السكان في بلاد العرب | اتجاهات النمو السكاني عالمياً وعربياً حتى عام 2100  (2)

اتجاهات النمو السكاني عالمياً وعربياً حتى عام 2100

تناولت المقالة الأولى ” سكان الوطن العربي في عام 2019 … أداة وهدف التنمية” دور النمو السكاني في التنمية الإقتصادية ومفاهيم في علم السكان (الديموغرافيا) وتطور عدد السكان والنمو السكاني في العالم العربي، وارتفاع عدد السكان من 428  مليون نسمة في عام 2019  مقابل 77  مليون نسمة عام 1950 وقد بلغت نسبة النمو السكاني للعالم العربي 2.52% خلال الفترة 1950– 2019.

وقد ارتفع عدد السكان العرب بمعدل زيادة سنوية  2.55%   خلال الفترة 1950-1975 و معدل  2.75% خلال الفترة 1975-2000 .  غير أن تحولاً كبيراً قد طرأ على نسبة الزيادة السكانية بعد العام 2000، حيث انخفض المعدل إلى 2.18% خلال الفترة 2000- 2019،  وهو ما يتمشى مع الإنخفاض العالمي في معدلات النمو السكاني، وبلغت نسبة النمو السكاني 1.91% في عام 2019 .

ويرجع إنخفاض  معدل النمو السكاني إلى ارتفاع مستويات التعليم العامة،  وللإناث بصورة خاصة وإلى دخول المرأة إلى سوق العمل، وللأعباء الإقتصادية المتزايدة على الأسر وتوفر وسائل تنظيم الحمل ونشاطات التوعية الصحية التي تدفع لخفض معدلات الإنجاب  .

وتتناول المقالة الثانية اتجاهات النمو السكاني عالمياً وعربياً حتى عام 2100 في ضوء نتائج دراسة حديثة صدرت في 14 تموز يوليو لعام 2020  عن جامعة ولاية واشنطون  في الولايات المتحدة بتمويل من مؤسسة بيل وميلندا جيتس، وضمت  195 دولة، ونشمل جميع دول العالم العربي.  وقد جاءت نتائج هذه الدراسة في ضوء سيناريو مرجعي وآخر بديل لأعداد السكان وفق وتيرة التغيير في التحصيل العلمي ومدى توفر موانع الحمل بين عامي 2017 و 2100.

وسيكون من شأن التحولات السكانية الكبيرة في العالم  انعكاسات اقتصادية واجتماعية وبيئية وجيوسياسية عميقة في العالم، واهمية بالغة للعالم العربي تتطلب اهتمام المثقفين واصحاب القرار في جميع المجالات. 

اتجاهات النمو السكاني: السكان والتنمية

تعتبر إشكالية السكان والتنمية أحد موضوعات البحث الهامة لدى مؤسسات التنمية والباحثين لدراسة العلاقة بين النمو السكاني والاقتصادي. وهناك من يرى بأن النمو السكاني يمكن أن يساهم إيجابياً في النمو الاقتصادي العام (مجموعة البريك ؛ الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا)، ولكن الرأي الأكثر شيوعاً  حول الدول النامية (مصر والباكستان ..) هو أن هناك علاقة عكسية بين النمو السكاني والنمو الاقتصادية.

ولكن العلاقة بين السكان والتنمية لا تندرج في إطار ثنائية الأبيض والأسود، إذا توصلت دراسة جرت في عام 2011  شملت 90 دولة خلال الفترة 1980-2010، وأيدت نتائجها دراسة جرت في عام  2017  وشملت معظم دول العالم واعتمدت على بيانات تاريخية تمتد إلى 200 عام (1820-2010) أن من شأن النمو السكاني المنخفض في البلدان ذات الدخل المرتفع أو النمو السكاني المرتفع في البلدان المنخفضة الدخل أن يؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي الكلي والنمو في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي  وخلق مشاكل اجتماعية واقتصادية كبيرة.

​​ويكون  النمو السكاني بنسبة معتدلة (2%) مفيداً، عند اتباع سياسات تعليمية تؤدي إلى نجاح مؤسسات التعليم العالي في تأهيل وتدريب خريجيها على مهارات متقدمة في الإدارة والعمل والإنتاج والتي تتطلبها مراحل التنمية المختلفة، وتشجيع تبني تقنيات حديثة في الإنتاج.

وينمو عدد سكان العالم حالياَ ببطء أكبر وتتزايد نسب الفئات العمرية الأكبر عمراً. ويعكس هذا الاتجاه الإنجازات التي حققها العالم في مجالات التنمية؛  تحسين التعليم للمرأة ومشاركتها في سوق العمل؛ وخدمات الصحة ورعاية الأمومة وتوفير وسائل تنظيم الإنجاب ووزيادة توقع العمر.


مواضيع ذات صلة

سكان العالم العربي 2021 | ملامح من ديمغرافيا بلاد العرب

سكان الوطن العربي في عام 2019 … أداة وهدف التنمية  (1)

اتجاهات النمو السكاني: مفاهيم في علم السكان (الديموغرافيا)

تتوقف الزيادة في حجم السكان على معدلات النمو السكاني التي ترتبط بالخصوبة والوفيات والهجرة. ويمثل معدل النمو السكاني Population growth النسبة المئوية لعدد الأفراد الذين تمت إضافتهم (أو طرحهم) إلى عدد السكان في السنة. ويشمل عدد الأفراد الزيادة الطبيعية  (معدل المواليد – معدل الوفيات) والهجرة الصافية من بداية الفترة الزمنية.  وكان متوسط ​​المعدل العالمي للزيادة الطبيعية في عام 2016 هو 1.07٪.

ويقيس  معدل الخصوبة الكلي Total fertility rate متوسط عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة في فترة حياتها الإنجابية كاملة.  ويتم حسابه بقسمة عدد المواليد خلال سنة معينة على عدد النساء بين 15 و 49 عاما في نفس السنة.

ويقيس معدل الاستبدال Replacement rate عدد الأطفال الذين سيتعين على الزوجين إنجابهم على مدار سنوات الإنجاب من أجل استبدال أنفسهم ويساوي 2.1 طفل لكل زوجين وفق الأمم المتحدة، على افتراض أن يعيش الأطفال حتى نهاية سنوات الإنجاب، وتكون نسبة النمو السكاني صفراً في هذه الحالة. وتحتاج الدول (النامية) التي تكون معدلات وفيات الأطفال فيها مرتفعاً إلى معدل خصوبة أعلى حتى تضمن عملية استبدال الزوجين عندما عتمد سياسة المحافظة على عدد السكان.

ويقل معدل الخصوبة عن طفلين في لبنان والإمارات وقطر والكويت والبحرين، وهو أدنى من معدل الإستبدال. ولكن معدل الخصوبة في عام 2019 كان لا يزال مرتفعاً في الدول العربية الكثيفة السكان. وكان هذا المعدل؛  4.43 طفل في السودان و4.27 طفل في العراق و 3.84 طفل في اليمن، و 3.12 طفل في مصر و 2.4 – 3  طفل في المغرب والسعودية وسلطنة عمان والجزائر وسوريا، وهذه المعدلات بعيدة عن المعدل العالمي للإستبدال 2.1 %.

ويكون نمو السكان موجباً عندما يكون معدل الخصوبة الكلي أعلى من معدل الاستبدال (2.1)، ويكون سالباً إذا كان معدل الخصوبة أقل من معدل الاستبدال. وتلعب معدلات الهجرة (من أو إلى الدولة) دوراً في النمو السكاني في دول مثل كندا والولايات المتحدة والدول التي تستقبل المهاجرين في أوروبا مثل ألمانيا وفرنسا واليونان وبريطانيا.

 اتجاهات النمو السكاني عالمياً

تقوم جهات دولية بوضع تقديرات لأعداد السكان في العالم مثل مركز فيتجنشتاين Wittgenstein Centre في النمسا في عام 2013 و البنك الدولي  في عام 2014 و شعبة السكان في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة في عام 2015.   وقد صدر تقرير حديث في يوليو تموز 2020 يتضمن تقديرات السكان 2017-2100، من معهد القياسات الصحية والتقييم المتخصص في البحوث العالمية في سياتل في جامعة ولاية واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية (دراسة جامعة ولاية واشنطون فيما بعد) ، وبتمويل من مؤسسة بيل وميليندا غيتس.

وتختلف هذه المؤسسات في منهجياتها في تقديرات السكان، ولكن، بغض النظر عن النماذج الرياضية التي تستخدمها، فإنها تقوم على عوامل معدل الخصوبة والهجرة ومعدلات الوفيات والتحصيل التعليمي للإناث وتوفر وسائل منع الحمل.

وسيكون من شأن التغييرات السكانية العالمية والهياكل العمرية وفقاً لنتائج هذه الدراسات، إحداث آثار اقتصادية واجتماعية وجيوسياسية عميقة في العديد من دول العالم والعالم العربي. وتهدف هذه التقارير إلى تفهم هذه التغييرات وتسليط الضوء على تقديرات السكان  في دول وأقاليم العالم،  وتتضمن مؤشرات اجتماعية تتناول توقعات السكان حسب الفئات العمرية والجنس و تقديرات لاتجاهات الخصوبة والوفيات والهجرة الدولية وشيخوخة السكان. وتشكل هذه المعلومات القاعدة اللازمة لتصميم وتنفيذ خطط التنمية لتحقيق التنمية المستدامة وتحديد احتياجات الموارد والرعاية الصحية في ظل هياكل عمرية متغيرة.

ويكتنف هذه التقديرات درجة من عدم اليقين نتيجة تباين منهجيات التقدير والتنبؤ واختلافات مهمة في التوقعات السكانية العالمية،  ولذلك، تأتي هذه التقديرات للمتوسطات في حدود فترات ثقة بنسبة 95%.

 اتجاهات النمو السكاني عالمياً : تقديرات أعداد السكان في العالم للبنك الدولي و الأمم المتحدة

شهد عام 2012 نقطة تحول في الاتجاهات الديموغرافية العالمية ، حين أخذ  النمو السكاني في التباطؤ بشكل ملحوظ. ورغم أن بعض الدول (النامية) لا تزال تشهد مستويات عالية من الخصوبة والنمو السكاني، فإن معدلات الخصوبة انخفضت في بلدان أخرى إلى ما دون مستويات الإستبدال، ومنها دول هامة في عدد السكان مثل الصين والبرازيل وإندونيسيا (جدول 1).  ومن المتوقع أن يشهد العالم تزايداً في نسبة الفئة العمرية المتقدمة في العمر (> 64 عاماً)، وانخفاضاً في الأعداد الكلية للسكان في العقود القادمة بحيث يتحول الهيكل العمري للسكان من الشكل الهرمي إلى الشكل الصندوقي المربع.  

وينمو عدد سكان العالم حالياَ ببطء أكبر وتتزايد نسب الفئات العمرية الأكبر عمراً.  وقد انخفض معدل الخصوبة في جميع مناطق العالم تقريبًا في السنوات الأخيرة ، حتى في أفريقيا حيث لا تزال مستويات الخصوبة أعلى من أي منطقة رئيسية.

وقد شهدت الهند انخفاضاً سريعاً في معدل الخصوبة من متوسط ​​6 أطفال إلى 2.4 طفل لكل امرأة مما يعني أن نموها السكاني قد انخفض بشكل كبير على مدى العقود القليلة الماضية،  رغم انها ستضم اكبر عدد سكان في العالم بدءً من عام 2027.

ومن شأن هذه التحولات السكانية أن تؤدي إلى تغيرات في البنية العمرية بحيث تتضاعف نسبة الفئة العمرية 60 عامًا أو أكثر بين عامي 2015 و 2050 وإلى بلوغها أكثر من ثلاثة أضعاف بحلول عام 2100.  وستبلغ هذه النسبة في عام 2050 أكثر من 34 ٪ من السكان في أوروبا ، وترتفع من 12٪ إلى أكثر من 25٪ في أمريكا اللاتينية وآسيا ومن  5٪ إلى 9٪ في إفريقيا.

وقد جاءت هذه التحولات في ضوء الإنجازات التي حققها العالم في مجالات التنمية؛  تحسين التعليم للمرأة ومشاركتها في سوق العمل؛ وخدمات الصحة ورعاية الأمومة والإنجاب؛ وزيادة توقع العمر وانخفاض وفيات الأطفال.

وقد نشرت الأمم المتحدة تقريراً حول “التوقعات السكانية في العالم: تنقيح عام 2015” ، وهي الجولة الرابعة والعشرون من التقديرات والتوقعات السكانية الرسمية للأمم المتحدة منذ عام 1951 والتي أعدتها شعبة السكان في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة.

ووفق تقرير الأمم المتحدة، فإن من المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم من 7.3 مليار في عام 2015 إلى 8.5 مليار بحلول عام 2030 ، و إلى 9.7 مليار بحلول عام 2050 ، وإلى   11.2 مليارًا في عام 2100.

وتتماشى هذه التوقعات مع تقديرات البنك الدولي في عام 2014 في وصول سكان العالم إلى 9.48 مليار بحلول عام 2050 وإلى  11 مليارًا في عام 2100.

في عام 2015، كان 9.1% من سكان العالم تحت سن 5 سنوات، و 26.1% دون سن 15 عاماً، و 12.3% 60 عاماً أو أكثر و 1.7% 80 عاماً أو أكثر. ويعيش 60% من سكان العالم في آسيا، و 16% في أفريقيا، و 10% في أوروبا، و 9% في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، ويعيش باقي سكان العالم  5% في أمريكا الشمالية واستراليا.

ومن المتوقع أن يحدث أكثر من نصف النمو السكاني العالمي في الفترة من الآن وحتى عام 2050 (من 7.3 مليار إلى 9.7 مليار) ، في أفريقيا التي تشهد أعلى معدل للنمو السكاني (2.55 % سنويًا في 2010-2015 )، وتأتي معظم الزيادة الأخرى  من آسيا.

وشملت التوقعات تفوق الهند على الصين كأكبر دولة من حيث عدد السكان في عام 2022 (وعدل إلى 2027) واللتان تضمان %37 من سكان العالم، وأن تصبح نيجيريا ثالث أكبر دولة  في عام 2050 ، وتليها الولايات المتحدة وإندونيسيا وباكستان والبرازيل والكونغو وإثيوبيا والتي ستضم أكثر من نصف الزيادات السكانية (باسثناء الصين). ومن المتوقع أن يكون عدد سكان أوروبا أقل في عام 2050 مقارنة بعام 2015، وينخفض من 747 مليون في عام 2019 إلى 630 مليون في عام 2100.

اتجاهات النمو السكاني عالمياً : تقديرات دراسة جامعة ولاية واشنطن

تبنت دراسة جامعة ولاية واشنطون  والتي ضمت 195 دولة وتشمل جميع دول العالم العربي، سيناريو مرجعي وآخر بديل لأعداد السكان بين عامي 2017 و 2100 في ضوء وتيرة التغيير في التحصيل العلمي ومدى توفر موانع الحمل.

وجاء في توقعات الدراسة، أن معدل الخصوبة الكلي العالمي سيصل إلى 1.66 في عام 2100 في السيناريو المرجعي،  مقابل قرابة 2.5 طفل في عام 2017.

وفي هذا الإطار تتوقع الدراسة أن يبلغ عدد سكان العالم ذروته في عام 2064 عند 73. 9 مليار نسمة، ثم يتراجع في عام 2100 إلى 8.79 مليار. وتتقارب هذه النتائج مع التوقعات التي توصل إليها مركز فيتجنشتاين  في عام 2013.

ويقل هذا التقدير لعدد سكان العالم بأكثر من 2 مليار عن توقعات الأمم المتحدة والبنك الدولي لعدد السكان في عام 2100.

ويتوقع وفق نتائج دراسة جامعة ولاية واشنطون للسيناريو المرجعي، تراجع عدد سكان الصين من 1412 مليون نسمة في عام 2017 إلى 732 مليون نسمة في عام 2100، وستحتل الهند حينها مركز أكبر دول العالم من حيث عدد السكان (1093)  كما يبين جدول 1 .

وجاء في نتائج الدراسة أن  الهند  (1.09 مليار) ونيجيريا (791 مليون) والصين (732 مليون) والولايات المتحدة (336 مليون) وباكستان (248 مليون) ستحتل المراكز الخمسة الأولى في عدد السكان في العالم في عام 2100 وفق السيناريو المرجعي.

وتتوقع النتائج تغير في الهيكل العمري في أجزاء كثيرة من العالم ، حيث يتوقع أن يبلغ عدد الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا 2.37 مليار، بينما يبلغ عدد الأفراد أقل من 20 عامًا 1.7 مليار في عام 2100.

وجاء في نتائج الدراسة أنه سيكون لدى 151 دولة معدل خصوبة  أقل من مستوى الإستبدال (2.1)  في عام 2050 ، وسيصل عدد هذه الدول إلى 183 دولة بحلول عام 2100.

ويتوقع في السيناريو المرجعي انخفاض عدد السكان بنسبة أكبر من 50 ٪ في 23 دولة بين 2017 إلى 2100 .  ومن بين هذه الدول اليابان وإيطاليا وإسبانيا وكوريا الجنوبية (جدول 1). ويتوقع انخفاض عدد السكان بنسبة 25- 50 ٪ في 34 دولة ومن بين هذه الدول الصين التي يتوقع أن ينخفض ​​عدد سكانها بنسبة 48%.

ويشير السيناريو البديل إلى أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة للتعليم وتوفر وسائل منع الحمل ستؤدي إلى يبلغ عدد سكان العالم 6.3  – 6.9 مليار  في عام 2100 .

وتؤكد هذه النتائج على أن التقدم المستمر في التحصيل العلمي للإناث وتوفر موانع الحمل والمشاركة الإقتصادية، سيسرع من الانخفاض في معدل الخصوبة ويعمل على إبطاء النمو السكاني.

وسيكون من نتائج انخفاض معدل الخصوبة بأقل من معدل الإستبدال (2.1) في العديد من  الدول، بما في ذلك الصين والهند ، أن ينطوي على انعكاسات اقتصادية واجتماعية وبيئية وجيوسياسية، الأمر الذي يتطلب ملاءمة السياسات مع  معدلات خصوبة منخفضة، والحفاظ على الصحة الإنجابية للإناث وتعزيزها .

ومن شأن انخفاض اعداد السكان أن يكون له أثر إيجابي بالنسبة على البيئة لتناقص انبعاث الغازات، والتخفيف من إزالة الغابات وتدميرها لصالح الزراعة، وتقليل الضغط على نظام التزويد الغذائي. وسيكون بوسع الدول ذات النمو الإقتصادي المرتفع (ولكن ذلك غير مؤكد)، من تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من خلال الاستثمار في التكنولوجيا.

ومن بين التحولات السكانية المتوقعة بين عامي 2017 و 2100 تزايد معدل الشيخوخة. ويتوقع في عام 2100 أن يكون عدد  الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا على مستوى العالم  2.37 مليار مقابل 1.7 مليار للفئة العمرية اقل من 20 عامًا.  وسيزيد عدد أفراد الفئة العمرية أكبر من 80 عاما من 141 مليون إلى 866 مليون في عام 2100، بينما سينخفض عدد الفئة العمرية أقل من 5 أعوام من 681 مليون إلى 401 مليون في عام 2100 .

وسيكون لانقلاب هرم الأعمار (عندما يصبح عدد المسنين أكبر من عدد الشباب)، آثار سلبية متوقعة على المجتمعات، من بينها انخفاض عائدات الضرائب وارتفاع نفقات الرعاية الصحية للمسنين وإمكانية رعايتهم.

وتحافظ بعض الدول على السكان في سن العمل على المدى الطويل من خلال الهجرة، مثل كندا وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية ، وتحقق نتائج جيدة.   وقد لجأت بريطانيا (كما ألمانيا)، إلى تسهيل الهجرة كوسيلة لتجديد قوة عملها والتعويض عن تدني معدل الخصوبة، وربما تصبح الهجرة ضرورة لجميع الدول وليست خيارا، ولكنه من الممكن ايضا أنه لن يكون هناك مهاجرين عندما تسجل جميع الدول تراجعاً في عدد السكان.

اتجاهات النمو السكاني عالمياً

يبين جدول (1) دول مجموعة العشرين، أكبر أقتصاديات العالم واتجاهات النمو السكاني بين عامي 2017 و  2100  وفق نتائج دراسة جامعة ولاية واشنطون.

ويظهر الجدول أربعة دول سينخفض عدد سكانها وفق السيناريو المرجعي إلى أكثر من النصف وهي اليابان وإيطاليا وإسبانيا وكوريا الجنوبية، من بين 23 دولة  سينخفض عدد سكانها إلى أكثر من 50%.

وهناك مجموعة دول سينخفض عدد سكانها بين 25% و 50% وتشمل الصين (48%) وروسيا (27%) من بين 34 دولة في العالم. وسينخفض  عدد سكان دول أخرى بنسبة أقل مثل المانيا والهند والبرازيل وهولندا بنسبة 10-22%، بينما ينخفض عدد السكان بنسبة طفيفة في السعودية وسويسرا.

وسيكون الإنخفاض أكبر في عدد سكان دول مجموعة العشرين وفق السيناريو البديل في حالة النجاح في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويشمل ذلك، حصول جميع الإناث على 16 عامًا من التعليم و وتوفر وسائل منع الحمل لنسبة تزيد 95٪ من الإناث.

وسيرتفع عدد سكان دول أخرى وفق السيناريو المرجعي (جدول 1) والتي تضم استراليا وتركيا والمكسيك وكندا والولايات المتحدة، وبنسبة طفيفة في المملكة المتحدة وفرنسا.  ولكن ثلاثة دول فقط من هذه المجموعة، وهي استراليا وكندا وتركيا،  سيرتفع عدد سكانها وفق السيناريو البديل بين عامي 2017 و 2100 ، وبنسب أقل من السيناريو المرجعي.

ومن بين الآثار السلبية لانخفاض أعداد السكان في الدول المتقدمة، أن انخفاض الفئة العمرية  في سن العمل (15-64 عاماً)، سيؤدي إلى خفض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، وسيقلل من الابتكار في الاقتصاديات المتقدمة، ومن الطلب على السلع الاستهلاكية في الأسواق المحلية، لإنخفاض الميل لإستهلاك السلع المعمرة للفئة العمرية المتقدمة في السن (> 65 عاماً). ولكن التطور التكنولوجي والتوسع في استخدام الروبوتات يمكن أن يقلل من تأثير البنية العمرية (المربعة) المتغيرة على نمو الناتج المحلي الإجمالي.

وفي ضوء تغير (أو انقلاب) البنية العمرية، وزيادة نسبة الفئة العمرية المتقدمة في السن (> 65 عاماً)، فإنه سيتعين على هذه الدول إيجاد السبل للعناية بالعدد المتزايد من السكان المسنين، مع وجود عدد أقل من الشباب للعمل في تقديم الرعاية ودفع الضرائب.  وسوف تكون الأعباء أكبر على الدول التي تشهد فعلياً انخفاض في معدل الخصوبة ومنا اليابان وإيطاليا وإسبانيا وكوريا الجنوبية (معدل خصوبة < 1.41 : جدول 1). وهذا يستدعي تدريب القوى العاملة المناسبة لرعاية كبار السن، وربما عدد أقل من أطباء الأطفال وأطباء أمراض النساء.

 وسيكون من شان انخفاض الفئة العمرية  في سن العمل في الدول ذات النمو الاقتصادي البطيء حتى عام 2100 ،  وضع ضغوط على أنظمة التأمين الصحي الوطني وبرامج الضمان الاجتماعي والعبئ الضريبي على المكلفين.  وهذا يتطلب إجراء تعديلات على القوانين المدنية للعمل حسب العمر والجنس.

وربما يتعين على الدول التي يقل فيها النمو السكاني عن معدل الإستبدال (2.1) ، أن تعمل على زيادة معدل الخصوبة من خلال خلق بيئة داعمة للإناث والتطوير المهني، وتوفير خدمات الصحة الإنجابية.

وقد تبنت بعض الدول مثل السويد وتايوان وسنغافورة سياسات من بينها إطالة عطلة الأمومة والأبوة، وتوفير خدمة رعاية الأطفال المجانية، ومنح تحفيزات مالية، وتوسيع حقوق العمل.  وتمكنت السويد من رفع معدل الخصوبة من 1.5 إلى 1.9، ولا يزال معدل الخصوبة في سنغافورة قُرابة  1.26 وفي تايوان 1.4.

ويمكن زيادة المشاركة في القوى العاملة في الدول ذات النمو الاقتصادي البطيء للأعمار الكبيرة (برفع سن التقاعد) وللمرأة (الأقل في المشاركة الإقتصادية)، وتعزيز الهجرة. وتقوم اليابان بإجراءات في مجالات دعم الأزواج الشابة في تربية الأطفال ، مثل جعل التعليم ما قبل المدرسة مجانيًا و تعديل قانون الهجرة وتشجيع المزيد من كبار السن على البقاء في القوى العاملة ورفع سن التقاعد من 65  إلى 70 عامًا وتعديل نظام الضمان الاجتماعي.

وقد  رفعت اليابان من نسبة المشاركة في القوى العاملة للفئة العمرية  65-69 سنة من  15٪ إلى 21%. وهناك من يرى أن صحة كبار السن هي بالفعل أفضل بكثير مما كانت عليه حتى قبل عقود قليلة، مما يعني أن كبار السن يمكن أن يكونوا ناشطين اقتصادياً ، وأن يساهموا في الإنتاج، ويدفعون نصيباً أكبر من الضرائب خلال حياتهم. ويمكن تعزيز  مشاركة المرأة في القوى العاملة من خلال زيادة فرص الحصول على التعليم وفرص العمل .

وتحقق كندا وأستراليا والولايات المتحدة نتائج جيدة في المحافظة على السكان في سن العمل على المدى الطويل من خلال الهجرة.  ولكن هناك العديد من الدول تواجه انخفاضًا في عدد السكان، ولا تسمح بالهجرة إليها لاعتبارات قومية وثقافية، مثل اليابان والمجر وسلوفاكيا.  ولكن هذه الدول، ربما ستضطر لإعادة النظر في سياسة الهجرة، ويمكن حينئذ، أن يصبح العالم أكثر اختلاطا من الناحية الثقافية والعرقية. وقد اتخذت اليابان إجراءات عديدة للتغلب على مشكلة انخفاض اعداد السكان، وتقدم أعداد الفئات العمرية الكبيرة، وشمل ذلك، التخفيف من القيود على الهجرة إلى اليابان.

اتجاهات النمو السكاني في العالم العربي

يبين جدول (2) دول العالم العربي، اتجاهات النمو السكاني العربي بين عامي 2017 و 2100 وفق نتائج دراسة جامعة ولاية واشنطون.

ويُظهر الجدول أن عدد السكان العرب سيرتفع من 427 مليون نسمة في عام 2017 إلى 749 مليون نسمة في عام 2100 وبنسبة نمو 0.68 وفق السيناريو المرجعي (وهو اكبر من العدد المتوقع للصين).   وسيرتفع عدد السكان العرب إلى 520 مليون نسمة في عام 2100 وبنسبة نمو 0.24 وفق السيناريو البديل، مقابل نسبة 2.52% للنمو السكاني للعالم العربي خلال الفترة 1950– 2019.

ويُظهر جدول 2 ، أن  عدد السكان سينخفض في  أربعة دول فقط وفق السيناريو المرجعي وهي الإمارات (64%) وقطر(15%) والمغرب والسعودية وسوريا (لعوامل ترجع لتبعات الحرب الأهلية)، وسيكون الإنخفاض أكبر وفق السيناريو البديل في حالة النجاح في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للتعليم للإناث وتوفر وسائل منع الحمل والأهداف الأخرى.

وسيرتفع عدد السكان (جدول 2) لأكثر من الضعف في عدة دول تضم الصومال والعراق وموريتانيا ومصر. وسيرتفع عدد السكان بنسب تقارب الضعف في الأردن وليبيا وسلطنة عمان والسودان والجزائر وفلسطين، في حين سيرتفع عدد السكان بنسب تقارب 50% في البحرين وليبيا واليمن (جدول 2).  ولكن عدد سكان الصومال سينخفض بشدة وفق السيناريو البديل في حالة النجاح في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في هذا الدولة.

وسيرتفع عدد سكان دول أخرى بنسب طفيفة، كما في تونس والكويت ولبنان وجيبوتي وجزر القمر. ولكن، في حالة النجاح في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ، فإن عدد سكان هذه الدول سينخفض وفق السيناريو البديل.

وسيكون من شان انخفاض أعداد السكان إحداث آثار اقتصادية واجتماعية وبيئية إيجابية في العديد من دول العالم العربي.

ومن بين هذه التاثيرات، ارتفاع نسبة السكان في سن العمل وانخفاض معدل الاعالة. وهذه يتطلب رفع سوية التعليم العالي لملائمة مخرجات التعليم ومدخلات سوق العمل ورفع الكفاءة الإنتاجية للعاملين.

ويسهم انخفاض معدل المواليد ومعدل الخصوبة بتحقيق مستويات معيشية أفضل، ويمكن لعدد أقل من الأطفال من الحصول على حصة أكبر من الرعاية الصحية وخدمات التعليم.  وسيساهم انخفاض أعداد السكان في الحفاظ على الأراضي الغابية وحمايتها من التوسع الحضري والزراعي، وتقليل الضغط على نظام التزويد الغذائي، وبالتالي على الموارد المائية التي تعد من اكبر تحديات العالم العربي.

ولكن تغير البنية العمرية سيكون له آثار سلبية؛ ومن بينها ارتفاع نسبة الفئات العمرية المتقدمة في السن ، والذي سينعكس في انخفاض عائدات الضرائب وارتفاع نفقات الرعاية الصحية للمسنين، والحاجة لتوفير كوادر متخصصة ومرافق للعناية بكبار السن.

وسيتطلب التغير في البنية العمرية إعادة النظر في سن التقاعد ومراجعة قوانين العمل، ونظم التامين الصحي والضمان الإجتماعي، وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، ومراجعة السياسة الضريبية من بين إجراءات أخرى.

المصادر

                                                                                                                         تقرير السكان والتنمية العدد السادس                       https://bit.ly/3hd0DCo

https://www.bbc.com/arabic/science-and-tech-53431473

https://openknowledge.worldbank.org/handle/10986/22547

https://population.un.org/wpp/Publications/Files/WPP2015_DataBooklet.pdf

https://www.thelancet.com/pdfs/journals/lancet/PIIS0140-6736(20)30677-2.pdf

https://www.unece.org/fileadmin/DAM/stats/documents/ece/ces/ge.11/2013/WP_17.2_01.pdf

2 Comments

  • الموقع فيها مواضيع مهمة عن السكان والإقتصاد والسياسة وفيها أيضاَ إحصاءات مهمة ولهذه أطلب من إدارة الموقع إعلامي بالمواضيع الجديدة وشكراً

    • كل الاحترام
      يمكن متابعة حساب عالم عربي على الفيسبوك Alamarabi والتويتر، @AlamArabi2التي المنشورات حال صدورها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *