الخط العربي [6] | التركي حسن الجلبي.. رائد المدرسة التي نقلت الخط العربي إلى العالمية

 حسن الجلبي.. كبير الخطاطين ورائد مدرسة الخط العربي

مقدمة

حسن جلبي؛  كبير الخطاطين في فن الخط العربي وصاحب الرسالة السامية لتطوير وإحياء تقاليد الخط العربي في العصر الحديث وبث ثقافة حب الخط وتقديره ورعايته،  والشخصية النبيلة الإيجابية الإستثنائية التي تتمتع بروح إنسانية عالية.

حفلت حياته في فن الخط التي قاربت 50 عامًا بإنجازات كبيرة، وشملت كتابات الخط في أهم مساجد العالم في تركيا الحديثة والمدينة المنورة في الملكة العربية السعودية ومساجد في دول أخرى.  وأنجز عددا كبيراً من لوحات الخط والحليات، ونظم المعارض والمؤتمرات والندوات… ومسابقات عالمية لفن الخط العربي.

كان من إنجازاته الباهرة أنه إنشأ مدرسة دولية لتعليم الخط العربي وفق قواعد صارمة نجحت في تخريج ما يقارب 100 خطاط من دول العالم الإسلامي وغير الإسلامي، ومنحهم إجازات في كتابة وتعليم الخط، وضمن من خلالهم نقل راية هذا الفن التقليدي إلى أعلام متميزين في الخطا العربي في العالم.

كان من بين تلاميذه نخبة من الخطاطين اللامعين من إصول غير عربية أو إسلامية الذي نقلوا الخط العربي للعالمية بكل ما في الكلمة من معنى؛ محمد زكريا والينور هولند من أميركا وفؤاد هوندا من اليابان ونورية غارسيا من إسبانيا ونور الدين ميي من الصين، وكان حسن الجلبي هو كبيرهم الذي عملهم سحر هذا الفن الرفيع.


موضوعات ذات صلة
الخط العربي| دُرًةَ الفن الإسلامي.. الذي ولد في العراق
الخط العربي [1]|الخطاط فوآد هوندا الذي نقل الخط العربي للجزيرة اليابانية
الخط العربي [2] | الخطاط نور الدين مي غوانغ الذي يكتب الخط العربي بحروف صينية
الخط العربي [3]| الأميركي الأوروبي محمد زكريا سفير الفن الإسلامي في أميركا
الخط العربي [4]| الإيبيرية نورية غارسيا التي نقلت الخط العربي للعالمية
الخط العربي[5]| الأميركية إلينور هولند…نجمة ساطعة في الخط العربي واللاتيني
الخط العربي [7]| نجيب نقاش وآخرون … حروفية عربية بأيدي غير عربية
كريم جعفر من المغرب| سفير الثقافة العربية في فرنسا
اللغة العربية في ميزان اللغات العالمية

… من لوحات حسن الجلبي

نشأة حسن جلبي

ولد حسن جلبي في عام 1937 في بلدة إنسي İnci Köyü ، وهي قرية جبلية في قضاء أولتو Oltu شمال ولاية أرضروم Erzurum في منطقة شرق الأناضول في تركيا .

تزامنت طفولة حسن جلبي مع نشأة الجمهورية التركية العلمانية في عام 1924 في عهد مؤسسها كمال أتاتورك (1881-1938). ولم تكن قرى الأناضول قد عرفت المدارس الرسمية بعد ولا الشوارع، وهكذا لم يستطع الإلتحاق بالمدارس ولم يحصل على تعليم.

لم يكن هناك نسخ متاحة من القرآن لقراءته، فذهب والده لمدينة أرضروم وأحضر له مصحفاً.  كان في القرية كُتَاب لتحفيظ القرآن الكريم، وقد حفظ بعضاً منه على يد خاله، وقد حفظ جانب منه بينما كان يرعى الحيوانات، دون أن يتمكن من قراءة القرآن لعدم إلمامه بالحروف.

وكان هناك رجل متعلم من أفراد هذه القرية يحضر الصحف إلى القرية ويعلقها في مكان عام ليتمكن الجميع من مشاهدتها.

ومن خلال هذه الوسائل البسيطة ، أمكن لحسن جلبي تعلم القراءة البسيطة، و أصبح لديه شغف في طفولته بالقلم والورق والحروف، دون أن يدري إلى أين سيقوده ذلك.

غادر قريته الصغيرة إنسي إلى اسطنبول، مدينة العلم والثقافة والفن، لتلقي التعليم في اللغة العربية والعلوم الدينية في عام 1954، ودخل المدرسة الشرعية اوج باش Ucbas Madrasah  لتعلم اللغة العربية وعلوم الدين الإسلامي، وانتقل لمدرسة جنيلي في حي اسكدار.

اجتهد الفتى القروي الفقير، في دراسته مما مكنه في نهاية الأمر من أن ينضم لنخبة اسطنبول التي نشأت في البيئة الثقافية العثمانية.

اخذ في الذهاب إلى مسجد الفاتح، حيث كان يتحدث الخطيب بلهجة حماسية. وكان ينظر دائماً مشدوهاً صوب الكتابات على جدران المسجد الداخلية والخارجية.  كان شغفه وحبه لهذا الفن كبيراً لدرجة أنه قال أنه لم يكن يستطيع التركيز أثناء الصلاة في المساجد العثمانية ، تحت تأثير جمال الخط العربي في واجهات المساجد، وهو يدعو الله أن يتقبل صلاته في تلك الأيام.

كان هناك في مسجد الفاتج مصطفى افندي الذي اعتاد على تعليم الخط للراغبين في تعلم الخط، و ظن أنه لن يقبله لأنه يفتقر إلى شهادة، وقد فكر في التخلي عن حلمه بحب للكتابة.

بدأ حسن جلبي العمل مؤذنًا في مسجد مهرماه سلطان في أسكدار في عام 1956، ولكن شغفه بالقلم والورق وحبه للكتابة ظل يتبعه ، بل وازداد عمقًا.

حصل على مجموعة خطوط عثمانية في الثلث والنسخ والتعليق (الفارسي) والرقعة والديواني واخذ في التدرب عليها.

وكان على قبة وواجهات المسجد كتابات ولوحات خطية بالخط العربي باسماء الله الحسنى؛ يا حكيم ، يا عالم ، يا عظيم، وعندما كان يستلقي في الصباح، اعتاد على قراءتها. وأخذ يحاكي أعمال الخط التي كان يراها، لكن دون نجاح يُذكر.

أدى الخدمة العسكرية الإجبارية في عام 1957، وعاد للعمل مجددًا كمؤذن في مسجد محمد نصوحي في أسكدار حيث كان هناك الكثير من الكتابات التي عززت من حبه للخط العربي، وكانت تدفعه للاستمرار في محاولات التدرب على كتابة الخط.

لم يكن يعرف ما الذي يقوم به وماذا يتعين عليه القيام به. وقد كان هناك من يتطوع لتوجيهه لكتابة الخط، ولكن لم يكن هناك حوله من هو مؤهل أو على معرفة بقواعد الخط او كيفية تعلمه.

استغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى يدرك الشاب حسن أن الخط  فن رفيع، لا يمكن تعلمه إلا من خلال صبر ومثابرة وتعليم جاد، تحت إشراف معلم مؤهل لتوجيهه لكيفية القيام بذلك، لكن شدة رغبته في لتعلم الخط، كانت عاملا هاماً لإكمال المسيرة . وكان يعتقد أنه إن كان هناك معلم، فهو في اسطنبول، وعليه أن يجد السبيل للوصول إليه.

ذهب إلى أرضروم في عام 1960 لإحضار عائلته إلى إسطنبول، لكن أحداث سياسية منعته من العودة إلى اسطنبول. وبقي هناك ثلاثة سنوات عمل فيها كمؤذن وإمام  في بلدة يوسفيلي  Artvin Yusufeli ، قرب مدينة أرضروم.

لم يتخلى عن حبه لكتابة الخط والرسم في البلدة صغيرة في ذلك الوقت المستقطع،  وأخذ يقوم بتحضير صور زيتية ملونة للتجار واستمر في تقليد كتابة مجموعة متنوعة من الخطوط المختلفة.

… من لوحات حسن الجلبي

حسن جلبي: ضوء في نهاية النفق

عاد حسن جلبي مرة أخرى إلى حي أسكدار في اسطنبول الذي يقع على الضفة الشرقية الاسيوية لمضيق البوسفور بعد غياب ثلاث سنوات في عام 1964. وثابر في محاولاته دون كلل لتعلم كتابة الخط في غياب معلم لتعليمه أساليب جديدة للخط .

ذكر له صديق أنه يعرف شخصاً قد يوصله إلى هدفه،  وهو شكري افندي  إمام مسجد تويجار Toygar Hamza Mosque في اسكدار.

لم يكن صديقه هذا على معرفة بالخط بالعربي، وكان يظن أن كتابات حسن الجلبي رائعة، وقدمه للإمام شكري باعتباره خطاطاً، بينما لم يكن في حينها يعرف كيف يمسك القلم بشكل صحيح.  نظر شكري أفندي إلى كتاباته وقال: يا بني، إن تعلم الخط يحتاج إلى معلم.

أخذ حسن جلبي في حضور دروس دينية للإمام شكري، وفي طريقه لحضور الدروس، كان يلاحظ مشغلاً لشواهد القبور. وكان فضوله للخط يدفعه للوقوف لمشاهدة الكتابات على شواهد القبور، كانها قطع فنية ثمينة.

لاحظ صاحب المشغل يوسف أفندي فضول حسن جلبي واهتمامه بالشواهد، وسأله إن كان بحاجة إلى شاهد قبر، فأخبره أنه  مهتماً بالكتابة على الشواهد.  وقال يوسف؛ هناك معلمين في الخط كتبوا هذا، وكثيرا ما يأتون إلى هنا،  وإذا جئت إلى المشغل مرة أخرى، فسوف أدعك تتعرَف بهم.

واصل حسن جلبي التواصل مع يوسف افندي. وفي أوائل مايو أيار 1964، كان المعلم حميد آيتاش الأمدي، (واسمه الحقيقي موسى عزمي) وريث مدرسة الخط العثمانية يقوم بنقش على شاهد قبر. حين وصل الجلبي إلى المشغل. أوفى يوسف أفندي  بوعده وقدم الجلبي لحميد الأمدي.

عرض حسن جلبي على الفور دفتره المليء بالكتابات بقلم الرصاص على المعلم حميد الأمدي.  تفحص الأمدي ملياً دفتر الملاحظات، وقال للجلبي، يا بني؛ لا يمكن أن يتم تعلم الخط بهذه الطريقة، وكتب له على دفتره ملاحظة بخطه، لا يزال حسن يأسف لفشله في الإحتفاظ بها.

لكن المعلم الأمدي قال أنه مشغول للغاية، ولا يمكنه أن يتخذه طالباً عنده. وأرسله إلى أحد تلامذته مصطفى حليم ازيزيزي (مصطفى عبد الحليم اوزبازجي) .

سارع حسن الجلبي بالذهاب إلى مدينة تيكيرداغ  (بيزنطة) في شمال غرب تركيا غرب اسطنبول  بمسافة 135 كم على ضفة البوسفور الغربية وقابل مصطفى حليم.

تلك كانت البداية لمسيرة حسن جلبي في الخط العربي، والتي كانت انعطافة كاملة في حياته وبداية تحقق حلمه في إتقان كتابة الخط العربي.

حسن جلبي: مسيرة الخط العربي

بعد الدرس الأول، لاحظ حليم بك حرف الفاء  في كتابة حسن جلبي، وذكر لصديق له، أنظر إلى هذا في درس حسن الأول، هناك أمل في تلميذ الخط حسن جلبي.

غير أن حليم بك لسوء الحظ مات في حادث سيارة أليم بعد فترة قصيرة لا تتجاوز أربعة أشهر، وشعر حسن أن قلبه قد مات أيضًا.

لم يكن هناك خطاطين محترفين مؤهلين لتعليم الخط، كان هناك في مصر السيد عبد القادر وفي سوريا السيد البدوي ولم يكن بوسعه الذهاب والتعلم لديهم.

تردد في الذهاب إلى المعلم حميد الأمدي خشية أنه لن يقبله مرة أخرى.  وبعد شهرين من الضياع، علم بمكان إقامة الأمدي، و قرر أن يجرب حظه معه بدعم من أحد معارفه.

عرض حسن جلبي الأمر على حميد الأمدي حول وفاة المعلم مصطفى حليم، الذي فاجأه بقبوله وقال له إن طريق حليم هي طريقنا.

بدأ حسن دراسة خطي الثلث والنسخ واستمرت علاقته القوية مع حميد الأمدي لمدة 18 عامًا من عام 1964 وحتى وفاة الأمدي في عام 1982.

لكن الأمدي كان قليل الكلام، حتى أنه لا يُشير للأخطاء التي يرتكبها طلابه.  وبدأ حسن درسه الأول “رَبِ يَسِر ولا تُعسر، رب تَممّ بالخير ” لمدة عامين. ومضت أسابيع وشهور دون أن يكون قادراً على اجتيازه إلى الدرس الثاني.

شعر حسن باليأس، لأنه  لم يبدوا له أن الأمدي يُقدر مهارته في الكتابة. ونقل هذا الشعور للمعلم الأمدي قائلاً  أنه قد فشل في درسه الأول “رَبِ يَسِر” لمدة عامين، وأنه إن كان لا يملك المهارة، فإن عليه أن يمضي في سبيله. فاجأ ذلك المعلم حميد، وأعطاه الدرس الثاني، وبدأ بعدها يتدرب على كتابة الحروف العربية.

طلب منه حميد الأمدي كتابة لوحة خط كبيرة؛ 1.5 م ،  ولم تكن مواد الخط متوفرة في تركيا، مثل الورق المقهر المناسب الكتابة وحتى لدى معلمه الأمدي.

في أحد الأيام في أواخر الستينات، تساءل  الخطاط نجم الدين اوقياي، لماذا  لم تحصل على إجازتك بعد من المعلم حميد الأمدي ؟.  أدرك نجم الدين أن أخلاق حسن جلبي العالية منعته من مناقشة الأمر مع معلمه، فبادر إلى الطلب من حسن جلبي أن يوجه دعوة للأمدي بالنيابة عنه لزيارته.

زار حميد الأمدي وحسن جلبي نجم الدين أوقياي، وكان موضوع البحث إجازة الخط لحسن جلبي. وطلب  المعلم حميد من حسن إعداد لوحة (حلية) للتصديق عليها، وبعد إنجازها وإدخال تعديلات عليها طلبها المعلم حميد، حصل حسن على إجازته في عام 1971 بعد قرابة سبعة سنوات من التدرب على الخط تحت إشراف الأمدي.

كان الأمدي في الواقع يقدر مهارات حسن الجلبي قبل الحصول على إجازة الخط. فقد أوكل إليه تجديد ما سقط من الخطوط العربية على الباب الداخلي لمسجد على باشا في اسطنبول التي كان قد كتبها خطاط  عثماني كبير وهو راقم أفندي.  وقد قام الجلبي بعملية التجديد بشكل يُضاهي الخط الأصلي لراقم أفندي.  لكن الأمدي كان تعباً وكبير السن، وكان هو نفسه قد تعلم ذاتياً دون إشراف معلم، ودون استخدام نظام دفاتر والتمرين قد تعلم منه الجلبي من خلال المراقبة والملاحظة عند كتابته للخط ومن خلال تقليد الخطاطين السابقين، أكثر مما تعلمه من خلال التوجيه المباشر للمعلم الأمدي.

ثم بدأ حسن جلبي التدرب مع الخطاط كمال بتاناي على خط الرقعة والتعليق (الفارسي)، ونال إجازته في عام 1975.

حسن جلبي:  حمل راية الخط العربي من حميد الأمدي

تركت إسطنبول مدينة العلم والثقافة، بصماتها في التاريخ من خلال استضافة تعليم كتابة القرآن. وكانت اسطنبول مركزًا لقرون ممتدة للمدرسة العثماني للخط العربي التي أنشأها الشيخ حمد الله ، أحد كبار الخطاطين في القرن السادس عشر .

 ويعتبر حسن جلبي أحد كبار الخطاطين، ويمكن وضعه في خانة ابن مقلة ، و  ابن البواب (علي بن هلال البغدادي)، وياقوت المستعصمي الذين أسسوا للخط العربي كفن متميز، وهو بذلك أهم أعلام هذا الفن في العصر الحديث.

تعرض فن الخط العربي للتهميش في تركيا الحديثة  منذ عام 1924، وترك التحول للأبجدية من الحروف العربية إلى اللاتينية في تركيا أثره على الفنون ا ذات العلاقة بالخط، مثل فنون الإضاءة.  فلوحة كتابة الخط العربي تشبه الجسد العاري ؛ ولا بد من تزيينها بالترخيم والتذهيب والتأطير لتصبح أكثر نبلا وجمالاً. وكان من الصعب العثور على أي تغطية في وسائل الإعلام حول الفنون التقليدية حتي قبل عقدين أو ثلاثة.

وعند وفاة حميد الأمدي، آخر ممثل للمدرسة العثمانية في عصره في عام 1982 ظن كثيرون أن صفحة هذا الفن في اسطنبول ربما تكون قد طويت.

غير أن تأسيس مركز التاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (إرسيكا  IRCICA)، في عام 1980 برئاسة اكمل الدين احسان اوغلو،    مكن إسطنبول من أن تستعيد دورها كمركز لمدرسة الخط العثماني.

اصبح فن الخط العربي والفنون المتصلة به قوية وحيوية بما يكفي للتحدث عن نفسها.، حتى أنه هناك من يرى بأن هناك عدداً كبيراً من الخطاطين الموهوبين، وأنه قد يكون هناك تشبع مفرط في أعدادهم.  ولكن حسن الجلبي يرى أن تتابع الأجيال ضروري لاستمرارية هذا الفن.

قبل وفاة حميد آيتاش قال، دعوا حسن جلبي يكتب نقشًا على شاهد قبري. كان حسن جلبي ، المع طلاب حميد آيتاش ، هو من حمل راية إحياء هذا الفن من خلال الدعم الذي يتلقاه من مركز التاريخ والفنون والثقافة الإسلامية.

نهض حسن الجلبي بالخط العربي كما خرج طائر الفينيق من الرماد، وتحمل مسؤولية كبيرة للحفاظ على مدرسة الخط العربي العثمانية، ولذلك، يرى البعض أن تاريخ تطور الخط العربي في العصر الحديث هو تاريخ حسن جلبي.

ولكن هناك جهوداً كبيرة بُذلت من دول أخرى مثل دولة الإمارات والسعودية وخطاطين كبار في مصر والعراق والمغرب وغيرهما كان لهم مساهمة كبيرة في هذا التطور، وهناك تعاون مشترك مع مركز التاريخ والفنون والثقافة الإسلامية في اسطنبول في تنظيم المعارض وفي مسابقات الخط العربي.

 أعمال حسن جلبي

تقارب حياة حسن الجلبي في فن الخط 50 عامًا، كانت حافلة بالأعمال  الكبيرة وبنخبة استثنائية من الطلاب، وفي بث ثقافة حب الخط العربي في أنحاء العالم.

ومع أن حسن الجلبي من رواد المدرسة العثمانية التقليدية، لكنه لا يعارض بشكل قاطع التطبيقات الحديثة للخط، وثمثل بعض أعماله مزيجاً من الفن الكلاسيكي وأساليب الكتابة الحديثة بتركيبات مختلفة. ويرى أن هناك العديد من الأشياء التي يمكن القيام بها في هذا المجال لإثراء هذا الفن دون المس بالتقاليد القديمة للمدرسة العثمانية التي يجب المحافظة عليها، ودون الدفع بفن الخط إلى دائرة الرسم التشكيلي.

وتتيح طبيعة الخط العربي الإبداع في كتابة الخط العربي الذي يسمح  بعدد لا نهائي من التشكيلات الخطية.

على الرغم من أنه لا ينبغي الحكم على قيمة الفنان بعدد الأعمال التي قام بها الخطاط ، فقد أنجز حسن جلبي عددًا كبيرًا من الأعمال النوعية ضمت مئات اللوحات و الحليات  الفنية  والكلاسيكية والتشكيلات الخطية.

وكان من إنجازات حسن الجلبي الكبيرة كتابات الخط الكثيرة والكبيرة التي تزين ابواب ومحاريب وقباب عدد كبير من المساجد في تركيا وخارجها.

وقد شملت كتابات حسن جلبي للخط العربي في تركيا  واجهات  أكثر من 20 مسجداً في مدن تركية مختلفة. وكان من بينها ترميم أسماء الله الحسنى على قبة مسجد السلطان أحمد في اسطنبول في عام 1974، ومسجد البردة الشريفة، ومسجد بيزيد في إسطنبول،  وضريح السلطان جيم في بورصا، وأعمال في مسجد جامعة أتاتورك في أرضروم ، ومسجد جامعة ارجييس في مدينة قيصري،  ومسجد كلية أصول الدين بجامعة مرمرة .

وتحتوي معظم المساجد التي تم ترميمها في تركيا مثل واجهات مسجد  السلطان أحمد (المعروف أيضاً بالجامع الأزرق)   أو بنيت حديثًا مثل مسجد تشامليجا، في منطقة أسكدار باسطنبول،  وهو أكبر مسجد في آسيا الصغرى الذي افتتح في عام  2016 على نقوش مكتوبة بخط الثلث جلي لحسن جلبي أو بالتعاون مع تلاميذه وبأحجام كبيرة للخط.

وقد شملت الكتابات خارج تركيا في المملكة العربية السعودية كتابات الخط في الروضة الشريفة في المسجد النبوي  في عام 1982 ، وهو من خط سورة الملك وسورة الجمعة بطول 100 م على جدران توسعة المسجد النبوي، وشارك في كتابة شرائط  الخط على امتداد 1400 م  في القبة والمحراب في مسجد قباء في المدينة المنورة في المدينة المنورة.

كما أعد كتابات في مساجد أبو بكر وعمر وعلي والبخاري، ومسجد القبلتين (مسجد بني سلمة) وكتابة سورة الجمعة لمسجد الجمعة  في المدينة المنورة، وكتابات في مسجدي الحارثي وصالح كامل في جدة.  واعتبر حسن الجلبي أن إقامته في المدينة المنورة في عام 1987 من أفضل أيام حياته.

كما قامات بكتابات في الخط في مساجد دول مختلفة شملت جامع نذير آغا الذي اعيد إعماره في عام 2000 في موستار في البوسنة،  ومسجد الفاتح في مدينة بريمن، شمالي ألمانيا، وكتابات على القاشاني في المسجد المركزي في مدينة الم آتا عاصمة كازاخستان السابقة، ومسجد سلادارلو يونس إمره في مدينة غينك في بلجيكا ومسجد الجمعة  في جوهانسبرج في جنوب إفريقيا.

كما قام بكتابات الخط لمنظمة المؤتمر الإسلامي في جدة عام 1981 وشرائط  الخط على الواجهات الخارجية والداخلية لمسجد مركز الطب الإسلامي في الكويت وكتابات خط في الإمارات العربية المتحدة .

كتب ما يزيد على مائتي حلية شريفة  وشارك في الكثير من المعارض داخل تركيا وخارجها وكان منها معارض في مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية- إرسيكا في اسطنبول في عام 1983 و 1994، ومعرضين في  ماليزيا (1984 و 1992) ومعرض في الأردن  في عام  1985 ومعرض في مهرجان كاظمة للفنون الإسلامية في الكويت في عام 1998.

وتضم أعمال حسن الجلبي كتابات الطغراء ، والتي هي معروفة  بتوقيع السلاطين العثمانيين، ولكن قام بأعمال الطغراء للعديد من رجال الدولة، كما فعل خطاطون آخرون.

وشملت أعماله مجموعات خاصة تمتد شهرتها إلى ما وراء تركيا في المراكز الثقافية والفنية العالمية وضمت مجموعة السيد عبدالرشيد حسن في ماليزيا ومجموعة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي،  حاكم الشارقة.

ويواصل حسن جلبي القيام بأعمال جديدة باستخدام الأساليب الكلاسيكية للكتابة في خطوط الثلث والنسخ والفارسي (التعليق) والديواني والمحقق والرقعة  والكوفي، وهو يستطيع كتابة جميع الخطوط، كما الخطاطون الذين نشأوا في القرن الماضي، ولكن كثيرا من أعماله هي في خط الثلث جلي.

وقد عمل على تنظيم مسابقات لفن الخط كل ثلاث سنوات من خلال مركز التاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (IRCICA)،  والتي بلغت 11 مسابقة في عام 2019 ، وهو عضو في لجنة التحكيم لهذه لمسابقات.

كرس حسن جلبي حياته طوال حياته لتطوير الخط ، وقد تم تكريمه في عام 2011 بالجائزة الرئيسية في الفنون والثقافة في عام 2011 من الرئيس التركي عبد الله غول.

وقد صدر في عام 2017 كتاب يحتفل بالعام الخمسين لحسن جلبي في فن الخط، وتم تضمينه ببعض من أفضل أعماله في العديد من الخطوط المختلفة، كما تم عرض أعماله في سلسلة “التراث الإسلامي في عالمنا” الصادر عن مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة (FSTC).

تلاميذ حسن جلبي: نقلوا الخط العربي للعالمية

بدأ حسن جلبي في تعليم الخط العربي في عام 1976 لطلاب وفدو إليه من تركيا وخارجها. ونجح في إنشاء مدرسة عالمية للخط، ومن خلال مركز التاريخ والفنون والثقافة الإسلامية أيضاً،  قدمت هذه المدرسة للعالم نخبة من الخطاطين يمكنهم كتابة جميع أنواع الخطوط، بينما كان يواصل ممارسة الخط العربي وكتابة اللوحات .

ويعد حسن جلبي ثاني أكبر معلم للخط العربي في تركيا الحديثة بعد معلمه حميد الأمدي.  ولكنه كان خطاطًا استثنائيًا، إذ منح إجازة الخط لأكثر من تسعين طالبًا من جميع أنحاء العالم  ، في تركيا وفي الولايات المتحدة واليابان والصين وإسبانيا وروسيا والبوسنة وجنوب إفريقيا، وفي المغرب والجزائر وليبيا وسوريا والمملكة العربية السعودية.  وقد نقل علم الخط العربي  إلى العديد من دول العالم من خلال طلابه.

ولا يقتصر تقييم إنجازات كبار الفنانين على أعمالهم الكبيرة والهامة، وإنما بمستوى الطلاب الذين تتلمذوا على أيديهم، لأن هذا من شأنه أن يسمح بمواصلة الفن ويحافظ على مستقبله وتطوره. وبهذا المعيار، فان حياة حسن الجلبي في فن الخط التي بلغت 50 عامًا، كانت حافلة بالإنجازات الكبيرة وبنخبة استثنائية من الطلاب، ونجح في بث ثقافة حب الخط والتعامل معه.

وكان من أفضل أعمال حسن جلبي تعليم الخط لنخبة من الخطاطين اللامعين الذي نقلوا الخط العربي للعالمية بكل ما في الكلمة، وضمن من خلالهم نقل حمل راية هذا الفن التقليدي إلى أعلام متميزين في الخطا العربي في العالم.

كتابات ساعة مكة من أعمال افضال الدين كيلش

وكان من طلابه المشهورين في تركيا داوود بكتاش وفرحاد قورلو والخطاطة هلال كازان. وكان من تلاميذ حسن جلبي الأتراك أفضال الدين كيليش، الذي كتب نقش الجلالة “الله أكبر”على الواجهتين الأمامية والخلفية، وشهادة  “لا إله إلا الله” على الواجهتين الجانبيتين على واجهات ساعة مكة المكرمة التي بلغت أبعاد كل واجهة منها 43× 43 م.

و كان من طلابه اللامعين الذي نقلوا الخط العربي للعالمية بكل ما في الكلمة من معنى محمد زكريا من أميركا وفؤاد كوشي هوندا من اليابان ونورية غارسيا من إسبانيا والينور هولند من أميركا ونور الدين ميي من الصين.

ومن العرب فاطمة سعيد البقالي  ومحمد مندي من الإمارات ونصار منصور  من الأردن  والشاب الواعد فهد المجحدي من السعودية  وعبيدة البنكي من سوريا ومحمد بحيري من الجزائر وحسين علي السري الهاشمي من الإمارات العربية، وخليفة الشيحي من مصر.

وتربط النبيل حسن الجلبي المتواضع علاقات مميزة وطيبة مع الخطاطين في أرجاء العالم، تقوم على الاحترام والتعاون المتبادل. وهو يجمع ما بين المهارات العالية في كتابة الخطوط  وثقافته الواسعة  في فن الخط ومدارسه وتاريخه ورواد الخط فيه ومواد وأدوات الخط وآدابه.

أقوال في حسن الجلبي من تلاميذه

يُعرف حسن جلبي باعتباره الأكثر تميزا في فن الخط العربي وصاحب رسالة لتطوير وإحياء تقاليد الخط العربي في العصر الحديث. وقد برع في فن الخط ووضع نُصب عينيه نشر هذا الفن وتوطيد القواعد والمعايير الخاصة به وأن يكون الرابط لتقاليد الخط العربي العريقة.

كما يُعرف حسن جلبي صاحب الخلق الرفيع والأدب الجم كشخصية إيجابية نجح في تعليم فن الخط لعشرات الموهوبين في العالمين العربي والإسلامي وفي العالم أجمع. وقد زرع الصبر وأدب المهنة في نفوس أعلام الخط العربي في العالم، حتى أن لقب عائلته جلبي يعني حرفيًا باللغة التركية الرجل النبيل.

وقد أُخذ تشدده المهني في تعليم الطلاب في تعليم تقنيات وأدوات الفن من جانب الطلاب بطريقة إيجابية.  وتتطلب مهارة كتابة الخط العربي تدريباً متواصلا وصبراً كبيراً ، بشكل يستنهض تلك القوةٌ الخفيَّةٌ من قوة الإرادة التي تُمكِّن الإنسان من ضبط نفسه لتحمُّل المشقة لاكتساب المهارة اللازمة لفن الخط، بحيث تصبح هذه المهارة جزءً من شخصية المتدرب.

ولذلك، لم يكن من قبيل الصدفة أو المجاملة أن يشعر مشاهير كتاب الخط الغربي في العالم بالإمتنان الكبير لمعلهم الكبير الذي لم يعلمهم الخط وحسب، وإنما الصبر وأدب المهنة.

وقد قالت التركية هلال كازان إنه لشرف كبير لي أن أكون واحداً من طلابه.

وقالت التركية غولناز محبوب  تعلمنا على يديه أدب كتابة الخط بالمعنى الكامل للكلمة ؛ الحب والاحترام والتواضع تجاه الحروف، واتجاه كل الناس، أعطانا كل ما لديه من علم وفوق كل ذلك علمنا الصبر والتفاني. إنه أسطورة حية وكان امتيازًا وشرفًا عظيمًا لي للتعلم من هذا المعلم الكبير والنبيل.

وقال الفلسطيني الأميركي والأستاذ الجامعي في الهندسة الميكانيكية نهاد دخان، أن الجلبي رجل ذو جاذبية كبيرة وله ميزات قوية وصوت عميق والشخصية الكارزميه  ، ويشعر أي شخص من حوله بالراحة، إذا لا تفارقه البسمة وروح الدعابة، ويُعًلِم بإخلاص ولديه نوعًا من الخير يملأ الهواء من حوله.

وقال الأميركي الأوروبي محمد زكريا  أن حسن جلبي هو رئيس الخطاطين في فن الخط العربي وهو شخصية نبيلة استثنائية يتمتع بروح إنسانية عالية، واستعداد فطري للمساعدة والتعاطف مع الآخرين واستخدام كلمات مثل المعلم والاستاذ تقلل من حقيقة شخص مثله.

حسن الجلبي:  كيف لك أن تكون خطاطاً عربياً

أحب حسن الجلبي الخط العربي منذ طفولته، وهو يرى أن أن محبة كتابة الخط تسبق المهارة، وأن  هذه المحبة تزرع الصبر  الضروري  للتدرب على كتابة الخط يوميًا، إلى حين إتقان مهارة الخط.

ويرى حسن جلبي أن أحداً لا يمكنه أن يصبح خطاطًا دون اتباع نظام التدريب المتواصل على دفاتر التمرين Mesk system  ، حتى لو كان الطالب موهوبًا ، فإنه لن يكون قادرًا على الوصول إلى أعلى المستويات بدون معلم.

ونظام تعليم الخط في تركيا نظام صارم يهتم بأدق التفاصيل، التي تستطيع عين المعلم الماهر ملاحظتها. وفي هذا النظام، فإن أية انحرافات مجهرية في كتابة الخط تستوجب التصحيح.  ويتطلب الأمر من المتدرب، إدراك الحاجة للمثابرة والصبر على التدريب لاكتساب مهارة كتابة الخط بالمستوى المطلوب،  وهذا يستغرق وقتًا طويلاً.

ويرى حسن جلبي أن أنه بفضل هذه القواعد الصارمة ، فقد تم الحفاظ على جمال فن الخط العربي وترقيته.

المصادر

https://bit.ly/33tV4JN
https://bit.ly/2YHLxQt
 https://bit.ly/2KKKju3
http://ndukhan.com/my-story/
https://www.turkpress.co/node/20657
https://www.theislamicmonthly.com/interview-hasan-celebi/
http://ismek.ist/files/ismekOrg/File/ekitap/el_sanatlari/dergi13_eng.pdf
http://www.tombouctoumanuscripts.org/images/uploads/TimbuctuCataloguelo-res.pdf

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *