مؤشر التنمية البشرية | جوهر التنمية المستدامة … العالم العربي في ميزان العالمية لعام ٢٠١٩

مؤشر التنمية البشرية 2019 : لماذا التنمية البشرية ؟

حققت معظم دول العالم مكاسب كبيرة على مدى العقود الماضية في مستويات التنمية الإقتصادية، غير أن النمو الاقتصادي جاء ناقصاً ، إذ ظل الإنسان على هامش التنمية ولم تصل منافعها إلى فئات المجتمع المختلفة.

ولم يوجه النمو الإقتصادي لتعزيز التنمية البشرية التي تمثل الهدف النهائي لعملية التنمية والمركزي في جميع الجهود الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية. ولا بد من أن تنعكس زيادة الدخل على زيادة الخيارات والقدرات التي تتمتع بها الأسر والحكومات بحيث يشكل النمو الاقتصادي المحرك لتعزيز التنمية البشرية.

ويضع نهج التنمية البشرية الناس كهدف رئيسي للتنمية المستدامة، لتعزيز مهارات وقدرات المجتمعات  على تنمية أفرادها وتمكينهم من المشاركة والإسهام بدورهم في التنمية. وبذلك لا تقتصر اهداف التنمية على تشييد المباني وشق الطرق وتحقيق النمو الاقتصادي وزيادة متوسط إجمالي الدخل الفردي، وإنما يشكل تحسين حياة الناس الهدف الحقيقي والنهائي والأسمى للتنمية.

وهناك علاقة تكاملية بين النمو الإقتصادي والتنمية البشرية، التي تلعب مكوناتها المختلفة؛ التعليم والصحة والدخل، دورا هاماً في التنمية الاقتصادية.  فالتركيز والاستثمار المبكرين في المجالات الاجتماعية، وخاصة التعليم،  يُسهم في الوصول إلى مستويات أعلى من النمو وفي انخفاض مستويات الفقر وفي الحد من عدم المساواة، وبالتالي في استدامة وشمولية التنمية.

ويؤثر التعليم الجيد بشكل كبير على إنتاجية العمل، ويسهم في زيادة في الأجور. وتسهم زيادة مستويات المهارة والتعليم للعمال وأصحاب الأعمال في رفع معدلات الابتكار وتبني التقنيات المحسنة في النشاطات الإنتاجية الصناعية والزراعية وفي الأعمال التجارية. وبذلك، تشكل التنمية البشرية مُحركاً للنمو الإقتصادي من خلال تأثيرها على التغير التكنولوجي.

تتأثر التنمية بشكل كبير بالسياق الاجتماعي الذي يتصل بثقافة المجتمع ومنظومته القيمية ومؤسساته. وتشكل كمية ونوعية الاستثمار، المحلي والأجنبي، إلى جانب اختيار التكنولوجيا وبيئة السياسة العامة، محددات هامة أخرى للأداء الاقتصادي.

وتؤثر مستويات تعليم صانعي السياسات العامة وأصحاب الأعمال الخاصة على قرارات الاستثمار. وتكون مؤشرات حجم الاستثمار ومعدلات الإنتاجية الكلية وتحديث المؤسسات وتطوير السياسات الاجتماعية والتغيرات الثقافية الإيجابية أعلى عند رفع سوية رأس المال البشري.

وتترك تحسينات الصحة والتغذية آثارًا إيجابية على النمو الاقتصادي، من خلال رفع الإنتاجية وزيادة الدخل.

و ينعكس رفع مستوى التعليم والصحة بشكل قوي وغير مباشر على النمو الاقتصادي من خلال تأثيره على توزيع الدخل وتعميم منافع التنمية حيث يصبح الأشخاص ذوو الدخل المنخفض أكثر قدرة على البحث عن الفرص الاقتصادية.

وينعكس تعليم المرأة على الأسرة، من خلال الإسهام في خفض معدلات الخصوبة بشكل دائم،  وتعزيز قدراتها على توفير خدمات التعليم والصحة لأفرادها، وبذلك يؤثر التعليم على نمو دخل الفرد من خلال تأثيره على نمو السكان.

 وبذلك هناك علاقة بين التعليم وعدم المساواة في الدخل والقضاء على الفقر، وهو المتغير الأكثر أهمية في توزيع أكثر مساواة للدخل، الأمر الذي له ارتداداته الإيجابية على النمو الإقتصادي، ورفع سوية المجتمع اقتصادياً وسياسياً.  وهكذا لم يكن من قبيل الصدفة ان يتمحور مؤشر التنمية البشرية حول متغيرات الصحة والتعليم والدخل.


مقالات ذات صلة

تقرير التنمية البشرية 2020 | التنمية البشرية العربية في ميزان العالمية


مؤشر التنمية البشرية : تطور مفهوم التنمية البشرية عالمياً

تبنت  قمة الأرض في ريو دي جانيرو في عام 1992 في البرازيل، بحضور 178 دولة، جدول أعمال القرن 21، والذي اشتمل على خطة عمل شاملة لبناء شراكة عالمية من أجل التنمية المستدامة لتحسين حياة البشر وحماية البيئة.

وقد وقع قادة دول العالم في أيلول/ سبتمبر 2000 في مقر الأمم المتحدة على إعلان الألفية التاريخي Millennium Development Goals (MDGs) ، الذي التزموا فيه بتحقيق ثمانية أهداف للتنمية (شكل 1) تتراوح بين خفض الفقر المدقع والجوع وتعزيز المساواة بين الجنسين والحد من وفيات الأطفال، إلى ضمان استدامة التنمية وتحقيق شراكة عالمية من اجل التنمية بحلول الموعد المستهدف لعام 2015 .

وقد تبنت الدول الأعضاء في مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في ريو دي جانيرو في البرازيل في عام 2012 إطلاق عملية لتطوير مجموعة من أهداف التنمية المستدامة للبناء على الأهداف الإنمائية للألفية (الثمانية).

وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2015 وثيقة تتضمن 17 هدفًا كمياً ونوعياً  للتنمية المستدامة Sustainable Development Goals (SDGs)  (شكل 2) وإطاراً للعمل المشترك يمتد من 2015 -2030 لتحقيق التنمية المستدامة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.

وتتراوح الأهداف السبعة عشر (شكل 2) بين القضاء على الفقر والجوع وجودة الصحة والتعليم وتعزيز المساواة إلى حماية الحياة البرية والبحرية وتعزيز الأمن والعدل والمؤسسية وتحقيق شراكة عالمية من أجل التنمية.

وقد شملت هذه الأهداف ضمان حياة صحية وتعزيز الرفاه للجميع في جميع الأعمار (هدف 3) ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع  (هدف 4) وتعزيز استدامة النمو الاقتصادي، والعمالة الكاملة المنتجة (هدف 8).

ويعرض الشكل  3  الترابط بين أهداف التنمية للألفية (الثمانية) والأهداف المستدامة (السبعة عشر). وتتمحور هذه الأهداف حول الشراكة بين الشعوب من أجل التنمية المستدامة، وحقها في العيش بكرامة، وفي أن تنعم بالرعاية الصحية، وحق التعليم وبالعدل والأمن والسلام بين المجتمعات، واستدامة الرخاء والازدهار والإدماج الاجتماعي والمساواة، والحفاظ على موارد كوكب الأرض لمصلحة الأجيال الحاضرة والمستقبلية.


تصفح   موقع عالم عربي    https://alamarabi.com/


قياس مؤشر التنمية البشرية 

تبنى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي  في عام 1990 مقياسا للتنمية البشرية  (HDI) Human Development Index يعكس مستوى التنمية ونوعية الحياة لدى شعوب العالم.

وقد قام الاقتصادي محبوب الحق من باكستان بمبادرة لوضع مقياس التنمية البشرية  بالتعاون مع أماريتا سين  من الهند الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد ومع آخرين من بينهم الإقتصادي ماغاند ديساي من المملكة المتحدة.

ويقيس مؤشر التنمية البشرية لمختلف دول العالم من خلال ثلاثة أبعاد وأربعة مؤشرات وهي (كما يبين الشكل و الصورة البارزة):

ويمثل مؤشر التنمية البشرية المتوسط ​​الهندسي للمؤشرات الثلاثة السابقة التي تم تحويلها لقيم معيارية. وتبلغ القيمة العليا لمؤشر التنمية البشرية الواحد الصحيح.

ويعتبر مستوى التنمية البشرية عالياً جداً إذا تجاوزات قيمة المؤشر 0.8، وعالياً اذا تراوحت قيمة المؤشر بين 0.7  و 0.79، ومتوسطا إذا تراوحت القيمة بين 0.55 و 0.69  ومتدنياً اذا كانت قيمة التنمية البشرية أقل من 0.55 .

وقد أخذت هيئة الأمم المتحدة في إصدار تقرير سنوي للتنمية البشرية منذ عام 1990،  حيث شمل هذا التقرير 66 دولة،  وصدر التقرير الأخير في ديسمبر كانون أول 2019 ، والذي يستند إلى بيانات جُمعت في عام 2018  من 189 دولة.

مؤشر التنمية البشرية عالمياً : الدول العشرة الأعلى عالمياُ على مقياس التنمية البشرية لعام 2019

احتلت النرويج وسويسرا واستراليا وأيرلندا وألمانيا المراكز الأولى في مؤشر التنمية البشرية لعام  2019 بدرجات تراوحت بين 0.954 و 0.939 كما يبين جدول 1.  وكانت درجات بقية الدول متقاربة جداً، بحيث كانت درجة الدولة العاشرة 0.933.

ويُظهر الجدول 1 تطور مؤشر التنمية البشرية  للدول العشرة الأعلى على سلم المؤشر  في العالم خلال الفترة 1990- 2019 . وكانت سنغافورة وإيرلندا وهونج كونج الأكثر تسلقاً على مؤشر التنمية البشرية خلال الفترة 1990 و 2018، إذ ارتفع المؤشر من مستوى 0.72- 0.78 إلى قرابة 0.94 في عام 2019.

وقداحتلت كندا المرتبة 13، بينما احتلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة المرتبة 15، وجاءت اليابان في المركز 19. واحتلت فرنسا المرتبة 26 وإيطاليا المرتبة 29.   وجاءت روسيا في المرتبة 49 وتركيا 58 وإيران 65 .

واحتلت المراكز الخمسة الأخيرة في مؤشر التنمية البشرية النيجر وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد وجنوب السودان وبوروندي. واحتلت دول من قارة إفريقيا المراكز الثلاثين الأخيرة باستثناء باكستان وسوريا واليمن (في أسيا) وهاييتي (في أمريكا الجنوبية)، وشملت دولتين عربيتين أفريقيتين وهما السودان وموريتانيا.  وتراوحت درجات الدول الإفريقية الثلاثين بين 0.574 لأنغولا في المرتبة 149 والنيجر بدرجة 0.377 في المرتبة 189.

وهناك اختلافات واسعة بين الدول في اعلى سلم مؤشر التنمية، وتلك التي تقع في ادنى السلم. وبينما يبلغ متوسط ​​العمر المتوقع في الدول العشرة الأولى قرابة 83 عاماً، فإن متوسط ​​العمر المتوقع في الدول العشرة الأخيرة يبلغ قرابة 58 عاماً، وبذلك  من المحتمل أن يموت الأفراد من الدول ذات الأداء المنخفض قبل 25 عامًا.

وبينما يبلغ متوسط ​​عدد سنوات الدراسة في الدول العشرة الأولى 12.6 عاماً، فإن متوسط ​​عدد سنوات الدراسة في الدول العشرة الأخيرة 3.7 سنة. وبينما يبلغ متوسط الدخل الفردي ​​ في الدول العشرة الأولى قرابة 56 ألف دولار، فإن متوسط ​​ الدخل الفردي في الدول العشرة الأخيرة قرابة 1350 دولاراً

مؤشر التنمية البشرية عربياُ :  ترتيب الدول العربية

تضم تقارير التنمية البشرية جميع الدول العربية، باستثناء الصومال، التي لا تتوفر حولها بيانات كافية.

ويُظهر الجدول  2 تطور مؤشر التنمية البشرية إبتداء من عام 1990 للدول العربية. وقد كان متوسط ​​قيمة المؤشر العربي 0.703  لعام 2019 (وهو ما يوازي المركز 114 عالمياً) ، وهو أقل من متوسط المؤشر العالمي (0.731)، كما أن جميع مكونات المؤشر اقل من متوسط المؤشرات العالمية كما يبين جدول 2.

احتلت جميع دول مجلس التعاون الخليجي المراكز الأولى الستة بين الدول العربية لعام 2019، وتراوح مراكزها عالمياً بين 35 و 57 ، وجاءت قيمة المؤشر فيها بين الدول المصنفة في فئة التنمية البشرية العالية جداً (أكبر من 0.80).وتتفوق  دول مجلس التعاون على تركيا 58 وإيران في المرتبة 65 ، كما تتفوق على الإتحاد الروسي الذي جاء في المرتبة 49 (باستثناء الكويت في المرتبة 57).

وجاءت الجزائر وتونس بين الدول المصنفة في فئة التنمية البشرية العالية (بين 0.70  و 0.799)، إضافة للبنان والأردن وليبيا ومصر.

وكانت السعودية والإمارات الأكثر تسلقاً على مؤشر التنمية البشرية خلال الفترة 1990 و 2018، إذ ارتفع المؤشر من مستوى 0.698- 0.723 في عام 1990 إلى 0.857 و 0.866 في عام 2019.  وقد تحسنت قيمة مؤشر التنمية بشكل جوهري في الجزائر وتونس ومصر والمغرب والسودان حيث ارتفعت قيمة الموشر باكثر من 0.15.

وجاءت قطر ولبنان والإمارات الأعلى بين الدول العربية في مؤشر توقع الحياة. وجاءت الإمارات والأردن والسعودية وقطر وعُمان الأعلى بين الدول العربية في مؤشر متوسط سنوات الدراسة.  وكانت دول مجلس التعاون الخليجي الأعلى بين الدول العربية في مؤشر متوسط الدخل الفردي، وجاءت قطر الأولى عربياً وعالمياً ، وتلتها الكويت والإمارات عربياً.

جاءت قيمة المؤشر في ثلثي الدول العربية (14 دولة) أقل من المتوسط العالمي (أقل من 0.731) ، ووقعت سبعة دول منها في فئة الدول الأدنى في التنمية البشرية التي تقل فيها القيمة عن 0.55 على مقياس التنمية البشرية.

ويظهر الجدول 2 تحسن مركز معظم الدول العربية  في مؤشر التنمية البشرية، في حين تراجعت قيمة المؤشر (باللون الأخضر الفاتح) في لبنان والأردن  وليبيا وسوريا واليمن بين عامي 2010 و 2018، وكان التراجع طفيفاً في الأردن ،  وكبيراً في حالة سوريا.

مٌحددات مؤشر التنمية البشرية

يقيس مؤشر التنمية البشرية HDI مدى تقدم الدول على مقياس التنمية البشرية اعتمادا على تقييم المستوى الصحي من خلال قياس العمر المتوقع،  وتقييم مستوى التعليم من خلال مؤشر الالتحاق الإجمالي وعدد سنوات الدراسة، وتقييم مستوى المعيشة من خلال متوسط الدخل.  ويسهم المؤشر في تحديد الاستراتيجيات والسياسات المالية والعامة للدولة اللازمة لتحسين الظروف المعيشية للأشخاص في دول العالم.

غير أن بعض النقاد يرون بأن هذه المؤشرات مَعيبة ولا تُوفر صورة دقيقة عن مدى التقدم الإقتصادي والإجتماعي .

ويجادل النقاد بأن مؤشر التنمية البشرية يعطي أوزانًا متساوية لعوامل ليست على نفس المستوى من الأهمية .

كما يجادل النقاد بأن هناك ارتباط شائع بين المستوى العالي من التعليم وزيادة نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي ، ويشككون بالتالي، بجدوى شمول المؤشر على قيمتين مترابطتين للغاية.

ولا يراعي المؤشر عوامل مثل عدم المساواة والتفاوت بين الجنسين وفي توزيع الدخل.

وتأخذ العوامل التي تشكل مؤشر التنمية البشرية قيماً محددة وفق المنهجية.  وهناك دول (مثل قطر) لديها بالفعل ناتج محلي إجمالي مرتفع (وهو 110 آلاف دولار) ، يتجاوز متوسط الدخل الذي يحصل على قيمة 1 وفق المنهجية (وهو 75 ألف دولار) ، وبذلك لا يعود لديها مجال لتحسين قيمة المؤشر فيما يتعلق بعامل الدخل.

وينطبق نفس الأمر على متوسط العمر المتوقع في هونج كونج واليابان وهو قرابة 85 عاماُ، والتي تعطى القيمة 1، ولكن هاتين الدولتين لم تتجاوز السقف المحدد بعد.

لكن مؤشر التنمية البشرية (HDI) منذ إطلاقه في عام 1990، كان علامة فارقة في توسيع نطاق الإهتمام بجهود التنمية والدفع في اتجاه اتخاذ الإجراءات وتبني السياسات اللازمة لتحقيقها.

وكان مؤشر التنمية البشرية ناجحًا بشكل كبير في تغيير طريقة تفكير الناس في العالم في عملية التطوير، رغم أنه يعاني من عيوب كثيرة، غير أن هناك محاولات عديدة لتحسين منهجية قياس المؤشر.

المصادر

 https://bit.ly/2wtNKBJ
https://bit.ly/2SNYHag
https://www.sdgfund.org/mdgs-sdgs
http://hdr.undp.org/sites/default/files/hdr2019.pdf
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/12317337
http://www.econ.yale.edu/growth_pdf/cdp887.pdf
https://en.wikipedia.org/wiki/Human_Development_Index
http://hdr.undp.org/sites/default/files/hdr_2019_overview_-_arabic.pdf 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *