نظم تراثية زراعية |  نظام الزراعة الرملية في تونس الفريد عالمياً باستخدام مياه البحر

نظام الزراعة الرملية

نظام الزراعة الرملية في تونس

يمثل نظام الزراعة الرملية في بحيرات غار الملح في تونس طريقة فريدة من نوعها للزراعة على الرمال، ليس فقط في تونس ولكن في العالم بأسره .  ويستخدم النظام حركة المد والجزر لمياه البحر لنقل مياه الأمطار العذبة الطافية على سطح المياه المالحة لمياه البحر إلى منطقة جذور النباتات المزروعة على شواطىء البحيرة وعلى جزر صغيرة في داخلها. وقد ابتكر  النظام الشتات الاندلسي في القرن السابع عشر في تونس لمواجهة نقص الأراضي الصالحة للزراعة والمياه العذبة من خلال استغلال الأراضي الرطبة

نظام الزراعة الرملية في تونس : هجرة المسلمين من الاندلس إلى تونس

بدأت هجرة الأندلسيبن إلى منطقة شمال أفريقيا منذ مطلع القرن الثالث عشر . وجاءت الهجرة الاندلسية  من الموريسكيين (وهم المسلمين الإسبان) إلى تونس متأخرة في القرن السابع عشر حيث وصل إليها نحو 80 ألف من المسلمين الأكثر تشبعاً بالثقافة الإسبانية.

توطن الموريسكيون في تونس في السهول الشمالية الممتدة من بنزرت إلى تونس، في وادي نهر مجردة، بجانب الجبل الذي يمد مدينة تونس بالمياه.  وأنشأ المهاجرون مدناً في تونس، كان من بينها تستور و قلعة الأندلس  و العالية ورفراف وقرومبالية و رأس الجبل  و ماتلين وغار الملح كما تبين الخريطة التوضيحية.  وتميزت هذه المدن بخصائص معمارية من التراث العمراني والهندسي الأسباني، وانعكست في بناء المساجد باستخدام العمارة الأندلسية في هندسة محاريبها وزخرفتها. 

وكان من إبداعات المسلمين المهاجرين من الاندلس نظام الزراعة الرملية في غار الملح في تونس.

غار الملح :  موطن نظام الزراعة الرملية

أقام بعض المهاجرين إلى تونس، في غار الملح،  وهي بلدة صغيرة في شمال تونس في ولاية بنزرت،  نشأت في موقع مستوطنة فينيقية أقيمت في أواخر القرن الثاني قبل الميلاد، وتعاقب عليها الرومان والبيزنطيين والعرب والعثمانيين والفرنسيين.

تقع غار الملح  في ولاية بنزرت شمال العاصمة تونس، وتطل شرقا على البحر الأبيض المتوسط. وتقع  المدينة في سفح جبل الناظور الجنوبي الذي يضم غابة كثيف، وينتهي عند رأس سيدي علي المكي (أو رأس غار الملح أو رأس الطرف أو رأس فارينا). وتقع المدينة على بحيرة غار الملح التي يصب به أكبر انهار تونس، وهو نهر مجردة ، وهو أهم أنهار تونس وأطولها، وينبع في الجزائر.  وتشكل الزراعة والصيد البحري اهم مصادر العيش للبلدة.

غار الملح

بُنيت قرية غار الملح عند سفح جبل الناظور ، ويبلغ عدد سكانها حاليًا 5000 نسمة.  وتشتهر ، بأهميتها كموقع تاريخي، وبشواطئها الرملية الطويلة. يبلغ طول شاطئ غار الملح الرملي بطول 6 كم الذي يفصل البلدة  شرقا عن البحر الأبيض المتوسط ، وهو من بين أجمل الشواطئ في تونس.  ويضم شاطىء غار الملح؛  شط سيدي علي المكي الواقع على بعد خمسة كيلومترات شرق القرية ، على الجانب الجنوبي من رأس سيدي علي المكي، ثم شط الحي وشط كوكو.

تضم مدينة غار الملح (كما تبين الصورة الجوية لغار الملح وجوارها) أكبر بحيرة في الأراضي الرطبة الساحلية التونسية ، وهي بحيرة غار الملح ،  وهي بحيرة ضحلة يقل عمقها عن مترين  (1.9 م فأقل) ومالحة (37-42 %) بسبب الاتصال الواسع بالبحر.

وتقع بحيرة سيدي علي المكي ، المعروفة محليًا باسم سبخة سيدي علي المكي، إلى الشرق من بحيرة غار الملح، وبينهما فاصل رملي يضم بعض حقول الزراعة الرملية.  وهي أقل عمقًا (0.55 م فأقل) وأكثر ملوحة (40-60 ‰) مع طبقة سفلية أكثر رملًا . والسبخة تشكل أهوار غار الملح  وتتصل بالبحر من جانبها الشرقي،  ويفصل بينهما شاطىء غار الملح.

وهناك تنوعًا كبيرًا  من النباتات في المنطقة، حيث تم تسجيل 18 نوعًا من النباتات، بما في ذلك النباتات الصغيرة.

 سمحت الزراعة الرملية للعديد من العائلات بالعيش على الشواطئ في الأراضي الرطبة.  وكان صيد الأسماك مهمًا للسكان المحليين . إذ  طور السكان حول البحيرة العديد من تقنيات وأدوات الصيد والقوارب لتلبية احتياجاته.   غير أن الميناء القديم للقرية أصبح الآن مهجورًا تقريبًا،  ولا يستخدمه سوى عدد قليل من الصيادين.  وقد تم استبدال القوارب التقليدية إلى حد ما بالمراكب ذات المحركات ويتم تطوير الاستزراع المائي.  وتوفر السياحة مصدراً متزايدا للدخل ، حيث تجذب الثقافة المحلية والمناظر الطبيعية الفريدة لغار الملح السائحين المحليين والأجانب ما هو أبعد مجرد رؤية شواطئها الرملية المميزة.

نظام الزراعة الرملية في تونس (الرملي) : ري المحاصيل باستخدام المد والجزر لمياه البحر

واجه مجتمع الشتات الأندلسي من المهاجرين في غار الملح  في القرن السابع عشر تحديات البقاء وإنتاج الغذاء،  إذ وجد نفسه محاصراً  في أراضي تكاد أن تكون خالية من الأراضي الزراعية،  فضلاً عن ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة  وندرة المياه العذبة (السطحية والمياه الجوفية).  

وجاءت الحاجة إلى ابتكار تقنيات زراعية ملاءمة للاستجابة لهذه التحديات، وتتلاءم مع هذه الطبيعة القاسية.  وكانت التقنية التي توصل إليها المجتمع المحلي هي في ممارسة زراعية فريدة هي  نظام الزراعة الرملية ، والإسم الشائع لها هي الرملي.

تم الاعتراف في عام 2020  بنظام الرملي الزراعي  من قبل مبادرة GIAHS  لمنظمة الأغذية والزراعة باعتبارها واحدة من 62 من أنظمة التراث الزراعي العالمية ذات الأهمية العالمية.

ويتكون نظام الزراعة الرملية من حدائق فردية، تشكلت على الشريط الساحلي للبحيرة، وفي داخلها.  وللحصول على ارض زراعية داخل البحيرة، أقام المزارعون الحقول (القطايع  Guettayas) على جزر صغيرة داخل مياه بحيرة سيدي علي المكي أو على قطع مستصلحة من محيط البحيرة ، وعلى شكل مستطيل غالباً.   

وكانت غالبية الأراضي الزراعية (73%) في عام 2016 موزعة على الشاطىء الرملي حول بحيرة  سيدي علي المكي، على الشاطىء الفاصل بين البحيرة وكل من جبل الناضور والبحر الأبيض المتوسط وبحيرة غار الملح . بينما شكلت القطع المقامة على جزر صغيرة داخل البحيرة (القطايع) قرابة رُبع المساحة الكلية (27%) للحقول الرملية الكلية البالغة 113 هكتار. وهذه مساحة صغيرة،  ولكن أهميتها تعود إلى حقيقة أنها فريدة عالمياً.  

وتقوم فكرة هذه التقنية الزراعية على استخدام تربة صالحة لزراعة المحاصيل، وان تجهز بحيث تكون  في مستوى يسمح للنباتات بتلبية احتياجاتها من المياه عن طريق “الملامسة” .  وتتكون هذه الجُزر من طبقة من التربة  سمكها  40-50سم ، يأتي بها المزارعون من سفوح الجبال وتدعم برمال من شواطىء البحيرة، وتُمزج هذه التربة باسمدة طبيعية من مخلفات الحيوانات.  وبذلك، تتحول البُنية او التركيبة الرملية إلى تربة صالحة للزراعة، وخاصة لزراعة البطاطس.

تعتمد الزراعة على ضفاف البحيرة على مستوى الرطوبة في المخزنة في التربة من مياه الأمطار، وعلى كمية التربة التي ترسبها الفيضانات السنوية .  وتطفوا  المياه العذبة الجوفية ، الأخف من مياه البحر ، فوق مياه البحر الأكثر ملوحة.  فعندما تصل مياه الأمطار من التلال إلى المنطقة الرملية حول بحيرات غار الملح ، فإنها، بدلاً من الاختلاط مباشرة بالمحلول الملحي أدناه ، فإنها تشكل طبقة رقيقة من المياه الجوفية العذبة.

 وتخلق المياه العذبة الجوفية المخزنة في التربة الرملية طبقة رقيقة من المياه طافية فوق سطح المياه المالحة في البحيرة. وتتشكل طبقة  المياه العذبة بعمق يصل إلى 10 سم مرتين يوميا كل ست ساعات على التوالي في المد والجزر.  ويعاد تشكيل هذه الطبقة كل عام بفضل هطول الأمطار مما يسمح بدورتين من الزراعة  في السنة. 

شكل 1 : ري جذور النباتات بالمياه العذية الطافية على المياه المالحة من خلال حركة المد والجزر لمياه البحر

جاءت هذه التقنية في ضوء ملاحظة حركة المد وعوامل اخرى، والتي تسمح بري المحاصيل المزروعة في الرمال الممزوجة بالتربة والسماد الطبيعي (لعدم وجود الأراضي الصالحة للزراعة) في منطقة الجذور عن طريق الملامسة، باستخدام المد والجزر لمياه البحر المحملة بطبقة من المياه  العذبة (لعدم توفر مياه صالحة لري المحاصيل). ويرتفع المد والجزر في منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​القريبة مرتين في اليوم من مستوى كليهما ، مما يجعل المياه العذبة الثمينة تتلامس مع الخضار في أراضي الرملي،  كما لو أن البحر يرضع صغاره،  كما وصفها أحد المزارعين.

وبالتالي، فإن هذه الممارسة في زراعة المحاصيل لا تتضمن رياً مباشراً،  وتستوجب تنظيم مستوى التربة، بحيث يسمح مستواها للنباتات بتلبية احتياجاتها من المياه عن طريق اتصال نظام الجذور الخاص مع طبقة رقيقة من الماء العذب الطافي على سطح الماء المالح. وعند حركة المد، تدخل مياه البحر المالحة إلى البحيرة المُتصلة بالبحر، وتدفع المياه العذبة إلى الارتفاع والوصول إلى جذور النباتات فتغذيها (عند المَليَة كما تسمى محلياً)، كما يبين شكل 1 .  وعند الجزر ، يتراجع مستوى المياه العذبة ألى ما دون مستوى الجذور حتى لا تحصل النباتات على أكثر من حاجتها.

 وتتمثل خصوصية هذا النظام، إضافة إلى طبيعة المحاصيل ذات الصفات الحسية المميزة،  في الحفاظ على المستوى الصحيح للتربة؛  ليست منخفضة بحيث تتلامس الجذور مع الماء المالح ، ولا أيضًا عالية لمنع الجذور من الجفاف.  وهي مهارة تناقلتها الأجيال لهذه التقنية عبر أكثر من 3 قرون، أصبح فيها المزارعين على معرفة وخبرة عملية تمكنهم من الحفاظ على التربة في الارتفاع الدقيق الازم لضمان ملامسة منطقة الجذور للمياه العذبة، دون أن تلامس المياه المالحة. وبفضل هذا التأثير، أمكن صيانة البحيرة ، وواصلت الأراضي الرطبة دورها كموطن غني للحياة البحرية والنباتية.  

 ويجب على المزارعين أن يراقبوا  بانتظام مستوى سطح التربة وأن يحافظوا على مستويات التربة بإضافة الرمال والسماد، بحيث يتطابق مستوى نظام الجذور مع مستوى المياه العذبة بدقة كما يبين الشكل. فإذا كانت القطعة (القطعاية كما تسمى وجمعها قطايع) الأرضية منخفضة عن الحد المناسب، فإن المياه المالحة تصل إلى الجذور، تقتل المحاصيل. وإذا كانت مرتفعة عن  الحد اللازم، فإن الجذور ستجف.

 يتم وضع صفوف من نبات القصب  للفصل بين الحيازات الزراعية ومن أجل تقليل آثار تجفيف الرياح ورذاذ البحر ، ولحماية المحاصيل وضمان بيئة مناسبة لتطوير النبات.  كما يتم زراعة سياج نباتي من أشجار الفاكهة وشجيرات في الحيازات الأرضية على شاطىء البحيرة لحماية قطع الأراضي المزروعة من الرياح ورذاذ البحر لتقليل عمليات النتح في المحاصيل التبخر وتثبيت الرمل.  ويقام على الحواف الساحلية قنوات تصريف تسمح بتدفقة وانسياب المياه الزائدة. 

وتسمح هذه القطعايات بإنتاج منتجات زراعية عضوية مثل محاصيل البقوليات والخضار ومنها البطاطا والبصل والثوم والقرع والبطيخ والشمام والفلفل والبندورة والخس.  وتتصف الحقول الرملية في قرية غار الملح بأنها حيازات صغيرة (81٪ أقل من 5 هكتارات) . ويتمسك المزارعون بشدة بالأصناف المحلية ، والتي يتبادلونها بانتظام بكميات صغيرة في شكل بذور.  وتباع المحاصيل التي تزرع عضوياً في الأسواق المحلية ، وتتميز المنتجات بصفات حسية ومذاق خاص، بسبب الري الطبيعي الذي يتفق مع احتياجات النباتات للمياه.

 الزراعة الرملية في تونس  : الأراضي الرطبة

تعد الأراضي الرطبة الساحلية في غار الملح واحدة من المواقع الريادية للحفاظ على الأراضي الرطبة الساحلية وحمايتها في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

تم تصنيف بحيرة غار الملح ودلتا وادي مجردة  في عام 2007 ، كأرض رطبة ذات أهمية دولية بموجب اتفاقية رامسار.

وحصلت مدينة غار الملح في عام 2018 على جائزة اعتماد كمدينة الأراضي الرطبة وبهذا الاعتراف أصبحت أول مدينة عربية وشمال أفريقية على قائمة رامسار للمدن المعتمدة.

تُهيمن على المسطحات المائية الطبيعية الأنواع النباتية الوعائية Vascular plant species الأكثر إنتاجية (تحتوي على أوعية لنقل السوائل بين أجزاء النبات المختلفة الأوعية الناقلة، وتتصف بوجود عروق على الجهة الخلفية من الورقة)،  وتشمل  أنواع مختلفة من الطيور والزواحف والكثير من الأسماك والثدييات . وتستخدم الأراضي الرطبة لأغراض الزراعة التي توفر زراعة الأرز وتلبية النظام الغذائي لنصف سكان العالم.

وهناك تنوع كبير في الأنواع البرية في هذه الأراضي الرطبة الساحلية في غار الملح، حيث تستوطن الطيور والزواحف وأكثر من 230 نوعًا من النباتات الوعائية ، والعديد منها مهدد بالانقراض ( مثل أنواع من الزعتر و إكليل الجبل).

تعتبر الأراضي الرطبة أكثر الموائل إنتاجية على هذا الكوكب؛ موطن لبعض من أكثر الحياة البرية والحياة النباتية المهددة بالانقراض في العالم، والتي تشمل الثدييات والطيور والأسماك، وتوفر منتجات طبيعية بتكلفة قليلة أو بدون تكلفة (مثل الأعشاب والطحالب ومنتجات الصيد) وأماكن للترفيه، ولمشاهدة المناظر الطبيعية.

وتسهم الاراضي الرطبة في حماية الشواطئ من الإنجراف وفي تصفية المياه (من خلال ترشيحها عبر الأراضي الرطبة) مما يشكل تحسين طبيعي لجودة المياه ، وتتحكم في الفيضانات في اتجاه مجارى الأنهار والمجاري المائية لوجود نباتات متجذرة بقوة في الأرض، ولأن التربة تمتص مياه الأمطار أثناء سقوطها وتمنع تراكم كميات المياه .

و توفر الاراضي الرطبة  مواد نباتية ومواد عضوية أخرى لتغذية الأسماك التي تعيش في المجاري والمسطحات المائية، حين تنتقل المياه من مناطق غنية بأنواع مختلفة من الحياة النباتية وبالمخلفات العضوية المتحللة، محملة بهذه المواد إلى الأنهار والجداول.

وهناك مشروع (GEMWET Tunisia) بدأ تنفيذه في ديسمبر 2019 يهدف للحفاظ على الأراضي الرطبة في غار الملح  في إطار برنامج الحفظ والتنمية المستدامة للأراضي الرطبة الساحلية ذات القيمة البيئية العالية  . وينفذ المشروع بتنسيق من الصندوق العالمي للطبيعة في تونس وبتمويل من مؤسسة مافا للطبيعة .

 ويهدف المشروع إلى المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية لمنطقة غار الملح من خلال المحافظة على الموارد المتاحة وممارسات الإدارة الجيدة، وتحديد الإجراءات التي يجب تنفيذها للحفاظ على هذا التراث الطبيعي والثقافي الغني  وأفضل الممارسات للسياحة البيئية وإنقاذ النظام البيئي للبحيرة الذي يواجه ضغوطًا متزايدة.

البيئة الساحلية لغار الملح
التهديدات التي تواجه نظام الزراعة الرملية

يتعرض  نظام الزراعة الرملية في الأراضي الرطبة في غار الملح حالياً لتدهور خطير بسبب الأنشطة البشرية بشكل رئيسي، والتي تتفاقم بسبب تغير المناخ.  وتشمل الأنشطة البشرية  إنشاء الميناء الجديد وميناء للصيد وتحويل استخدامات الأراضي غالبًا بسبب زيادة الضغط السياحي ، وخاصة مشاريع البناء غير القانونية والتنمية الساحلية.   

ومن شأن هذه النشاطات أن تؤدي إلى  تدهور نوعية المياه نتيجة تغير تدفقات المياه بين البحر والبحيرة،  والتي تؤثر على عملية الري الطبيعية في حالة المد والجزر،  بحيث تصبح طبقة المياه المالحة فوق طبقة المياه العذبة التي تغذّي النبات.

وتشمل الأنشطة المهددة لنظام الزراعة الرملية في الأراضي الرطبة، بناء السدود وتغيير مسار نهر مجردة باتجاه الجنوب، مما أدي إلى تقليل تدفق المياه العذبة ، فضلاً عن زيادة تصريف المياه العادمة غير المعالجة، الأمر الذي يزعزع بشدة التوازن البيئي الدقيق للبحيرة.

وتتعرض طبقة المياه الجوفية الساحلية في منطقة غار الملح لتسرب المياه المالحة، وللتلوث لعوامل بشرية نتيجة تصريف الملوثات في البيئة والتي يمكن أن تتسلل بعد ذلك إلى موارد المياه الجوفية.  كما أن طبقة غار الملح الجوفية هي طبقة مياه جوفية ساحلية متعددة الطبقات متصلة هيدروليكيًا بالبحر، مما يجعلها عرضة لظاهرة تسرب المياه المالحة.

ويعتمد نظام الزراعة الرملية على توازن هش بين الأمطار والمد البحري، الأمر الذي يعني مواجهة تحديات غير مسبوقة تهدد النظام بسبب عوامل التغير المناخي؛  ارتفاع درجة الحرارة وانخفاض معدلات هطول الأمطار بشكل مؤثر، وارتفاع مستوى سطح البحر عالمياً، والذي يرافق ارتفاع درجات الحرارة. ومن شان تسرب المياه المالحة نحو الحقول الزراعية (القطايع) أن يؤدي إلى تملح التربة، وهذا يعني نهاية هذا النظام الفريد.

توسع المباني على شاطىء سيدي علي المكي

 الزراعة الرملية في تونس  : أنظمة التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية

واجه المزارعون على مر العصور تحديات مثل ارتفاع درجات الحرارة  أو ندرة المياه  أو عدم وجود الأراضي الصالحة للزراعة.  وقد أظهرت  المجتمعات المحلية قدرتها على الصمود، من خلال ابتكار تقنيات زراعية لمجابهة هذه التحديات، مكنتهم من التكيف مع ظروف الطبيعة القاسية، وإنتاج الغذاء والبقاء على قيد الحياة ، ومن مراكمة الخبرات عبر الأجيال. 

وقد تبنت منظمة الأغذية والزراعة في العام 2002 مبادرة للحفاظ على أنظمة التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية (GIAHS)، باعتبارها إرث من أجل المستقبل، و للحفاظ على الممارسات الزراعية التقليدية والمبتكرة.

 تعكس هذه النظم الثقافية الزراعية المبتكرة تطور البشرية وتنوع معارفها وعلاقتها العميقة بالطبيعة.  وتشكل المعرفة والخبرات المحلية المتراكمة في إدارة واستخدام الموارد والتنوع البيولوجي الزراعي ثروة إنسانية ذات أهمية عالمية، تتطلب الحفاظ عليها وتعزيزها، وإتاحة الوسائل بما يسمح له بالتطور.

 ومن السمات الرئيسية لنظم التراث الزراعي (GIAHS) ، أن يكون للموقع أهمية عالمية كتراث من النوع البشري،  وقيمتها الزراعية لتحقيق الأمن الغذائي والمعيشي، وبيئة المناظر الطبيعية التي تعكس التنوع الثقافي البيولوجي، وقدرتها على الحفاظ على الهوية الثقافية والمعارف والممارسات التقليدية المحلية التي تعزز التنمية المستدامة وتسهم في إدارة وتنوع النظم البيئية.

 ويتطلب إدراج أي موقع تراثي على أنظمة التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية ، أن يكون هناك خطة عمل لاستدامة النظام وتحليل للتهديدات والتحديات البشرية والتغيرات البيئية، وما هي السياسات والإجراءات للاستجابة  لها  وكيفية مشاركة  المجتمعات المحلية، فضلاً عن تعبئة الموارد ودعم تنفيذ خطة العمل على محلياً ووطنياً ودولياً.  

وقد تم إدراج نظام الزراعة الرملية الفريد  في 15 يونيو 2020 باعتباره أحد نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية (GIAHS) ، إلى جانب دعمه اشكال من الحياة البرية النباتية والحيوانية ، المستوطنة والمهاجرة.

زاوية سيدي علي مكي على حبل الناضور

شبه جزيرة سيدي علي المكي : من هو سيدي علي المكي

تقع غار الملح قرب رأس سيدي علي المكي الذي يضم زاوية الولي الصالح سيدي علي المكي في أعلى الجبل الذي عاش ودفن فيها. والزاوية هي في الأصل مغارة جبلية في  الغابة وتشرف على مدينة غار الملح ومحيطها،  وجاءت تسمية البحيرة  وراس سيدي علي المكي على إسم هذا الولي الصالح.

أصبح المقام على المغارة الجبلية الذي يضم ضريح  الولي الصالح مزارا للناس لطلب البركة والشفاعة رغم مشقة الوصول إليه عبر طريق غابية وعرة. وقد كان سيدي علي المكي على درجة عالية من الزهد والتقوى، واعتنت الدولة بمزاره الذي بني على مغارته منذ العهد الملكي وصنه ضمن المعالم الدينية. ويشكل ضريح سيدي علي مكي أهمية ثقافية وروحية  لسكان غار الملح.  ويعتقد أن الولي الصالح قد أنقذ القرية من الغزاة،  وكان ضريحه ملاذًا للسكان المحليين يحتمون به من القوات الألمانية المنسحبة.

 وتطل زاوية الولي الصالح في أعالي الجبل على مشهد البحر المتوسط وبحيرة غار الملح وشواطئها ، وعلى قرية غار الملح وعلى عدة جزر  في محيط المنطقة، توفر مشاهد بانورامية لمناظر طبيعية خلابة .

المصادر

https://www.asjp.cerist.dz/en/article/43016

 https://www.fao.org/giahs/background/ar/

https://digital.iucn.org/water/ghar-el-melh-lagoon/

https://www.fao.org/news/story/en/item/1288129/icode/

https://www.ideassonline.org/public/pdf/RamliSystemTunisia-ENG.pdf

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *