الخط العربي [2] | الخطاط نور الدين مي غوانغ الذي يكتب الخط العربي بحروف صينية

الخط العربي بحروف صينية

نور الدين مي: الخط العربي بالطريقة الصينية

الخط العربي| دُرًةَ الفن الإسلامي

لا يقتصر  دور الخط على مجرد كونه أداة للتواصل، وإنما يتعداه إلى كونه عمل فني متكامل. وفن الخط  Calligraphy  هو مهارة تتطلب القليل من الأدوات؛ القلم والحبر وسطح للكتابة.  ويقوم هذا الفن على قدرة أو مَلَكَةْ الخطاط في استخدام هذه الإدوات الثلاثة في تشكيل الحروف والرموز يدوياً وترتيبها بشكل مميز.

يعتمد فن الخط على مدى المعرفة بأشكال الحروف والرسومات، والمهارات الحركية والتقنية لِخَطْ وتشكيل الكلمات وترتيبها في إيقاع يحقق الانسجام والإتساق بشكل إبداعي يعكس جمالية الخط.

ويشكل الخط العربى أحد أشكال الفن البصرى المعاصر في الكتابة العربية. وتتميز الكتابة العربية بكونها متصلة، الأمر الذي من شأنه أن يجعلها  قابلة للتشكيل واكتساب أشكال هندسية مختلفة من خلال المد والبسط، والاستدارة والاستطالة والتشابك والتركيب. وتعكس قدرة الخطاط على المناورة بين الظل والنور والكتلة والفراغ، والخط واللون، فى تناغم واتساق،   مهارته في الإبداع والتميز في جماليات الخط العربي.


مواضيع ذات صلة
الخط العربي| دُرًةَ الفن الإسلامي.. الذي ولد في العراق

الخط العربي [1]|الخطاط فوآد هوندا الذي نقل الخط العربي للجزيرة اليابانية

الخط العربي [3]| الأميركي الأوروبي محمد زكريا سفير الفن الإسلامي في أميركا
الخط العربي [4]| الإيبيرية نورية غارسيا التي نقلت الخط العربي للعالمية
الخط العربي[5]| الأميركية إلينور هولند…نجمة ساطعة في الخط العربي واللاتيني
الخط العربي [6] | التركي حسن الجلبي.. رائد المدرسة التي نقلت الخط العربي إلى العالمية
الخط العربي [7]| نجيب نقاش وآخرون … حروفية عربية بأيدي غير عربية
كريم جعفر من المغرب| سفير الثقافة العربية في فرنسا
اللغة العربية في ميزان اللغات العالمي

ويمارس هذا الفن في العديد من اللغات التاريخية الحية، وتعد فنون الخطوط العربية والصينية (والهندية واليابانية..) أمثلة على تلك اللغات التي يكون لفن الكتابة الجميلة فيها تأثير كبير على الثقافة المحلية، يرقى لاعتباره فناً رئيسيًا.

وقد كُتبت المصاحف في العالم العربي، على يد الخطاطين منذ نزول القرآن. وقد اشتهر بين الخطاطين في العصر العباسي ابن بوابة وابن مقلة وياقوت، الذين وضعوا الأسس لخطوط الثلث والنسخة وغيرها. وعندما بدأت الطباعة، أصبح يجري طباعة نسخ تلك المصاحف المكتوبة يدوياً.

وقد شغف بالخط العربي كثير من العرب والمسلمين، وازدهر في عصور الأموييين والعباسيين والعصر العثماني. وكان هناك الكثير من الخطاطين في تركيا (حامد الأمدي، محمد الرفاعي، حسن شلبي..)، بدءً من السلاطين العثمانيين وأبناءهم  إلى المواطن العادي . ويوجد خطاطين في جميع الدول الإسلامية ومنها الباكستان والهند وماليزيا.

واشتهر الخط العربي في دول عربية كثيرة ومنها العراق (هاشم البغدادي، طه البستناني، يوسف ذنون..) ومصر (سيد إبراهيم، والشقيقين محمد وكامل إبراهيم، خضير البورسعيدي..) وسوريا (عثمان طه ومحمد حسني) والمغرب  (كريم جعفر في فرنسا)، والجزائر (محمد سعيد شريفي).

الخطاط نور الدين مي

ورغم تعقيد فن الخط العربي الجميل، فإن الشغف بجماليات الخط العربي امتد إلى دول غير إسلامية  ووصل إلى مواطنين في دول مثل اليابان (فؤاد كوئيتشي هوندا)، والولايات المتحدة (محمد زكريا) وأسبانيا (نورية غارسيا) والصين (نور الدين مي) وحديثا في روسيا (إدوارد ديماسوف).

الخط العربي: معلم بارز في الثقافة والتراث الإسلامي

شهد الخط العربي والعمارة الإسلامية اهتماماً وتطوراً كبيراً باعتباره أحد عناصر الثقافة والتراث الإسلامي. واستخدم الخط العربي لتزيين المباني وبلاط البورسلان والمزهريات وتزيين المساجد بآيات من القرآن.

وجاء الإهتمام بالخط العربي على حساب فن تصوير العناصر الشخصية و تجسيد الطبيعة ومحاكاتها التي يرى البعض أنها تقع في دائرة مضاهاة خلق الله تعالى. ولذلك، غابت فنون التصوير والرسم كثيراً عن الفنون الإسلامية، بناء على جدلية أن الأحاديث الشريفة نهت عنها،  في حين خالف هذه الجدلية أعلام من رجال الدين.

الخط العربي بحروف صينية

الصين والعالم العربي: تاريخ من العلاقات الحضارية الممتدة

يتميز كل من الخط العربي والصيني بتقاليد راسخة، مما يجعلها من أفضل مظاهر الكلمة المكتوبة في العالم. ويُظهر تاريخ الخط الصيني أنه واحد من أشكال الفن في الصين التي تحظى بقيمة ثقافية عالية، حتى أن الطريقة التي يَكتُب بها المرء ترقى إلى نفس أهمية مضمون ما يكتبه.

وقد تأثرت الصين بانتشار الإسلام في بداية عهده في القرن السابع، إذ كانت أجزاء كبيرة من طريقي الحرير البري والبحري من الصين واقعة في ديار الإسلام.  وشكل العالم الإسلامي في حينها كتلة اقتصادية عالمية كبيرة ، الأمر الذي عزز العلاقات التجارية بين الصين والعالم الإسلامي وساهم في تسهيل التجارة إلى أوروبا.

ولم يدخل الصينيون في صراع مع العرب، وركزوا اهتمامهم على تطوير التجارة (البورسلان، الورق، البخور، البارود….) واستفادوا من الأمن والاستقرار الذي وفره المسلمون على مسارات طرق الحرير البرية والبحرية.  وفي المقابل، سهل الصينيون للتجار العرب الوصول إلى بلادهم  والإقامة ومزاولة التجارة فيها، وأصبحت السفن العربية تصل إلى ميناء كوانغتشو (كانتون) في جنوب الصين.

كانت الصين منارة للمعرفة،  ومنفتحة على تعاليم الإسلام في ذلك الزمان، حتى أنها سمحت للمسلمين بالاندماج في المجتمع عندما جاء الإسلام إلى الصين خلال عهد أسرة تانغ.  وأخذ المسلمون ذوي الأصول العربية من التجار والجنود الذين يتحدثون الصينية في الزواج من فتيات من قومية الهان، وهم غالبية الصينيين، مما أسهم في تشكيل هوية خاصة بهم وأدى لنشوء الطائفة الإسلامية في الصين.

وانتقلت كلمات عربية كثيرة إلى اللغة الصينية، وهناك عدد كبير من الكلمات الصينية ذات الجذورالعربية.  وتطور في الصين أنماط وأساليب مميزة لكتابة الخط العربي، والتي توصف بالخط العربي الصيني  Sini . وطور المسلمون الصينيون نمطاً جديدًا ثنائي اللغة من الحروف العربية والتي تترجم حرفيًا من العربية إلى الصينية، مما أسهم في التمازج بين الحروفية الصينية والعربية والتصميم الإسلامي.

وقد تجدد الإهتمام بالخط العربي في الصين في العقود الثلاثة الأخيرة حيث تشكل الطائفة الإسلامية في الصين نسبة 1-2%، من بين 1420 مليون نسمة من سكان الصين في يوليو عام 2019.

طفولة نور الدين مي

وُلد نور الدين مي غوانغ جيانغ  米广江، لعائلة صينية مسلمة في عام 1963 في في قرية هانتشوانغ في محافظة يوتشنغ Yucheng في مقاطعة شاندونغ Shāndōng  الساحلية المطلة على بحر الصين شرقاً. ونور الدين هو الإسم الإسلامي للخطاط  الصيني مي غوانغ جيانغ.

بدأ تعلق نور الدين مي باللغة العربية منذ صغره حيث اعتاد على سماع ورؤية الكلمات العربية في المناسبات الإجتماعية.  وقد كان من بين عادات أهل القرية دعوة إمام لكتابة دعاء على لوحة، تُثبت على واجهة الأبنية الجديدة، أو على مدخل منزل أو غرفة عروسين في اليوم السابق للزفاف طلباً للبركة والتوفيق من الله الرحيم.  وقد أحب مي قوانغ جيانغ الخط العربي من خلال خطوط الأدعية التي كان يراها في الحياة اليومية في صغره.

وحين بلغ سن العاشرة، طلب إمام مسجد البلدة من والده تقديم يد المساعدة بإعداد لوحات لتزيين مدخل المسجد احتفالاً بمناسبة زواج. وقد شدت روعة وجمال تلك اللوحات الحمراء المعلقة على المدخل وتلك الخطوط السوداء بانحناءاتها المختلفة المطبوعة على اللوحات انتباه الطفل نور الدين مي. وقد علم من والده أنها مكتوبة بالخط العربي وتحتوي على البسملة وأدعية ليحفظ الله العروسين ويبارك زواجهما.

تلك كانت بداية الطريق إلى العالمية للخطاط الفنان المجدد نور الدين مي؛ الخط العربي بحس صيني.

نور الدين مي| مسيرة الخط العربي

استحوذت جماليات الخط العربي على مخيلة نور الدين مي، منذ صغره.  وعند إنتهاء الدراسة الثانوية في عام 1980م، وكان عمره 17 سنة،  بدأ مسيرة اللغة العربية ودراسة العلوم الإسلامية مع الشيخ شا أن شيانغ Shaing Chang في مسجد في مقاطعة شاندونغ، بدءً من تعلم الحروف العربية ، واستمرت هذه الدراسة لمدة عامين.

الخط العربي بالطريقة الصينية Sini

وفي عام 1982، ذهب إلى مدينة هارار Harare في مقاطعة منغوليا الداخلية ذاتية الحكم شمال الصين لدراسة العلوم الإسلامية وتَعلُم الخط العربي  على يد الشيخ محمد السعيد (وإسمه الصيني لي ون شيوان Lee Winchen)، واستمرت دراسته لخمسة أعوام . وقد كتب محمد السعيد القرآن كاملا بحرف النسخ في عام 1989، وكان يتميز بكتابة الخط العربي على النمط الصيني.

وفي ديسمبر عام 1987، ذهب إلى مدينة تسانغتشو بمقاطعة خبي Khubai لدراسة الخط العربي على يد الإمام شا جين ينغ. وفي فبراير عام 1988، درس العربية بجامعة الدراسات الأجنبية ببكين.

عمل بعد إنتهاء دراسته في عام 1989م كمترجم لشركة حكومية صينية في دولة الكويت. وسمحت له خبرته العملية كمترجم، واحتكاكه باللغة العربية من خلال قراءة الصحف والتردد على الخطاطين المحليين في أوقات فراغه، بالتعرف على أدوات الكتابة الأصلية للخط العربي، وعلى الخط العربي التقليدي بخطوطه الجميلة التي طالما سحرته وجذبته. غير أن أحداث الكويت في عام 1990م نتيجة للاحتلال العراقي أجبرته على مغادرة الكويت.

خطوط النسخ والثلث

توجه إلى مصر لتعلم الخط خلال الفترة 1991-1999مع عدة خطاطين من بينهم خضير البورسعيدي رئيس جمعية الخطاطين المصريين. وتعلم من أساتذة الخط في مصر أوجه الخط العربي التقليدي المتعلقة بخطوط الثلث Thuluth والنسخ Naskh .

حصل نور الدين مي على شهادة في الخط العربي من مصر في عام 1997، وكان أول مسلم صيني يحصل عليها.  وتم قبوله كعضو في الجمعية المصرية للخط العربي. وقد منحه خضير البورسعيدي شهادة تقدير لجهوده في مجال الخط العربي ومساهماته القيمة في نشر هذا الفن من مصر إلى الصين.

انتقل نور الدين مي إلى تركيا في عام 2008 حيث يوجد في اسطنبول تاريخ طويل من الخطاطين الذين كتبوا العديد من الأشياء الجميلة، وتحديداً بخطوط الثلث والنسخ. وكان فن الخط العربي هو أحد ميادين الفنون الإسلامية، التي ارتقى بها الأتراك العثمانيون منذ القرن الخامس عشر الميلادي وحتى أوئل القرن العشرين.

ودرس نور الدين مي خطوط  الثلث والنسخ الرائعة والمُبدعة مع أساتذة من أعلام الخط العربي في تركيا ومن  بينهم حسن شلبي وداود بكتاش. وقد وجد في دراسته تصديقاً لما كان يتردد من أن القرآن نَزلَ في مكة والمدينة وقُرأَ في مصر وكُتب في تركيا.

ولم تكن دراسته في تركيا مقتصرة على الخط العربي، وإنما تعلم الأدب والأخلاق والدين على يد أساتذته. لذلك كانت تجربة تعلم فن الخط العربي شاملة بأبعادها الفنية والأخلاقية الأمر الذي أسعد نور الدين مي كثيراً.

نموذج إجازة في الخط العربي من أعلام الخطاطين في تركيا

حصل نور الدين مي على دبلوما (إجازة) في الخط العربي في خطوط الثُلث والنَسْخ، موقعة من قبل أساتذة الخط العربي حسن شلبي وداود بيكاش  فرحان كورلو وأحمد كوتلوهان في إسطنبول تركيا  في عام 2017. كان نور الدين مي أول خطاط صيني يتم تكريمه من قبل مدرسة الخط العثماني.

وقد أصبح الفنان المجدد متخصصاً في أصول كتابة الخط العربي التقليدية في خطوط الثُلث والنَسْخ التي تعلمها على يد اساتذته في مصر وتركيا، فضلاً عن الخط العربي بالأسلوب الصيني الذي نشأ من التقاليد الصينية للطائفة الإسلامية وتعلمه على يد الشيخ محمد سعيد في الصين وآخرين.

الخط العربي والكتابة الصينية

اعتاد المسلمون منذ دخول الإسلام على استخدام الريشة في كتابة الخط العربي، ثم استخدموا من بعدها أقلام القصب Reed (أو البوص والخيزران) برؤوس عريضة، والتي لا تزال مستخدمة.  ويستخدم الصينيون  أدوات كتابة صينية مثل الأقلام الخشبية برؤوس مبرية عريضة أو رفيعة و فراشي الكتابة مختلفة القياسات والأشكال.  وقد تطورت أدوات الكتابة  بتوفر أشكال كثيرة من الأقلام لممارسي فن الخط.

نماذج أقلام كتابة الخط العربي

وقد بدأ المسلمون الصينيون بكتابة القرآن بأدوات صينية باستخدام الفرشاة والحبر التقليدي في مواقع مثل المسجد الكبير في شيآن ونسخ القرآن بخط اليد في شرق الصين قبل سبعة قرون.

وهناك فروق عامة تميز فن الخط العربي التقليدي والأسلوب الصيني في الخط العربي من حيث أدوات الكتابة؛ القلم والحبر وسطح للكتابة، وأسلوب الكتابة. وقد تناول نور الدين مي في جامعة بكين وفي مقابلات أخرى أهم هذه الفروق كما يراها،  ومن بينها أنه:

  • يستخدم أوراقاً عرضية وأخرى عمودية ملفوفة للدمج بين نمطي الخط الصيني الذي يُكتب عمودياً وتكون فيه الكلمة الواحدة عبارة عن كتلة واحدة بينما يُكتب الخط العربي أفقياً على أوراق عرضية، وتتكون كل كلمة من عدة حروف.
  • يستخدم في كتابة الخط العربي أحد خصائص الكتابة الصينية، وهي التوقيع إما من خلال ختم أحمر يحتوي على اسمه، أو ومن خلال إمضاء مكتوب عمودياً كما تبين كثير من الأشكال.
  • يتم إنجاز اللوحة في وقتِ قصير، ربما دقائق معدودة، حيث يسترسل في كتابة اللوحة لحين إنجازها، في حين تتم عملية كتابة الخط العربي ببطىء وعلى مراحل وحسب نوع الخط وطبيعة اللوحة.

ويعود  فارق الوقت في الإنجاز كما يرى الخطاط نور الدين مي إلى اختلاف نوعية الورق. وتستخدم الفرشاة في الكتابة الصينية على نوعية ورق سريعة الجفاف، الأمر الذي يستدعي من الخطاط الصيني سرعة الإنجاز والعناية في خط زوايا وانحناءات الحروف، بينما يستخدم الخطاط العربي أقلام القصب على نوعية ورق تسمح بالكتابة المتقطعة على مراحل وتعديل الخط.

ويتميز الأسلوب الصيني في الخط العربي بتشكيلات دائرية مدببة، وأشكال سميكة وأخرى رقيقة، وكلمات تحاكي تدفق كتابة الحروف الصينية.

ولا يتبع الخط العربي بالإسلوب الصيني قواعد الخط العربي من حيث ارتفاع الحرف لكل نوع من الخطوط أو سُمْك الحرف واتجاههه من اليمين الشمال. وهناك حرية في ترتيب الكلمات، بحيث يمكن كتابتها في الإتجاهين من أعلى إلى أسفل ومن اليمين إلى اليسار ومن الوسط إلى الخارج. وفي هذا النمط، نرى الخط العربي يُجسد على شكل حرف صيني، ونرى الأحرف الصينية تُجسد على شكل آيات قرآنية عربية، الأمر الذي يعكس مدى التحديات الفنية والبراعة اللازمة في الخط العربي وفق الطريقة الصينية.

من لوحات الخطاط الصيني

المسيرة الأكاديمية والمهنية في الصين

بدأ نورالدين مي يدرس في مدرسة اللغة العربية بمدينة شانغتشي في مقاطعة شانشي في عام 1986.

وعمل بعد عودته من مصر باحثاً في الثقافة الإسلامية ومحاضراً لتدريس فن الخط العربي بشكل رئيسي (وأحياناً لتدريس اللغة العربية) في جامعة العلوم الإسلامية بتشنغتشو Zhengzhou عاصمة مقاطعة هنان Henan (خنان) المجاورة لشاندونغ.

وقد أسس نور الدين مي برنامجاً أكاديمياً متخصصاً لتعليم الخط العربي، وبدأ في تدريس أول دورة منهجية للخط العربي في كلية تشنغشتو الإسلامية في الصين  في عام 2000. ونظم ورشات عمل محلية ضمت آلاف الطلاب لتعليم الخط العربي للطلاب وأصبح العديد منهم خطاطين ناجحين.

وهو مؤلف لعدة كتب في مجال الخط العربي ومكانته في الثقافة الصينية.

المسيرة الأكاديمية والمهنية عالمياً

اشتهر نور الدين مي في أرجاء الصين والعالم الإسلامي والعالم، بإبداعه وتجديده في فن الخط العربي العريق، وحازت أعماله شهرة واسعة في مختلف  الأوساط الفنية العالمية.  وهو يرى أن الخط العربي هو درة نتاج الفن الإسلامي ونتاجه التاريخي- وهو أحد أشكال التعبير الفني التفصيلي من بين الأنماط الخطية الباقية في عالمنا اليوم.

وصف البروفيسور هيو غودارد، مدير مركز الوليد لدراسة الإسلام في العالم المعاصر بجامعة إدنبرة نور الدين مي ، بأنه أحد أكثر الفنانين المسلمين المعاصرين إثارة للاهتمام والحيوية.

وعرضت أعمال نور الدين مي كأول فنان صيني في أنحاء عديدة من العالم  في مراكز ثقافية عالمية. ومن بين هذه المتاحف المتحف البريطاني في لندن، ومتحف سان فرانسيسكو للفن الآسيوي والمتحف الوطني الاستكلندي ومتحف الفنون بجامعة هارفارد.

من لوحات الخطاط الصيني: أسماء الله الحسنى بحروف عربية تبدو كحروف صينية

وقد اقتنى المتحف البريطاني في عام 2005 لوحة أسماء الله الحسنى بالخط العربي بأحرف عربية تُحاكي الحروف الصينية، ليعرضها بصفة دائمة في معرض الفن الإسلامي في المتحف.  ويعود التشابه الكبير مع الأحرف الصينية أن أسماء الحسنى تضم حرفي أ و ولام (أل التعريف، الرحمن؛ الرحيم؛ …..) في جميع الأسماء والتي تبدو كحروف صينية عند تشكيلها.

شارك نور الدين مي في العديد من ورش العمل للخط العربي خارج الصين. وقد شارك في ورش عمل للتعريف بالخط العربي على الطريقة الصينية في موسكو وفي دبي وفي مركز قطر الإسلامي الثقافي.

وشارك نور الدين مي في الولايات المتحدة  في محاضرات للتعريف بالخط العربي وتدريب المهتمين الكثيرون بتعلم الخط العربي من خلال وُرَش عمل   في معهد الزيتونة في كاليفورنيا  تضم مسلمين وغير مسلمين وشباب وكبار في السن وبعضهم مهنيون.

كما ألقى عدداً كبيراً من المحاضرات  في مؤسسات أكاديمية مرموقة في العالم،  والتي اعتمدت على عرض تقنيات الخط العربي التقليدية والصينية أمام الحضور وقد ضمت جامعة بكين وجامعة هارفارد وجامعة كامبريدج وجامعة بيركلي في كاليفورنيا، وجامعة بوسطن ومعهد مساشوستس للتكنولوجيا.

عرضت أعمال نور الدين مي في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا والمملكة المتحدة وإيطاليا وإيرلندا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت، والجزائر ومصر وتركيا، وسنغافورة وباكستان والهند، وأوزبكستان وموريشيوس، وجنوب إفريقيا.

من لوحات الخطاط الصيني

فاز نور الدين مي  بجائزة الاقتصاد الإسلامي في  أكتوبر من عام 2016 من دبي تقدير لمساهمته في الفنون والثقافة الإسلامية في العالم، وفي التعريف بفن الخط العربي بالأسلوب الصيني القديم والتقليدي والمحافظة عليه وتعميمه وإعداد جيل جديد من فناني الخط.

ولدى نور الدين مي مشروع لكتابة المصحف باللغة الصينية  بدأه في عام 2010 ويأمل في إنجازه خلال 20-2021. ويقوم حاليًا بتطوير معرضه الخاص بعنوان البيت الصيني لفن الخط العربي الإسلامي ومركز الإبداع العربي للخط العربي في الأكاديمية الوطنية للرسم والخط في مقاطعة خنان بالصين.

اسهامات نور الدين مي الثقافية

أبدع نور الدين مي في فن الخط العربي، بأسلوبه الصيني الفريد، وباستخدام الورق والحرير الصيني التقليدي. وقد عمل على مزج فن الخط العربي التقليدي بتقنيات ووسائل فنون الخط الصينية التقليدية، في لوحات،  لا تعبر عن أسلوب فني رائع فحسب، بل تجسد تمازج بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الصينية، وتعيد إلى الأذهان التفاعل الحضاري الذي نشأ على طريق  الحرير منذ القرن السابع الميلادي بين الحضارة العربية الإسلامية والصين، والتي تعمل حكومة الصين على بعثها في إطار مبادرة الحزام والطريق،  لأسباب اقتصادية وثقافية.

وتشهد أعمال نور الدين مي الفنية الفريدة على القدرات التجميعية الفائقة للإنسان وقدرته على الجسر بين الثقافات.  فقد عمل على التعامل مع الخط العربي، ليس كمجرد فن الخط (كاليغرافيا)،  وإنما اجتهد لتحقيق التبادل الحضاري وتعزيز الصداقة بين الشعوب من خلال أعماله الفنية. فهو يسعى للتجديد، من خلال لوحاته، لكسر حاجز اللغة لدى المشاهدين الصينيين والعرب على حد السواء، من خلال تطوير أعمال فنية ثنائية اللغة تضم كلمات أو جمل ذات مغزى يمكن قراءتها باللغتين الصينية والعربية في آن واحد، وتحمل نفس المعاني في الثقافتين، مثل الله و主 أو السلام و 宁ورسول.

و وهناك لوحات يظن المشاهد للوهلة الأولى أنها مخطوطة بالأحرف الصينية، بينما تُقرأ كأحرف عربية. وهو بذلك يجسد مثالاً لالتقاء وتفاعل الثقافات والتي تنتج أعمالا إبداعية جميلة، تُظهر قدرة نور الدين مي، المشبع بثقافته الصينية الوطنية، على تحريك الأحاسيس والوجدان وإيصال الرساله الموجهة من داخل العمل الفني، لا من خلال الخط وإنما من خلال الحرف العربي بهيئة الحرف الصيني (Sini) الذي يمكن إيصاله لجمهور لا يفهم الحرف العربي.

كما استخدم الخط العربي التقليدي داخل رموز ثقافية صينية، مثل أواني الخزف (صورة واجهة المقالة).  وقد كان من شأن ذلك الأسلوب التفاعلي أنه لقى إعجابا كبيرا من الزائرين الصينيين لمعارضه، وتمكينهم من تذوق أعمال فنيات الخط العربية دون حاجة إلى فهم معاني الكلمات، نظراً لثراء محتواها الفني.  ويقول عدد كبير من الصينين لا يعرفون اللغة العربية، لكنهم يتذوقون الخط العربي ويحبون كتابته بالاسلوب الصيني.

الخطاط نور الدين مي قوانج
انور الدين مي يعرض نماذج الخطوط في محاضراته

ويتميز عمل نور الدين مي بتقنية عالية في عرض انواع الخط العربي وخصوصيتها بالاسلوب الصيني بشكل حي ومباشر في محاضراته ومشاركاته التعليمية.

ومعظم أعمال نور الدين مي هي في مجال كتابة الآيات والأحاديث والأدعية. غير أن له كتابات في مجال الرموز والآرمات التجارية. وعلى سبيل المثال، فقد قام بكتابة شعار “حلال طيب” لمطعم في سيدني بأستراليا على شكل ميزان، ورغم أن الجمهور الأسترالي لا يقرأ العربية، إلا أنه فهم الرسالة وأصبح الشعار مُمَيِزاً للمطعم بين زبائن المطعم.

اشتهر حاجي نور الدين مي كشخصية مسلمة مؤثرة في جميع أنحاء العالم، واعتبرته جامعة جورجتاون الأميركية واحدا من أهم 500 شخصية إسلامية خلال تسعة سنوات متتالية (2009-2018).

استطاع الحاج نور الدين مي ان يستحضر كماً كبيراً  من المعرفة في الفن الإسلامي التقليدي  وتقديم فكرة مُبهرة حية بالكتابة المباشرة أمام الحضور عن الفن والتراث الاسلامي الي المشاهد المعاصر من خلال فنية وجمال الخط من ناحية ومن خلال إيصال مفهوم الأيات القرآنية التي يكتبها.

ويؤدي نور الدين مي دوراً كبيراً بالتعريف بالثقافة الإسلامية من خلال عرض فنيات الخط العربي وأبعادها التاريخية والثقافية، من خلال مشاركاته ومحاضراته في مراكز عالمية مرموقة لنخب من العلماء والمثقفين، وهو ما يعجز عنه جيش من الواعظين.

المصادر

https://bit.ly/2JF1mgy
https://bit.ly/2LhZlu5
http://www.hajinoordeen.com/gallery.html
http://arabic.people.com.cn/n3/2016/0311/c31657-9028925-3.html
http://www.jehad.co/main/portfolio/mi-guang-i-master-of-arabic-calligraphy-2/
https://www.bintbattutadiaries.com/2018/11/16/hajji-noor-calligraphy/
https://www.uskudar.bel.tr/userfiles/files/Ipek_Yolu_Ebru%26Hat_SML.pdf
https://www.theworldofchinese.com/2014/12/the-secrets-of-chinese-arabic-calligraphy/
https://www.mei.edu/publications/islamic-calligraphy-china-images-and-histories

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *