معالم حضارية و ثقافية | القرى المعلقة في اليمن … التي تعانق السحاب

القرى المعلقة التي تعانق السحاب

القرى المعلقة  في اليمن:  حضارة ممتدة

كان اليمنيون على مر قرون ممتدة  بناؤون مهرة، ذلك أنهم أهل حاضرة ومساكنهم ثابتة مستقرة حتى الأعراب منهم. وتتباين العمارة اليمنية في ضوء المواد المستخدمة في البناء من البيئة المحلية. ففي  حين يتم استخدام القصب والطين والحجر المرجاني في السهول الساحلية. يشكل الحجر مادة البناء الاساسية في مناطق المرتفعات الجبلية، ويستخدم  الطين المحلي كمادة رابطة في البناء.

 وتُظهر عمارة المباني اليمنية حرفية عالية في استخدام الموارد المحلية من الطين والحجر والتي تم الحفاظ عليه لعدة قرون،  وهناك بنيت أقيمت قبل القرن الثاني عشر الميلادي.  وتكاد العمارةَ اليمنيةَ أن تكونُ العمارةَ العربيةَ الوحيدةَ التي لا تزالُ محافِظَةً على هوِيَّتِها، فقد كانتْ ولا تزالُ،  سِجِلّاً شاهداً عل تاريخٍ عريقٍ وحضارةٍ سامية.

وتتميز العمارة  في التراث الثقافي  اليمني بفنيات وهندسة عمرانية توفر مرونة في هيكلية المباني لمواجهة العوامل الجوية الطبيعية (الحرارة، الأمطار، )  المؤثرة على مواد البناء ، بينما تحقق تماسكاً بين مكونات البناء، باعتباره وحدة بنائية كلية واحدة.  وتبدع المهارات المحلية في إقامة منازل بتصميمات معمارية مقاومة لعوامل التعرية والزلازل من خلال المرونة التي تتيحها استقلالية الوحدة الهندسية لكل ركن من أركان البيت وكذا ترابط الأركان مع الواجهات ترابطا مفصليا فيقاوم الزلزال بحركات طفيفة يحكمها الترابط المرن على عكس القوائم الإسمنتية الثابتة التي تتاثر وقد تتعرض للإنهيار بالإهتزازات الناتجة عن الزلازل .

خريطة اليمن

وتعتبر صنعاء واحدة من أقدم مدن العالم، وهي مأهولة منذ القرن الخامس ق.م على الأقل. وتعكس صنعاء الطابع الحضري للمدن العربية التقليدية ، وتحتوي على العديد من أنواع المباني الفريدة في جنوب شبه الجزيرة العربية.  ويزيد عمر مدينة شبام في حضرموت عن 500 عام، وما زالت مبانيها القديمة مأهولة بالسكان، ولم تحدث أي تغييرات عمرانية في المدينة، وتجري عمليات صيانة تقليدية باستمرار بطرق متوارثة عبر الأجيال.

غير أن العمارة التاريخية القديمة  في صنعاء القديمة، وفي شبام حضرموت، تتعرض لأضرار كبيرة بفعل الأمطار  والفيضانات وعوامل المناخ، وهناك محاولات لإنقاذها بالتعاون مع اليونسكو.

وتشتهرُ اليمن بالمدرجاتٍ الخضراء على الجبالِ التي أقامها اليمنيون بأدواتٍ بِدائِيَّةٍ ، ولكنها فعالة جداً تقنياً، إذ تمتد جدران المصاطب على سلاسل خطوط كنتورية معاكسة للانحدار لحماية التربة من الإنجراف وحفظ رطوبتها.

كما تشتهر اليمن بالقرى المعلقة التي  تتربع  على قِـمَمِ الجبالِ فوق السحابِ  وفي سفوحِ  الجبال . وتضم القرى المعلقة مدينة ثلا في محافظة عمران وقرية الحطيب في محافظة صنعاء،  وقرى على امتداد سلسة جبال حراز ما بين صنعاء و الحديدة  وجبال المحويت شمال اليمن ، وفي محافظتي الضالع وحضرموت جنوباً.

الحطيب على جبال حراز

وتشتهر صنعاء بدار الحجر  في وادي ظهر، والتي أقيمت وسط واحة خضراء على مسافة 15 كم شمال غرب العاصمة صنعاء في أواخر القرن الثامن عشر للميلاد على صخرة جبلية، ترتفع نحو 35 مترا عن سطح الأرض .  وقد تعرضت الدار للدمار مرات عديدة وأعيد ترميمها في ثلاثينيات القرن العشرين على يد الإمام يحيى حميد الدين لتكون مقر إقامته الصيفي، وتحول القصر من بعده إلى موقع أثري سياحي.  ويتكون القصر من سبعة أدوار متناسقة بتصميمها مع التكوين الطبيعي للصخرة التي يقوم عليها أساس البنيان، وتوجد عند بوابته شجرة طالوقة معمرة (جميز أو رُقع Ficus vasta) يقدر عمرها ب 700 عام.

القرى المعلقة  في اليمن

تناولنا في مقالة سابقة في المساكن الحفرية في مطماطة في تونس وفي غريان في ليبيا  ، والتي يتم إقامتها في مناطق تتميز أراضيها بوجود صخور رسوبية جيرية.  ويجري شق حفرٍ عميقة وواسعةٍ في الأرض قد يصل عمقها إلى 15 م، وحفر كهوف في الصخور حول هذه الحفر، في عمق الصخور الرسوبية الجيرية اللينة لتشكل غرفٍ للنوم والمعيشة ومرافق عامة.  وتشكل الحفرة الكبيرة حوش أو فناء المسكن ، وتُطلى جدران الفناء باللون الأبيض.

مقالات ذات صلة

تونس وليبيا | المساكن الحفرية في مطماطة وفي غريان

قرى تعانق السحاب

ونتناول في هذه المقالة إنشاء المنازل في القرى المعلقة في  اليمن.  وتشتهر اليمن بالقرى المعلقة على روؤس الجبال التي تعانق السحاب، مع ترك الكثير من المساحات للمحاصيل. وتكثر هذه القرى غربي صنعاء على قمم جبال حراز ، وفي جبال المحويت شمال حراز وجبال ريمة جنوب حراز على امتداد جبال محافظة الحديدة غرباً.  كما توجد القرى المعلقة في اليمن في جبال تعز ، وفي جبال شهارة في عمران شمالاً ، وفي حضرموت في جنوب اليمن.

وتتشابه تضاريس وطبيعة المناخ في هذه الجبال حيث تتسم بطقس بارد شتاء ومعتدل صيفا، وتهطل عليها الأمطار في فصلي الصيف والخريف. وهي عبارة عن مرتفعات وقمم جبلية عالية تكسو سفوحها المدرجات الزراعية.  وتتسم بعض القرى المبنية في  أعالى جبال اليمن، بأنها  أعلى من سحابها.

وتوجد معظم هذه القرى في منطقة مَناخة في منطقة جبال حَراز ، على مسافة 90  كم غرب صنعاء. وتعتبر جزءا من سلسلة  جبال السرات الغربية  المحاذية للبحر الأحمر.  وقد نشأ عدد كبير من القرى على قمم هذه الجبال وفي سفوحها بهندستها المعمارية المميزة ، حيث ما زالت مبانيها قائمة منذ قرون،  وبُني بعض منها منذ القرن 11 الميلادي. 

وقد اكتسبت هذه المنطقة الجبلية مكانة استراتيجية في عهد المملكة الحميرية، في عصور ما قبل الإسلام، وفي عهد الأسرة الصليحية بعد القرن الحادي عشر وذلك بسبب موقعها بين سهل تهامة الساحلي المحاذي للبحر الأحمر  وصنعاء، حيث كان جبل «حَراز» نقطة توقف مهمة للقوافل التجارية عبر التاريخ، من الشام إلى مكة وجازان في إقليم الحجاز ، مرراً إلى صنعاء.  

وتشتهر في جبال حراز قرية الحطيب ، التي بُنيت على سفح جبل مرتفع جدا على ارتفاع 3200 متر فوق سطح الأرض ،  حتى أن السحب تجري وتتساقط الأمطار من تحتها . وتتسم بطقس دافئ ومعتدل ، يكون جوها بارد جداً في الصباح الباكر في فصل الشتاء ، ولكن شروق الشمس يجعل جوها دافئاً نهاراً.    

أقيمت قرية الحطيب على منصة على منطقة صخرية  من الحجر الرملي الأحمر على قمة منحدر، حيث تطل على مشاهد طبيعية مميزة. وشيدت المنازل المرتفعة في الحطيب باستخدام حجارة سوداء اعلى الصخر وبدون أساسات. وقد جرى بناء القرية في القرن الحادي عشر الميلادي كمعقل لآل الصليحي تُحيط به أسوار عالية.  و تجمع القرية حالياً بين الطابع المعماري القديم والحديث وسمات الريف والحضر.  وقد شق السكان المحليون الطرق ، ومهدوا الشوارع ، دون الإضرار بالبيئة الطبيعية.

ويسكن قرية الحطيب الطائفة الإسماعيلية، البهرة  أو المكارمة الذين يشتغلون بالتجارة،  حيث تعود نسبتها إلى المكرم زوج الملكة أروى.  ويقع في القرية ضريح (مزار) حاتم محيي الدين الداعية الفاطمي الذي توفي في عام 1200 تقريباً ، ويتوافد عشرات الآلاف من أتباع البهرة لزيارته سنوياً،  والمدرسة الإسماعيلية التي يتعلم منها «البهرة» عقيدتهم.

ووقد أدرجت قرية الحطيب في القائمة المؤقتة لليونسكو للتراث العالمي، في عام 2002  في الفئة المختلطة الثقافية والطبيعية كموقع له وللبيئة المحيطة بها قيمة عالمية استثنائية، والتي  تضم جبال حرز ومناخة وغيرها، والقرى المعلقة على الجبال  المطلة على المدرجات الزراعية (المصاطب، الشِعاب) في سفوح جبال مناطقهم الريفية منذ قرون ممتدة، التي عُرفت منذ القدم بإنتاج أجود أنواع البن اليمني والتي تُزرع أشجارها في وديانها.  ولا يزال ينتظر من حكومة اليمن استكمال البيانات اللازمة تقديمها إلى لجنة التراث العالمي لإدراجها  قائمة اليونسكو للتراث العالمي . و القائمة المؤقتة هي  بيان حيثيات إدراج الموقع  قي قائمة اليونسكو للتراث العالمي التي تنوي كل دولة تقديمها أجل ترشيح الموقع.  وتُشجع الدول المعنية على تقديم طلبها ، وبيان الموجودات التي تعتبرها تراثًا ثقافيًا و / أو طبيعيًا ذو قيمة عالمية استثنائية وبالتالي تؤهلها  للإدراج في قائمة التراث العالمي.

 وأقيمت قرية الهجرة في جبال حراز  أيضاً في عهد الدولة الصليحية على حافة هضبة شديدة الانحدار ترتفع 2200 م.  وتقع الهجرة على مسافة 5 كم غرب مدينة مناخة وعلى مسافة 115 كم  غرب صنعاء.  وشكلت القرية حصناً منيعاً، حيث لا يوجد لها سوى مدخل واحد.  وترتفع منازل قرية الهجرة  لما يصل إلى 5 طوابق، وهو ارتفاع كبيراً قياساً على زمن بناءها والمواد المستخدمة فيها. وتنافس الهجرة قرية شبام حضرموت في ارتفاعات المباني.

وتضم جبال حراز أيضاً عدداً من القرى  المقامة على قمم الجبال والتي تنتشر المدرجات في سفوحها، وقد أقيمت منذ عهد الدولة الصليحية ، و هذه المجموعات المعمارية والمدرجات والقرى معرضة للخطر.  وتشمل هذه القرى كاهل  والزياح والشارقة وجبل شقروف، التي تضم حصن جبل شقروف، والمحمدي واكمة والصنصل وصعفان وحصن بيت المدعي. 

وبالمثل، هناك قرى كثيرة تقع على جبال محافظة المحويت المعتدلة المناخ في الشمال الغربي من العاصمة صنعاء. وتشكل هذه الجبال مساقط للمياه لعدد من الاودية الكبيرة التي تصب في السهل الساحلي، وتعتبر من اخصب المناطق اليمنية وهي موطن زراعة اشجار البن والتبغ وانواع الفواكه، وتكتسب هذا الجبال ومدرجاتها بساطاً اخضر خلال فصل الصيف . وتضم هذه الجبال عدد من القرى المعلقة فوق الجبال ومنها، قرية الرخام على جبال ملحان ، وشبام على جبال كوكبان وقرى روحان والطويلة والزكاتين والريادي وحصن بيت شوتر و بيت الجرعي وحصن المصرع وقرية قدحة

وهناك قرى معلقة غربي جبال حراز على امتداد جبال محافظة الحديدة تضم قرى مبعورة والنتشة والآجور والمرخام وحضن في برع بالحديدة

جسر شهارة

وهناك قرى على قمم الجبال في شهارة في محافظة عمران، شمال صنعاء، والتي تشتهر بجسر شهارة للمشاه، الأقدم في الجزيرة العربية وتضم قرية قفلة الصوان وترتفع أكثر من 2500 م. ومن القرى المقامة على قمم الجبال قرية القلة (والتي تعني حرفياً قمة الرأس) في مديرية حيفان في محافظة تعز  جنوب صنعاء.

ويضم جنوبي اليمن قرى معلقة  في جبال يافع والضالع على امتداد الهضبة اليمنية، حيث تضم محافظة حضرموت مدينة فريدة وهي الهجرين.  وتقع الهجرين في بداية وادي دوعن الشهير بعسل دوعن، على مرتفع صخري مشرف على جانبي مدخل الوادي، وهي أجمل مدن الوادي .  يبلغ ارتفاع المرتفع الصخري حوالي الف متر، وتكاد تكون المدينة الأكثر ارتفاعاً في دوعن،  وتبدو وكأنها جزيرة حيث تتربع فوق جبل كحصن منيع. والهجرين واحدة من أعرق مدن حضرموت التاريخية والثقافية فهي حاضنة الشاعر الجاهلي المعروف امرئ القيس الكندي أحد رموز الحضارة القديمة.

وهناك عشرات القلاع والحصون على اعالي قمم الجبال في المحافظات اليمنية ومنها قلعة القاهرة على مرتفع صخري لجبل صبر  ثاني أعلى جبل في اليمن والجزيرة العربية (3070 م)، وهو يطل على مدينة تعز.  ويعتبر جبل النبي شعيب (جبل حضور) الذي يقع في قمته قبر النبي شعيب، ويبلغ ارتفاعه 3760م، أعلى جبال شبه جزيرة العرب. وهناك منشآت سياحية مثل منتزه السكون في قرية الحنان في أعلى قمة جبل يشرف على منخفض وادي وقلعة المقاطرة في محافظة تعز ، وجاء نصفه منحوتاً في الجبل وتم كل شيء بداخله من صخر الجبل.

 العمارة اليمنية

تنظم المباني اليمنية في التجمعات المقامة على المنحدرات الجبلية بطريقة متوازية ومصفوفة بجانب بعضها أو متلاصقة.

ويتخذ سكان المناطق الجبلية المرتفعة أسلوب الجدران السميكة في البناء من الحجارة المستخرجة من الجبال، حيث يتم نحتها ونقشها ، وتحمي الحجارة المباني من البرودة وتساعد على خفض الحرارة.   ويوجد في جبال اليمن عدة أنواع من الأحجار الملائمة للبناء والتشييد ، ومنها الأحجار البركانية (الحبش الأسود) الصلبة وسهلة التشكيل والملائمة للبناء وتشييد المباني المرتفعة، والأحجار البيضاء والملونة، المستخدمة في تزيين واجهات المباني الكبيرة  وإطارات النوافذ والأبواب.

وتختلف نوعية الأحجار المستخدمة في البناء من منطقة إلى أخرى، حيث تتوفر في بعض المناطق أحجار سوداء وزرقاء تمتاز بطولها الذي يصل إلى أكثر من ثلاثة أمتار، إضافة إلى أشكالها ذات الأضلاع الرباعية والخماسية، والتي توفر على البنائيين عناء التشذيب والتشكيل (شكل 8 : قطع ونقل الصخور)، بالمقابل تتوفر في بعض المناطق أحجار بيضاء.

و يستخدم السكان في المناطق المنخفضة والساحلية الطين المتوفر في البيئة بسبب خصائص العزل الحراري العالية صيفاً وشتاء. وقد يُخلط الطين مع القش أو التبن لتشكيل وحدات بناء، ويسمى في هذه الحالة لِبناً أو طوباً بعد تجفيفه بالشمس (الياجور)، أو يتم حرقه بأفران خاصة، ويسمى في هذه الحالة بالطوب الآجر، وهو باللون القرميدي الذي نراه كثيرا في صور المباني اليمنية التقليدية. ويستخدم الخشب كمادة إنشائية أساسية كعوارض للأسقف. ويستخدم الطين بعد ذلك كمادة رابطة في البناء ، وفي تغطية الأسقف الخشبية في المباني والعناصر الخشبية في الجدران.    وقد يستخدم القضاض، لتغطية أسقف المباني،  وهو خليط من الجير المطفأ ومطحون صخور النيس والجص ، ويصبح صلباً كالاسمنت عندما يجف، ويمنع تسرب المياه من خلاله.

وتُعد الأساسات وفق ارتفاع البناء المراد بنائه،  وتوضع الصخور والطين والأسفلت. وتبنى الجدران القوية باستخدام النورة، وهي الجير المطفأ أو الشيد. وكثيرا ما تستخدم الأحجار في الطوابق السفلى لتقاوم الرطوبة وتحمل الضغط الناتج عن الطوابق العليا، بينما تبنى الطوابق العليا  من الطوب (الياجور) للتخفيف من الحمل على اساسات البناء، والحفاظ على الحرارة المكتسبة من الشمس لتدفئة المنزل، وخصوصاً في ايام الشتاء، حيث يمتاز الياجور بأنه يكسب الحرارة بسرعة ويفقدها ببطء،  فضلاً عن كلفته المتدنية مقارنة باستخدام الاحجار وسهولة تشكيله وزخرفته لتزيين واجهة المبنى.

وكانت المنازل القديمة تُبنى من عدة طوابق بحسب الإمكانيات المادية لصاحبها،  ويطلق على البناء العالي المرتفع كلمة صرحن ، (أي الصرح).  ويشار إلى السلالم التي تقود إلى الطوابق العليا بكلمة علوه،  وتكون الغرف في الغالب  ذات أحجام متوسطة.  وينظر المعمار اليمني للواجهة الجنوبية للمنزل (العدنية كما تُسمى) باعتبارها أكثر عرضة للشمس طوال النهار مما يجعلها أكثر دفئاً في فصل الشتاء القارس البرودة في صنعاء، ولذلك تغلب إقامة غرف المعيشة في هذه الواجهة، بينما تكون الواجهة الشمالية في الواجهة الظلية، وتكون بالتالي أكثر برودة شتاء، ولذلك تضم الغرف الأقل استخداماً، والمطابخ و دورات المياه.

وتتسم المنازل اليمنية بوجود النوافذ الصغيرة التي لا يزيد حجمها عن نصف متر مربع في الطوابق الدنيا.  وتشتهر المنازل اليمنية بالقمرية، وهي فتحات زجاجية نصف دائرية أو مقوسة في أعلى النوافذ الرئيسية، او منافذ مستقلة في الصالات أو السلالم،  لتوفير الإضاءة داخل المنازل ، ولذلك، تسمى محلياً بالمصبح.

ومن السمات البارزة للنمط المعماري اليمني ايضاً الإستخدام الواسع للأقواس أو العقود الحجرية على الأبواب الرئيسية والنوافذ وأسقف السلالم،  أو كقناطر وجسور للعبور تربط بين مبنى وأخر لتسهيل التنقل أو نقل المواد الغذائية بينها.  واستخدام الأقواس شائع في العمارة الإسلامية ، ذلك أن العقود الحجرية تتميز بقوة مقاومتها الطبيعية الكبيرة نظراً لترابطها وقدرتها العالية على على نقل وزن البناء وأحماله (طبقات البناء ..) أفقياً عبر منحني القوس الى اساسات المباني في كل نهاية، الأمر الذي تثبته قدرة هذه المباني (والجسور والسدود..) على التماسك وتحمل العوامل الطبيعية والمناخية لمئات السنين.

ويخصص الطابق الأول،  والذي يسمي محليًا بـ السّفِل أو الحضير كحظيرة للأبقار والمواشي التي لا تخلو بيتٍ من وجودها، و يخصص الدور الثاني للمعيشة كـحُجرات للنوم وتناول الطعام.

 وقد حرص القدماء على بناء غرفة بجوار المنزل تسمى سقيفة، يتم فيها طبخ الطعام بالطريقة البدائية على الحطب، إضافة إلى طهي الخبز باستخدام التنور التقليدي.  وجاء هذا التقليد في بناء المطبخ في مكان مستقل عن المنزل، سعياً لتجنيب المنزل وساكنيه من الدخان الكثيف الذي ينتج عن عملية طهي الطعام والخبز على النار.

 في حين يخصص السكان الطابق الثالث الذي يتميز بنوافذ وغرف أوسع من الطابقين الأول والثاني، لاستقبال الضيوف ودواوين المقيل التي تسمى بالمِفرَج  (من الفعل يتفرَّج )، حيث أن ارتفاعها يتيح لسكان المنزل وللضيوف الاستمتاع بالمشاهد المحيطة بالمنزل.

 وقد ساعد توفر المواد الحديثة المستخدمة في البناء على الدمج بين تقنيات البناء القديم والجديد. وشمل التغير في أسلوب العمارة في المدن اليمنية تراجع كبير في استخدام الطين والخشب في البناء لحساب استخدام الخرسانة المسلحة، ويشمل ذلك القمريات، التي استبدلت في المدن بنوافذ الألومنيوم .

القرى المعلقة  في اليمن : العمارة اليمنية

تتمثل عناصر الثقافة في بعض جوانب السلوك الإنساني، والممارسات الاجتماعية (التراث الثقافي غير المادي) مثل العادات والتقاليد والمعتقدات واللغة والأدب و الأغاني والموسيقى و الرقص والجانب المعرفي في تقنيات الطبخ والهندسة المعمارية. كما تتمثل عناصر الثقافة المادية في المواد الغذائية والملابس ومواد البناء وادوات الطبخ وأعداد الملابس وادوات البناء والزراعة.   

وتعكس حياة السكان في القرى المعلقة عناصر الثقافة المادية وغير المادية، حيث تتجلى قدرتهم على تعزيز بيئتهم بشكل مثالي،  تُجسد الحاجة لضمان الدفاع عن المنطقة مع ترك أكبر مساحة ممكنة للمحاصيل. وكل تجمع سكاني محمي فيما يشبه الحصن، وتشكل البيوت نفسها الأسوار ، وهذه التجمعات مزودة بواحد أو اثنين من البوابات التي يسهل الدفاع عنها.

وتحقق حياة السكان درجة عالية من الاكتفاء الذاتي من خلال تاسيس وحدات إنتاج زراعية عائلية توفر احتياجات الأسرة من  المحاصيل الزراعية وتريبة الحيوانات، وخاصة الجاموس والماعز، وتستهلك العائلة معظم ما تنتجه من محاصيل، وقد تبيع الفائض عن حاجاتها للسوق المحلية، لتسهم في تغطية حاجاتهم من المواد والسلع الأخرى التي يحتاجونها .

وتقوم العمارة اليمنية على استخدام مواد البناء من البيئة المحلية. ويقوم السكان المحليين بقص ونحت  وتشذيب صخور الحجر الرملي أو البازلت يدوياً بأشكال هندسية لأغراض استخدامها في عمارة المنازل . ويجري نقل  الصخور على الأكتاف على مساند ظهرية، أو بواسطة مجموعات من عدد من الأشخاص، وقد تستخدم الحيوانات لنقل الصخور من مسافات بعيدة في طرق جبلية وعرة بجهود شاقة، وباستخدام أدوات بدائية. ويستخدم الطين والقش كمواد رابطة في البناء، وفي الصيانة المستمرة داخل وخارج المنازل.  وتتناسب المنازل مع البيئة الطبيعية، بحيث يصعب تمييز أين تنتهي الصخرة وأين تبدأ منازل القرية، وتقدم الحجارة  واحدة من أروع الأمثلة على فن العمارة الجبلية في اليمن.  

وتقسم سفوح الجبال حول القرى إلى مدرجات أو مصاطب بمساحات تتناسب مع طبيعة انحدار الجبال، تحدها جدران على خطوط تتعاكس بدقة مع الإنحدار (خطوط كنتورية) بارتفاعات  متفاوتة.  وتستخدم الأرض لزراعة البرسيم للماشية والدخن والذرة والعدس والقهوة والقات.  وتستخدم الأعشاب كعلف للحيوات، ومادة للبناء، وفي عمل الحبال ، وكوقود لإعداد الخبز والطعام. 

ويتم طحن الحبوب باستخدام مطاحن حجرية في المنازل ( المرحاه ، المرهاه، الرحى، المدوم..)، ويعد الخبز في أفران منزلية.  وتستند المواد الغذائية على منتجات الزراعة ومنتجات الألبان.  وتخزن المياه في أبار  للمياه أو تنقلها النساء من عيون المياه في الوديان أو على ظهور الحيوانات.

المصادر

https://cals.arizona.edu/OALS/ALN/aln28/jeffery.html

https://whc.unesco.org/en/tentativelists/1722

https://www.yemeress.com/algomhoriah/2187275

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *