA  منذ عام 2006 ، بينما بدأت دولة الإمارات المشاركة في عام 2009، وواصلت الدول الثلاثة المشاركة حتى عام 2022. وشارك لبنان منذ عام 2015 ،  وشارك مع السعودية والمغرب في آخر امتحانين في عامي 2018 و 2022. وشاركت الجزائر في اختبار عام 2015 لمرة واحدة فقط.

كان إداء جميع الدول العربية المشاركة  أقل من متوسط المجالات الثلاثة 488.3) لمنظمة العمل والتعاون الاقتصادي OECD، وأقل من متوسط العلامات في كل من مجالات الاختبار الثلاثة ( القراءة 487 ، الرياضيات 489 ، والعلوم 489).  وكان أداء التلميذات أعلى من أداء التلاميذ في مجالات الاختبار، باستثناء لبنان والمغرب (ولكن الفرق غير جوهري إحصائياً) والسعودية في مجال الرياضيات فقط.

يبين جدول 2  لنتائج الاختبار لعام 2018  الترتيب العربي والعالمي مقابل متوسط العلامة ومقابل علامات كل مجال. و كان أداء الإمارات الأعلى في المتوسط ، وفي كل من مجالات الاختبار الثلاثة، وتلتها الأردن وقطر. وكان هناك تداخل في أداء السعودية ولبنان والمغرب، إذ كان أداء تلاميذ لبنان أفضل من السعودية في مجال الرياضيات فقط،  وكان أداء تلاميذ المغرب أفضل من تلاميذ لبنان في مجال القراءة  فقط.

ويتطلب رفع مستوى الاداء العربي تغييراً جوهريا في طرق التدريس في اتجاه مناهج التدريس والتركيز على مهارات التعلم العليا والتي تشمل مهارات التحليل والتقييم وحل المشكلات ومهارات التفكير النقدي والإبداعي، وتأهيل المعلمين تربوياً، وإعداد الطلاب لأداء الاختبار.

تجارب التعليم في الدول الأفضل أداء في اختبار PISA 

تحتاج أنظمة التعليم إلى مراجعة مستمرة للتطورات المحلية  والعالمية ، لضمان اتساقها وملاءمتها لمتطلبات التغيرات التكنولوجية والعلمية والاقتصادية في القرن الحادي والعشرين ، لتحديد المهارات الجديدة التي تحتاج إلى تطوير بين طلابها. ويجب اتباع نهج منظم لمراجعة المناهج وطرق التدريس وبيئة التعلم والتقييم للبرامج والأنشطة التي يمكن أن تساعد التلاميذ على اكتساب هذه الكفاءات الجديدة.   وهناك الكثير من القواسم المشتركة بين مناهج التدريس القائمة أو المعدلة في الدول المتفوقة تعليمياُ.

وقد أصبح العالم أكثر ترابطًا من خلال تسارع تطور التكنولوجيا وحركة السفر.  وسوف تصبح الكفاءة العالمية أكثر أهمية لفهم مستقبل أمتنا والعالم،  وهي مجال تعليمي يجري تطبيقه في المدارس حول العالم على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية، وتم شموله في التقييم الدولي للطلاب (اختبار 2018 PISA). وتعكس الكفاءة العالمية ما يستخدم من المعرفة والمهارات والاتجاهات للتعامل مع التفاعلات الثقافية والقضايا العالمية الملحة (مثل التغير المناخي والطاقة النظيفة) التي تؤثر على جميع الناس، ولها آثار عميقة على الأجيال الحالية والمستقبلية. 

وفيما يلي نبذة عن دول شرق آسيا الأفضل أداء في اختبار PISA وتشمل الصين وسنغافورة واليابان وكوريا الجنوبية:

سنغافورة

تعد سنغافورة طلابها لاكتساب مجموعة من كفاءات القرن الحادي والعشرين والكفاءات العالمية،  في إطار توجه للعالمية مع الحفاظ بقوة على الهوية الوطنية .  وهناك تحول من التعلم بطريقة الحفظ إلى تعليم يركز على مشاركة الطلاب وإبداعهم، ونُفذت برامج تدريبية للمعلمين لتطبيق المنهج الجديد.

وتتضمن مناهج المدرسة الابتدائية عشرة مجالات موضوعية تضم: اللغة الإنجليزية، واللغة الأم (الصينية ، والماليزية …) ، والرياضيات ، والعلوم ، والفن ، والموسيقى ، والتربية البدنية ، والدراسات الاجتماعية ، وتعليم الشخصية والمواطنة (محدثة في عام 2021)، وهناك مناهج فردية خاصة لرعاية  الموهوبين. وتضم مناهج التعليم الثانوي في البرنامج الأكاديمي اللغة الإنجليزية ولغة اللغة الأم والرياضيات والعلوم والعلوم الإنسانية (الجغرافيا والتاريخ والأدب الإنجليزي). وهناك برنامج فني و مواد اختيارية متاحة لكلا البرنامجين.

وتهدف مناهج التدريس في سنغافورة إلى تميز التلاميذ في المهارات الحياتية والمعرفية، وفي المعارف في مجالات التخصص، والتي تقوم على مهارات وقيم أساسية؛ تنمية الشخصية ، ومهارات الإدارة الذاتية للتعلم، والمهارات الاجتماعية والتعاونية ، ومهارات الاتصال ، ومهارات التفكير والإبداع ومهارات تطبيق المعارف. وعملت سنغافورة على إكساب التلاميذ روح الابتكار والقدرة على المبادرة ،  والسعي لتحقيق التميز، ولديهم إحساس قوي بالمسؤولية المدنية، ويقومون بأدوار نشطة في تحسين حياة الآخرين من حولهم.

ويتم تشجيع التلاميذ بشدة على ممارسة هذه القيم في المدرسة والمنزل لتعزيز  مبادرة القيم في العمل، ويتم تشجيع المعلمين وأولياء الأمور على أن يكونوا قدوة للطلاب.  ويجري التخطيط للأنشطة خارج الفصل الدراسي مثل الأنشطة الرياضية أو البرامج الجماعية (الأنشطة المشتركة للمناهج الدراسية)  لمساعدة التلاميذ على اكتساب القيم والكفاءات التي تشكل جزءًا من النتائج المرغوبة للتعليم.

اليابان

أظهرت اليابان أداءً عالياً في برنامج تقييم التلاميذ الدوليين (PISA)  في العقدين الماضيين، وجاء ترتيبها ضمن افضل عشر دول في القراءة والرياضيات والعلوم.  ورأت اليابان أن الأطفال الذين دخلوا التعليم في عام 2018 سيشكلون فئة الشباب في عام 2030،  وأن الحاجة تدعو لمراجعة المناهج الدراسية و تحديث نشاطات التدريس والتعلم لتعزيز القدرات للقرن الحادي والعشرين.

و هناك دورة منتظمة للتحديث، يتم بموجبها مراجعة المنهاج كل 10 سنوات تقريبًا في ضوء التغذية الراجعة من عملية التدريس.  وهناك حاجة لإعداد التلاميذ برؤية مستقبلية؛ للوظائف التي لم توجد بعد حتى الآن، ولتلك التقنيات التي لم يتم اختراعها بعد والمشاكل التي لم يُتوقع ظهورها بعد، لإكسابهم القدرة على الانفتاح على العالم وفهمه بطريقة لم تكن ممكنة قبل هذه التغييرات.

وقد قامت اليابان  بتطوير منهج وطني جديد بدأ  تنفيذه في عام 2020. وعملت وزارة التربية والتعليم على تعديل معاييرها لامتحان القبول بالجامعة، وعلى تعزيز الشراكات مع المجتمعات المحلية لدعم المنهاج الجديد.

  وتضمن تعديل المناهج  لدعم انتقال نظام التعليم الياباني إلى عام 2030 ؛

–   تطوير المعرفة  والمهارات المشتركة للمناهج الدراسية مثل مهارات الاتصال، واستخدام الرياضيات، و تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) ، وهي المهارات الأساسية التي يمكن للفئات الشابة من خلالها، الوصول إلى المعرفة. و يتم التركيز على نقل وتطبيق و استخدام المهارات المشتركة بشكل فعال في جميع المساقات الدراسية، وهي مسؤولية جميع المعلمين. 

– يركز المنهاج على تطوير مهارات القرن الحادي والعشرين، وليس الاقتصار على مجرد تعلم مواد الاختصاص، مثل التفكير النقدي والإبداع وحل المشكلات، وعادات التعلم الجيدة،  واستخدام استراتيجيات التعلم النشط، لتعزيز التعلم مدى الحياة، واكتساب المعرفة والمهارات الفنية ومهارات التفكير والتقييم والتعبير عن الذات، وتطوير قدرات التلاميذ على تطبيقها في الحياة الواقعية .

–  تدريس اللغة الإنجليزية في وقت مبكر من المدرسة الابتدائية وتعميقها على مستوى المدرسة الثانوية، باعتبارها لغة عالمية تُسهم في التعلم المستمر من شبكة المعلومات الدولية.  

– إدخال  مساق المواطنة العامة والعالمية التي تعلم التلاميذ كيفية إدارة النزاعات وحلها وفهم أعمق لقضايا العالم، حيث أصبح العالم قرية واحدة، تشكل فيه التجارة والسوق العالمية، المحرك الرءيسي للاقتصاد . 

إدخال مادة التحقيقات والبحوث الاجتماعية الجديدة لتعزيز قدرة التلاميذ على تحليل وفهم التفاصيل المعقدة للهياكل والأنظمة محلياً وفي جميع أنحاء العالم.

وكان التحدي الأكبر  أمام اليابان هو تغيير عقلية المعلمين الذين نجحوا في  طرق التدريس التقليدية التي تتطلب من التلاميذ التعلم من خلال الحفظ، ولكن هذه الأساليب غير ملاءمة لدعم انتقال نظام التعليم الياباني إلى عام 2030.  وهذا يتطلب إصلاح ممارسات الإدارة للتخفيف من عبء عمل المعلمين، والاستثمار في تدريبهم لتعزيز قدرتهم على تنفيذ المناهج المنقحة، وخاصة في مجالات التعلم النشط.  

كوريا الجنوبية

كان استثمار الحكومة الكورية في الإنسان القوة الدافعة الرئيسية وراء الأداء القوي للاقتصاد على مدى العقود الأربعة الماضية، الأمر الذي مكنها من توفير القوة العاملة الماهرة اللازمة، في الوقت المناسب من خلال التعليم والتدريب المهني.  

وتستعد كوريا للمستقبل من خلال معالجة القضايا التي تطرحها الثورة الصناعية الرابعة، لتلبية المتطلبات الصناعية المتغيرة وتعزيز الاقتصاد الإبداعي.  ويعتبر تحقيق المعرفة أولوية مجتمعية في كوريا، ويحظى الشخص المتعلم على احترام كبير.  وتُظهر الحكومة التزامًا عالياً بالاستثمار في التعليم، إذ تنفق 3.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي (GDP) على التعليم الرسمي، وإذا أخذ التعليم الخاص وغير الرسمي في الاعتبار ، فإن النسبة تقترب من 10%.  وقد تضاعفت ميزانية وزارة التربية والتعليم ستة مرات منذ عام 1990، وهو يمثل هذا حوالي 20 % من إنفاق الحكومة المركزية. و يُنظر إلى المعلمين على أنهم جزء أساسي من هذا الاستثمار و في المرتبة العاشرة في تصنيفات دخول رواتب المعلمين عالمياً.

ويعد التدريس مهنة تنافسية للغاية، كما هو الحال في الدول الأخرى عالية الأداء. ويتعين على جميع المعلمين  أن يكون لديهم تأهيل في مجال التخصص، فضلا عن تاهيل تربوي في مجال التعليم. وهناك انتقائية في دخول مهنة التدريس من خلال برامج إعداد المعلمين، الذين يعملون أقل من 600 ساعة في السنة.

ونظام التعليم مركزي بشكل عام، حيث يتوقع للتلميذ أن يتخرج بنفس المعرفة والمهارات الأساسية، بغض النظر عن الإقليم الذي يتعلم فيه. وقد خضعت مناهج  التعليم لمراجعات رئيسية عديدة منذ عام 1954،   وتجري مراجعة المناهج كل 5-10 سنوات لتعكس احتياجات التعليم الناشئة لمجتمع متغير ، وفق مراحل التنمية، وآفاق جديدة للتخصصات الأكاديمية.  

وقد أدخلت كوريا تحسينات كبيرة على نظام التعليم، على مدى العقدين الماضيين، بما في ذلك مهارات حل المشكلات المعقدة التي يتطلبها التفوق في برنامج التقييم الدولي للطلاب  (PISA). وقد  أضاف التعديل الأخير للمناهج الدراسية الذي بدأ تنفيذه في عام 2020، مهارات عامة و موضوعات متخصصة، لإعداد التلاميذ للقرن الحادي والعشرين الاكثر عولمة والقائم على المعرفة. 

أضاف التعديل الأخير للمناهج، ست مهارات (قُدرات) عامة أو متصلة بموضوعات التخصص في المناهج الدراسية، وشملت  هذه المهارات، الإدارة الذاتية للتعلم ومعلومات معرفية و التفكير الإبداعي و القدرات الاتصالية و المهارات الاجتماعية والعاطفية والتربية المدنية وموضوعات إضافية، وأنشطة تعلم تجريبية إبداعية عملية مثل المشاركة في النوادي والتطوع والاستكشاف الوظيفي تشكل حوالي 10-15 % من وقت المنهج.  وسمح التعديل للمدارس حرية إضافة محتوى منهجي يلبي الاحتياجات والاهتمامات المحددة لطلابها ، مثل فصول الفنون أو لغة إضافية.

التعليم في بلاد العرب : تجربة شنغهاي المُلهمة في الصين الحديثة

اتخذت حكومة الصين خطوات واسعة في مجال التعليم، غير أنها منحت شنغهاي سلطة خاصة للشروع في تجربة الإصلاح منذ عام 2008 . وقد كان للثقافة الصينية أثر بارز في نجاح تجربة شنغهاي في التعليم، فهناك احترام عميق للمدرسين والعاملين في التعليم في المجتمع، وهناك  تقاليد مجتمعية عريقة في احترام التعليم. و تُجند  الأسر الصينية نفسها وأطفالها  لتحقيق أعلى مستويات النجاح، لإيمانها الراسخ بأن العمل الجاد هو وحده الطريق الذي يمكن أن يغير مستقبل حياتهم. 

وعملت شنغهاي منذ عام 2008 على تحسين قدرة التلاميذ على التعلم وليس مجرد حفظ الكثير من المعارف لمواكبة التغيير الحالي والمستقبلي في المجتمع . و في ضوء تطبيق الممارسات التعليمية الجيدة، سجلت مقاطعة شنغهاي المركز الأول في برنامج التقييم الدولي للطلاب (PISA)  في عامي   2012 و 2009 (وحصلت هونج كونج على المركزين 3 و 4) متفوقة على دول آسيا وأوروبا والولايات المتحدة.  وقد حافظت شنغهاي على المركز الأول في عام 2018 (مع مقاطعات بكين وجيانغسو ومقاطعة تشجيانغ بدلا من قوانغدونغ ؛ وحصلت مكاو وهونج كونج على المركزين 3 و 4) بعد أن تراجعت إلى المركز العاشر عام 2015  .

وتجب الملاحظة إلى أن الصين اختارت عدد من المقاطعات المتقدمة المشار إليها أعلاه ، والتي تضم 13% من السكان لتمثيلها ، ولكن لا يمكن اعتبار اختبار PISA ممثلاً لدولة الصين الذي يقارن أنظمة التعليم الوطنية،  وإنما يمثل هذه المقاطعات المشاركة.

وهناك نظام امتحان عام للتلاميذ في دولة الصين ، وعلى الرغم من تعرض النظام لانتقادات واسعة  لممارسته ضغوطا كبيرة على التلاميذ، ويعزز التعلم عن طريق الحفظ، إلا أنه نظام شفاف يعتمد على الجدارة، ويوفر فرص متساوية لجميع التلاميذ ويحقق العدالة ويحظى بثقة الناس فيه .

وتواصل شنغهاي جهودها لرفع جودة النظام التعليمي، وتستخدم اختبارات PISA كأداة لتبني السياسات المناسبة لتطوير التعليم، في اتجاه أساليب حل المشكلات والإبداع والتفكير.  وقد أدخلت شنغهاي عدداً من الإصلاحات في نظام التعليم شملت ما يلي:

– تنفيذ تعديلات مستقاة من أحدث المعارف والمناهج والخبراء في العالم بعد ملاءمتها للاحتياجات الثقافية المحلية،  وإقامة شراكات مع هيئات تعليمية متقدمة.

–  تنفيذ خطط إستراتيجية للتحسين المستمر على جودة البنية التحتية وبرامج التعليم،

–  تعديل المناهج الدراسية في العقود الثلاثة الماضية، لتحقيق مزيد من اللامركزية ومن المناهج التي تركز على الابتكار،

–  اتباع طرق تعليم وتعلم جديدة،  ومواكبة المناهج الجديدة باستراتيجيات تربوية جديدة لتعزيز عملية التدريس،

–  تعزيز نشاطات التطوير المهني للمعلمين من خلال برامج للتدريب أثناء الخدمة وتطبيق نظم للحوافز في إطار سلالم   مهنية واسعة النطاق تشمل دورات تدريبية داخل المدرسة ومجموعات عمل بحثية، ودعم مستمر،  

–  تحويل ضريبة التعليم المحلية من الأحياء الغنية إلى الأحياء الفقيرة،

–  رفع أداء المدارس ذات الأداء المنخفض بطرق مختلفة، ومنها وضعها تحت إدارة المدارس الناجحة إدارة المدارس،

–  وضع30٪  من التلاميذ الأكثر تفوقاً  في المدارس ذات الأداء المنخفض في أفضل المدارس الثانوية، مع مواصلة تطبيق استراتيجيات لرفع مستوى أداء المدارس ذات الأداء المنخفض.

الدروس المستفادة من تجربة شنغهاي للمدارس العربية

يحظى التعليم بمكانة كبيرة في ثقافة العالم العربي، كما هي الحال في تجربة شنغهاي في الصين، وهو الوسيلة التي تضحي من أجلها الأسر، وتراها الطريقة الأكثر فعالية في تسلق السلم الاجتماعي والاقتصادي في المجتمعات العربية. وهذا يشكل عاملاً إيجابياً يساهم في تحقيق الذات والتنمية الوطنية.

عمل قادة التعليم في شنغهاي على تطوير مهنة التعليم من خلال التعلم من أفضل تجارب التعليم في دول مثل إنجلترا وفنلندا والولايات المتحدة مع الحفاظ على التقاليد الصينية،  وكان هناك إرادة سياسية واضحة وثابتة لتطوير التعليم، ونظام عادل وشفاف للامتحانات العامة. وقد تركزت التجربة على تحسين فعالية التدريس كوسيلة لتحسين الأداء التعليمي.  

وقد اسست تجربة شنغهاي  لثقافة مدرسية تقوم على التعاون النشط ، حيث يشارك المعلمون في تشاطات التعلم والتعليم وتدريب المعلمين الجدد وتوفير التغذية الراجعة حول العملية التعليمية وتطوير مهاراتهم القيادية في المدرسة والمنطقة، وبذلك تمكنت شنغهاي من بناء كادر من المعلمين المهنيين الذين يتمتعون بثقة عالية والتطوير  الذاتي وتسعى إلى تحقيق تحسين مستمر. 

ومن الدروس المستفادة من تجربة شنغهاي لتطوير التعليم في العالم العربي: 

1.  إعطاء أهمية كبيرة لاختيار كوادر تدريسية يتمتعون بمهارات أكاديمية عالية والتزامًا بالتعليم، وهو ما يرفع من مكانة المعلم أيضاً.  والمعلم هو نقطة محورية في عملية الاتصال التعليمية.

2.  وجوب حصول المعلمين قبل الخدمة على شهادات مزاولة المهنة، والتي تتطلب تأهيلاً تربوياً ، بعد الحصول على شهادة علمية في مجالات التخصص. وهناك حاجة لتدريب المعلمين بشكل مستمر اثناء الخدمة، لتعزيز قدرتهم على تنفيذ المناهج المنقحة وتعديل أساليب التدريس.

3. مراجعة دورية للمناهج كل 10 سنوات على الأكثر لمواكبة الاتجاهات العالمية و العالم المتغير،  وصولاً إلى تطوير مهارات القرن الحادي والعشرين مثل التفكير النقدي والإبداعي وحل المشكلات وعادات التعلم الذاتي الجيدة،  وذلك لتعزيز التعلم مدى الحياة واكتساب المهارات الفنية والاجتماعية واالعمل في إطار فريق، ومهارات التفكير والتقييم والتعبير عن الذات،  وتنمية قدرات التلاميذ على تطبيقها في الحياة الواقعية .

 4. استخدام المعلمين  للمهارات المشتركة للمناهج الدراسية والتي تشمل مهارات الاتصال، و تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) وهي مهارات أساسية تمكن التلاميذ من الوصول إلى المعرفة.

5.  تنمية مهارات التفكير العليا عند التلاميذ، والانتقال من مستوى جمع وحفظ المعلومات والفهم والتطبيق، إلى مستوى التحليل، والتقييم والمحاكاة  وتوليد الإبداع، بهدف توفير  المهارات اللازمة للتلاميذ وتحفيزهم ليصبحوا  قادرين على التعلم ذاتيًا ومنتجين مبتكرين للسلع والأفكار.

6.  الاستفادة من تجربة شنغهاي ودول شرق آسيا التي تحقق أداءً عالياً في اختبار PISA ، يقوم على تنظيم مجموعات للتدريس والبحث تعمل بشكل جماعي على تعزيز  الجهود للتحسين المستمر في عملية التدريس كهدف جوهري.  وقد وُظفت هذه الممارسة لتعزيز  تفوقها  في الاختبار .  ويتشارك المعلمون في أعمال إعداد المحاضرات، ويقومون بتوجيه وتدريب المعلمين حديثي الخبرة، ويتابعون أداء التلاميذ وتشخيص احتياجات تعليمهم،  وتطوير أساليب التدريس وتقييمها.

7.  تطبيق سلالم وظيفية مهنية للمعلمين تحدد الشروط الواجب توفرها للترقية إليها والحوافز  التي سيحصلون عليها ، وقد أدخلت الأردن والإمارات مثل هذه السلالم.  ويعتمد التقدم في السلم الوظيفي على المشاركة النشطة في أنشطة التطوير المهني ، والتقييم السنوي لجودة التدريس، وجهود إبداعية في المدرسة ، والعمل في المدارس الفقيرة في المنطقة. ويساهم المعلمين الأكثر كفاءة في أعلى السلم الوظيفي في تطوير المناهج الدراسية وفي القيام بأدوار قيادية. 

8. إتباع أعلى درجات النزاهة والشفافية في تنظيم  وتقييم الامتحانات العامة وفي إعلان النتائج لتحقيق العدالة بين التلاميذ، كشرط أساسي لتحقيق أهداف العملية التعليمية.

9.  إعداد التلاميذ لاختبار PISA ، من خلال تنظيم دورات تدريبية للمعلمين، و إعداد منشورات إرشادية، أو تشجيع مؤسسات خاصة على القيام بمثل هذا الدور.

المصادر

اليرنامج الدولي لتقييم  التلاميذ نهاية التعليم الالزامي؛ 2000-2012

PISA 2015 Results  :  اختبار بيزا   2015

PISA 2018  Results  :  اختبار بيزا   2018 

المعايير الفنية لاختبار بيزا   2018  

التعلم من تجربة شنغهاي في التميز في اختبارات التقييم الدولي للتلاميذ

التعليم في بلاد العرب | التعليم النوعي…محطة للعبور إلى المستقبل

التعليم في بلاد العرب | جودة التعليم … مفتاح التنمية العربية

شروط مهنة التعليم في اوروبا  ؛  Teaching careers in the EU

شهادات مزاولة مهنة التدريس ؛  What Is Teacher Certification

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *